فهرس الكتاب
الصفحة 381 من 1408

لكن متى تكون الاستغاثة بغير الله شركاً أكبر؟ ضبطه بعض أهل العلم بقولهم: تكون شركاً أكبر إذا استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه ذلك المخلوق. وقال آخرون: تكون شركاً أكبر إذا استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله ، وهاتان العبارتان مختلفتان والأصح منهما الأخيرة؛ لأن المرء إذا استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله ، وهو يعلم أن هذا لا يقدر عليه إلا الله ، فهذا شرك أكبر بالله -جل وعلا- لأن حقيقة الأمر أنه لا يقدر عليه إلا الله .

أما قول من قال من أهل العلم: إن الاستغاثة شرك أكبر إذا استغاث بالمخلوق في ما لا يقدر عليه، فإن هذا يرد عليه أن ثَمَّتَ أشياء قد يكون المخلوق في ظاهر الأمر قادراً عليها، ولكنه في الحقيقة لا يقدر عليها؛ لكن هذا الضابط غير منضبط لأن مَن وقع في شدة، كغرق مثلا، وتوجه لرجل يراه بأنه يغثيه فقال مخاطباً إياه: أستغيث بك، أستغيث بك، أستغيث بك، وذاك لا يحسن السباحة ولا يُحْسِن الانجاء من الغرق، فهذا يكون قد استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه المخلوق، فهل يكون شركا أكبر؟! لا يكون منه؟ لأن الإغاثة من الغرق ونحوه يصلح-في الغالب- أن يكون المخلوق قادرا عليها، فيكون الضابط الثاني هو الصحيح، وهو أن يقال: الاستغاثة بغير الله شرك أكبر إذا كان قد استغاث بالمخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله .

أما إذا استغاث به فيما يقدر عليه غير الله من المخلوقين، لكن هذا المخلوق المعين لم يقدر على هذا الشيء المعين، فإنه لا يكون شركا؛ لأنه ما اعتقد في المخلوق شيئا لا يصلح إلا لله -- جل جلاله -- فالاستغاثة بغير الله إذا كانت فيما لا يقدر عليه إلا الله ، فهي شرك أكبر، وإذا كانت فيما يقدر عليه المخلوق، فهي جائزة كما حصل من صاحب موسى إذ استغاث بموسى - عليه السلام -.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام