فهذا الباب فيه بيان أن الذي يخلق هو الله وحده، والذي يرزق هو الله وحده، والذي يملك هو الله وحده، وأن غير الله -جل وعلا- ليس له نصيب من الخلق، وليس له نصيب من الرزق، وليس له نصيب من الإحياء، وليس له نصيب من الإماتة، وليس له نصيب من الأمر، وليس له ملك حقيقي في أمر من الأمور حتى أعلى الخلق مقاما، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له الله -جل وعلا-: { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ } (آل عمران: من الآية128) يعني: لست مالكا لشيء من الأمر، وليس من الأمر شيء تملكه، فـ (اللام) هنا لام الملك، فمن الذي يملك إذاً؟ الذي يملك هو الله جل وعلا. فإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يُنْفَى عنه ذلك الأمر، فإنه منفي عمن هو دونه من باب أولى.
والمتوجهون إلى أصحاب القبور أو إلى الصالحين والأولياء والأنبياء يعتقدون بأن هؤلاء المتوجه إليهم يملكون شيئاً من الرزق أو التوسط أوالشفاعة بدون إذن الله -جل وعلا- ومشيئته. فهذا الباب - إذاً- أحد الأبواب التي فيها البرهان على استحقاق الله للعبادة وحده دون ما سواه.
والقرآن فيه كثير من الأدلة والبراهين على أن المستحق للعبادة هو الله -جل وعلا- وحده دون ما سواه، فمن تلك الأدلة والبراهين ما في القرآن من أدلة فيها إقرار المشركين بتوحيد الربوبية، فكل ذلك النوع من الأدلة فيه دليل على أن المستحق للعبادة هو من أقررتم له بالربوبية.
ومن الأدلة والبراهين على ذلك - أيضاً - ما جاء في القرآن من نصر الله -- عز وجل -- رسله وأولياؤه على أعدائهم، من طوائف الشرك وكيف أنهم ذلوا وخضعوا وغلبوا أمام طوائف أهل الإيمان وجند الله -جل وعلا- من الرسل والأنبياء وأتباعهم.
فهذا نوع آخر من الأدلة: وهو أنه ما من طائفة موحدة بعث الله -جل وعلا- إمامها ورسولها بقتال المشركين إلا نصرها وأظفرها حتى صارت العاقبة لهم.