فهرس الكتاب
الصفحة 837 من 1408

قال أبو بكر: جرت مسألة في المحبة بمكة - أعزها الله في أيام الموسم - فتكلم الشيوخ فيها، وكان الجنيد أصغرهم سناً، فقالوا: هات ما عندك يا عراقي، فأطرق رأسه ودمعت عيناه، ثم قال: عبد ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرق قلبه أنوار هيبته، وصفا شرابه من كأس مودته، وانكشف له الحياء من أستار غيبه، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فعن الله ، وإن تحرك فبأمر الله ، وإن سكن فمع الله ، فهو لله وبالله ومع الله . فبكى الشيوخ وقالوا: ما على هذا مزيد، جبرك الله يا تاج العارفين.

وذكر رحمه الله تعالى: أن الأسباب الجالبة للمحبة عشرة:

أحدهما: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به.

الثاني: التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض.

الثالث: دوام ذكره على كل حال باللسان والقلب والعمل والحال فنصيبه من المحبة على قدر هذا.

الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى.

الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة وميادينها.

السادس: مشاهدة بره وإحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة.

السابع: وهو أعجبها - انكسار القلب بين يديه.

الثامن: الخلوة وقت النزول الإلهي وتلاوة كتابه ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.

التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيداً لحالك ومنفعة لغيرك.

العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله - عز وجل -.

فمن هذه الأسباب العشرة وصل المحبون إلى منازل المحبة ودخلوا على الحبيب.

(ق) : فإن قيل: قد ينقدح في ذهن الإنسان أن المؤمنين يحبون هذه الأنداد نظرا لقوله: { أشد حبا لله } فما الجواب؟.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام