فإن الجن الذي يقترنون بالإنس من جنسهم فإن كان كافرا ووافقهم على ما يختارونه من الكفر والفسوق والضلال والإقسام عليهم بأسماء من يعظمونه وللسجود لهم وكتابة أسماء الله أو بعض كلامه بالنجاسة فعلوا معه كثيرا مما يشتهيه بسبب ما برطلهم به من الكفر وقد يأتونه بما يهواه من امرأة وصبي بخلاف الكرامة فإنها لا تحصل إلا بعبادة الله والتقرب إليه ودعائه وحده لا شريك له والتمسك بكتابه واجتناب المحرمات فما يجري من هذا الضرب فهو كرامة وقد اتفق على هذا الفرق جميع العلماء وبالجملة فإن عرفت الأسباب التي بها تنال ولاية الله عرفت أهلها وعرفت أنهم أهل الكرامة وإن كنت ممن يسمع بالأولياء وهو لا يعرف الولاية ولا أسبابها ولا أهلها بل يميل مع كل ناعق وساحر وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ولشيخ الإسلام كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان فراجعه فإنه أتى فيه بالحق المبين.
(تم) : لما ذكر الإمام -رحمه الله تعالى- ما جاء في السحر وما اتصل بذلك من حكمه وتفصيل الكلام فيه -ذكر أن السحر قد يأتي في النصوص، ولا يراد منه السحر الذي يكون بالشرك بالله -جل وعلا- فإن اسم السحر عام في اللغة، يدخل فيه ذلك الاسم الخاص الذي فيه استعانة بالشياطين والتقرب إليها وعبادتها لتخدم الساحر، ويدخل فيها أمور أخرى يطلق عليها الشارع أنها سحر، وليست كالسحر الأول في الحقيقة، ولا في الحكم.
وهو درجات فمما يسمى سحرا: البيان كما جاء في آخر الباب (إن من البيان لسحرا) والبيان ليس سحرا، فيه استعانة بالشياطين، ولكنه داخل في حقيقة السحر اللغوية؛ لأن له تأثيراً خفياً على القلوب، فإن الرجل البليغ ذا البيان وذا الإيضاح وذا اللسان الفصيح يؤثر في القلوب حتى يسبيها، وربما قلب الحق باطلا والباطل حقا ببيانه، فسمي سحرا لخفاء وصوله إلى القلوب وقلب الرأي وفهم المخاطب من شيء إلى آخر.