فهرس الكتاب
الصفحة 369 من 393

إن حقيقة الرضا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيا ورسولا تتمثل في الإيمان به وتصديق خبره وقبوله والانقياد له جملة وعلى الغيب، والتحاكم إلى هديه وشريعته - صلى الله عليه وسلم -.

وإن من لم يقبل ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم - من الشرائع والأحكام، أو تلقى هديه على الجملة من غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو لم يرض بحكمه - صلى الله عليه وسلم -، أو لم يحكم بشريعته التي جاء بها فهو كافر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - غير مؤمن به.

ولذلك قال ابن القيم رحمه الله في بيان المقصود بالإيمان بالنبي - صلى الله عليه وسلم: وأما الرضا بنبيه رسولا فيتضمن كمال الانقياد له والتسليم المطلق إليه بحيث يكون أولى به من نفسه.

فلا يتلقى الهدى إلا من مواقع كلماته - صلى الله عليه وسلم -، ولا يُحاكم إلا إليه، ولا يُحَكّم عليه غيره، ولا يرضى بحكم غيره البتة لا في أسماء الرب وصفاته وأفعاله، ولا في شيء من أذواق حقائق الإيمان ومقدماته، ولا في شيء من أحكام ظاهرة وباطنة، ولا يرضى في ذلك بحكم غيره، ولا يرضى إلا بحكمه. اهـ [1]

ومما يبين اشتراط الرضا بحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - ودينه وهديه وشريعته في صحة الإيمان بالله تعالى أن الله تعالى أقسم بنفسه المقدسة أن أحدا لا يكون مؤمنا حتى يحكم النبي - صلى الله عليه وسلم - وشريعته في كل شيء ولا يكون في نفسه ضيق أو حرج من ذلك الحكم بل يجب أن يمتلئ قلبه بالرضا والتسليم والقبول، فقال تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [2]

قال ابن كثير رحمه الله: يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول - صلى الله عليه وسلم - في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا، ولهذا قال {ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} ، أي إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به وينقادون له في الظاهر والباطن، فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير

(1) مدارج السالكين 2/ 171.

(2) سورة النساء، الآية: 65.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام