تبين ذلك فمعنى الآية المترجم لها أن موسى - عليه السلام - أمر قومه بدخول الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم ولا يرتدوا على أدبارهم خوفا من الجبارين بل يمضوا قدما لا يهابونهم ولا يخشونهم متوكلين على الله في هزيمتهم مصدقين بصحة وعده لهم إن كانوا مؤمنين قال ابن القيم فجعل التوكل على الله شرطا في الإيمان فدل على انتفاء الإيمان عد انتفائه وفي الآية الأخرى { وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين } فجعل دليل صحة الإسلام التوكل وقال { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } فذكر اسم الإيمان ههنا دون سائر أسمائهم دليل على استدعاء الإيمان للتوكل وأن قوة التوكل وضعفه بحسب قوة الإيمان وضعفه وكلما قوي إيمان العبد كان توكله أقوى وإذا ضعف الإيمان ضعف التوكل وإذا كان التوكل ضعيفا فهو دليل على ضعف الإيمان ولا بد والله تبارك وتعالى يجمع بين التوكل والعبادة وبين التوكل والإيمان وبين التوكل والتقوى وبين التوكل والإسلام وبين التوكل والهداية فظهر أن التوكل أصل لجميع مقامات الإيمان والإحسان ولجميع أعمال الإسلام وأن منزلته منها كمنزلة الجسد من الرأس فكما لا يقوم الرأس إلا على البدن فكذلك لا يقوم الإيمان ومقوماته إلا على ساق التوكل.
(ق) : والتوكل: هو الاعتماد على الله - - سبحانه وتعالى - - في حصول المطلوب، ودفع المكروه، مع الثقة به وفعل الأسباب المأذون فيها، وهذا أقرب تعريف له، ولا بد من أمرين:
الأول: أن يكون الاعتماد على الله اعتمادا صادقا حقيقيا.
الثاني: فعل الأسباب المأذون فيها.
فمن جعل أكثر اعتماده على الأسباب، نقص توكله على الله ، ويكون قادحا في كفاية الله ، فكأنه جعل السبب وحده هو العمدة فيما يصبو إليه من حصول المطلوب وزوال المكروه.