(ق) : مناسبة الباب لـ (كتاب التوحيد) : أن الإنسان إذا أضاف النعمة إلى عمله وكسبه، ففيه نوع من الإشراك بالربوبية، وإذا أضافها إلى الله لكنه زعم أنه مستحق لذلك، وإن ما أعطاه الله ليس محض تفضل، لكن لأنه أهل، ففيه نوع من التعلي والترفع في جانب العبودية.
وقد ذكر الشيخ فيه آيتين:
الآية الأولى ما ترجم به المؤلف، وهي قوله تعالى: { ولئن أذقناه } .
الضمير يعود على الإنسان، والمراد به الجنس. وقيل: المراد به الكافر.
والظاهر أن المراد به الجنس، إلا أنه يمنع من هذه الحال الإيمان، فلا يقول ذلك المؤمن، قال تعالى: { إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ - وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ - لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ } (فصلت: 47-49) هذه حال الإنسان من حيث هو إنسان، لكن الإيمان يمنع الخصال السيئة المذكورة.
قوله: { منا } أضافه الله إليه، لوضوح كونها من الله ، ولتمام منته بها.
قوله: { من بعد ضراء مسته } . أي: أنه لم يذق الرحمة من أول أمره، بل أصيب بضراء، كالفقر وفقد الأولاد وغير ذلك، ثم أذاقه بعد ذلك الرحمة حتى يحس بها وتكون لذتها والسرور بها أعظم مثل الذائق للطعام بعد الجوع.
قوله: { مسته } أي: أصابته وأثرت فيه.
قوله: { ليقولن هذا لي } . هذا كفر بنعمة الله وإعجاب بالنفس، واللام في قوله { ليقولن } واقعة في جواب القسم المقدر قبل اللام في قوله: { لئن أذقناه } .