فهرس الكتاب
الصفحة 1042 من 1408

وأما العباد، فإنما هم أسباب تأتي النعم على أيديهم، وأسباب في إيصال النعمة إليك، فمن كان سبباً في معالجتك، أو سببا في تعيينك، أو سببا في نجاحك، أو نحو ذلك، لا يدل على أنه هو ولي النعمة، أو هو الذي أنعم، فإن ولي النعمة هو الرب -جل وعلا- وهذا من كمال التوحيد؛ فإن القلب الموحد يعلم أنه ما ثم شيء في هذا الملكوت إلا والله - جل وعلا - هو الذي يرسله، وهو الذي يمسك ما يشاء كما قال سبحانه-: { مَا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ } (فاطر: 2) فكل النعم من الله - جل وعلا - والعباد أسباب في ذلك، فالواجب إذا أن تنسب النعمة إلى المسدي لا إلى السبب؛ لأن السبب لو أراد الله -جل وعلا- لأبطل كونه سببا، وهذا السبب إذا كان آدميا، فقلبه بين أصبعين من أصابع الله -جل وعلا- لو شاء لصده عن أن يكون سببا، أو أن ينفعك بشيء، فالله -جل وعلا- هو، ولي النعمة، قال شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- {ما من أحد تعلق بمخلوق إلا وخذل، وما من أحد تعلق بمخلوق في حصول النفع له، أو اندفاع مكروه عنه إلا خذل، وهذا في غالب المسلمين} .

وذلك لأن الواجب على المسلم أن يعلق قلبه بالله، وأن يعلم أن النعم إنما هي من عند الله ، والعباد أسباب يسخرهم الله -- جل جلاله -- وهذا هو حقيقة التوحيد، ومعرفة تصرف الله -جل وعلا - في ملكوته.

(ق) : قوله تعالى: { يعرفون } . أي: يدركون بحواسهم أن النعمة من عند الله .

قوله تعالى: { نعمة الله } . واحدة والمراد بها الجمع، فهي ليست واحدة، بل هي لا تحصى، قال تعالى: { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } (إبراهيم: 34) ، والقاعدة الأصولية: أن المفرد المضاف يعم، والنعمة تكون بجلب المحبوبات، وتطلق أحيانا على رفع المكروهات.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام