فهرس الكتاب
الصفحة 157 من 477

ومن عجيب أمر بعض المسافرين أنهم ينفقون مالا عظيما في أسفارهم، لا ينفقون عشره في مجالات الخير، ونفع الناس، والصدقة على الفقراء.

وأعجب من ذلك أن واحدهم يزعم محبة الله تعالى، ومحبة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وهو في كل سنة يقطع آلاف الأميال في سفر محرم، ويُصَبِّر نفسه على الرَّهَق والعُسْر والزحام في المطارات وغيرها، ومكة والمدينة قريبتان منه، فيغيب عنهما سنة وسنتين، بل عشرا وعشرين، ولربما أنكر على ولده أو قرابته كثرة العمرة وزيارة المدينة، بحجة الزحام والحر ونحو ذلك، وهو لم يمنعه تكلف صعاب أعظم، ومسافات أطول، ونفقات أكثر من سفره المحرم، فأي حرمان وخذلان لمن كان هذا حالَه؟ نسأل الله تعالى السلامة والهداية.

ومن أبى مع ذلك كله إلا أن يختار السفر المحرم، ولم يقدر على كبح جماح شهوته، فعليه أن يتقي الله تعالى في سفره، وأن يراقب أهله وولده، وأن يدعو إلى الإسلام من خالطه من أهل الكفر، أو إلى الطاعة من رآه من المسلمين على معصية؛ لعله بذلك أن يُكفِّر بعض سيئات سفره.

وأما تركه لأهله وولده يسرحون ويمرحون كيف شاءوا، ويأتون من المنكرات ما أرادوا؛ فذلك من تضييع الأمانة، وخيانة الديانة، وهم متعلقون في رقبته يوم القيامة لا محالة، وكلكم راع ومسئول عن رعيته.

كما يجب عليه أن يلزم زوجه وبناته الحجاب الشرعي حتى لو كانوا في بلاد لا يلتزمه أهلها؛ إذ إن الوقوع في المحرم - وهو السفر إلى تلك البلاد- لا يسوغ المحرمات الأخرى.

ويجب عليه أن يلزم رفقته إقامة الصلاة في وقتها، فكم تنسى الصلاة في بلاد لا تُرى فيها المساجد إلا قليلا، ولا يُعلن بالنداء للصلاة فيها، فلعل من حافظ على دينه أن يرزقه الله تعالى وأهله وولده خشية وصلاحا في قلوبهم، تجعلهم يستغنون عما حرم الله تعالى عليهم بما أحل لهم، فيُعتقون من أَسر هذه المعاصي والآثام.

ولا يحل لمسلم أن يبدي إعجابه بأحوال الكفار، وما هم عليه من حسن المعيشة والحال دون أن يقرن ذلك بالتحذير من كفرهم، وبيان سوء عاقبتهم؛ لئلا يغتر بمديحه ضعاف القلب والإيمان.

والثناء على الكفار ومدحهم بإطلاق سبب لمحبتهم ومودتهم، ومحبة مناهجهم وطرائق عيشهم؛ والله تعالى يقول: [لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِالله وَاليَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ـ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ الله أَلَا إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المُفْلِحُونَ] {المجادلة:22} .

كما أنه سبب لتوليهم والله تعالى يقول: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لَا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ] {المائدة:51} .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام