الرابعة: فضيلة هذا الدعاء مع اختصاره، أي: فائدته، وهي أنه لا يضرك شيء ما دمت في هذا المنزل.
الخامسة: أن كون الشيء يحصل به منفعة دنيوية من كف شر أو جلب نفع، لا يدل على أنه ليس من الشرك، ومعنى كلامه: أنه قد يكون الشيء من الشرك، ولو حصل لك فيه منفعة، فلا يلزم من حصول النفع أن ينتفي الشرك، فالإنسان قد ينتفع بما هو شرك. مثال ذلك: الجن، فقد يعيذونك، وهذا شرك مع أن فيه منفعة. مثال آخر:
قد يسجد إنسان لملك، فيهبه أموالاً وقصوراً، وهذا شرك مع أن فيه منفعة، ومن ذلك ما يحصل لغلاة المداحين لملوكهم لأجل العطاء، فلا يخرجهم ذلك عن كونهم مشركين. قال بعضهم:
فكن كما شئت يا من لا نظير له ... وكيف شئت فما خلق يدانيك
وفي الحديث فائدة، وهي: أن الشرع لا يبطل أمراً من أمور الجاهلية إلا ذكر ما هو خير منه، ففي الجاهلية كانوا يستعيذون بالجن، فأبدل بهذه الكلمات، وهي: أن يستعيذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق. وهذه الطريقة هي الطريقة السليمة التي ينبغي أن يكون عليها الداعية، أنه إذا سد الناس باب الشر، وجب عليه أن يفتح لهم باب الخير، ولا يقول: حرام، ويسكت، بل يقول: هذا حرام، وافعل كذا وكذا من المباح بدلاً عنه، وهذا له أمثلة في القرآن والسنة. فمن القرآن قوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا } [البقرة: 104] ، فلما نهاهم عن قول { راعنا } ذكر لهم ما يقوم مقامه وهو { انظرنا } . ومن السنة قوله - صلى الله عليه وسلم - لمن نهاه عن بيع الصاع من التمر الطيب بالصاعين، والصاعين بالثلاثة:"بع الجمع بالدراهم، واشتر بالدراهم جنيباً" (1) . فلما منعه من المحذور، فتح له الباب السليم الذي لا محذور فيه.
(1) البخاري: كتاب البيوع/باب إذا أراد بيع تمر بتمر خير منه، ومسلم: كتاب المساقاة، باب بيع الطعام مثلاً بمثل.