فهرس الكتاب
الصفحة 222 من 393

أحدهما: أنها مستحبة، وبه قال أبو حنيفة لقوله - صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) ، فأوجب قتله ولم يوجب الاستتابة إلى قوله:

الثاني: أن الاستتابة واجبة لقوله تعالى {قل للذين كفروا إن ينتهوا يُغفر لهم ما قد سلف} [1] ، فأمر الله بمخاطبة الكفار بالانتهاء ولم يُفرق بين الأصلي والمرتد.

وبالقول الأول قال عبيد بن عمير وطاووس والحسن وأحمد في إحدى روايتيه، وبالقول الثاني قال عطاء والنخعي ومالك والثوري والأوزاعي وأصحاب الرأي.

وقال الشوكاني بعدم الوجوب، وقال أهل الظاهر يُقتل في الحال، ونقله ابن المنذر عن معاذ، وعليه يدل تصرف البخاري، فإنه استظهر بالآيات التي لا ذكر للاستتابة فيها، والتي فيها أن التوبة لا تنفع، وبعموم قوله - صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) ، وبقصة معاذ المذكورة ولم يذكر غير ذلك.

وقال الطحاوي رحمه الله في شرح معاني الآثار: ذهب هؤلاء إلى أن حكم من ارتد عن الإسلام حكم الحربي الذي بلغته الدعوة، فإنه يقاتل من قبل أن يدعى، قالوا: إنما تُشرع الاستتابة لمن خرج عن الإسلام لا عن بصيرة، فأما من خرج عن بصيرة فلا، ثم نقل عن أبي يوسف موافقتهم. اهـ [2] .

قلت: والراجح والله تعالى أعلم عدم وجوب الاستتابة، فإن الأدلة عند التحقيق ليس فيها تصريح باشتراط الاستتابة قبل قتل المرتد، وأدلة وجوب قتل المرتد عامة فيمن استتيب وغيره.

ولكن تعرض التوبة على من ارتد، فإن تاب وإلا قتل، وليس ذلك على سبيل الإيجاب، ولكن على سبيل للندب.

وقد حكى ابن القصار من المالكية إجماع الصحابة على وجوب الاستتابة - يعني

(1) سورة الأنفال، الآية: 38.

(2) المجموع ج 21/ 78، وراجع فتح الباري ج 12 كتاب استتابة المرتدين والمعاندين باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهم، وقد ذكر رحمه الله المسألة مختصرة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام