(تم) : قوله: كتاب التوحيد، وقول الله تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (الذاريات: 56) جرت عادة المصنفين والمؤلفين أن يضعوا بعد البسملة، والحمدلة خطبة للكتاب يبينون فيها طريقتهم فيه، ومرادهم من تأليفه، وهاهنا سؤال معروف، وهو: لماذا خالف الشيخ -رحمه الله - طريقة المصنفين فلم يجعل للكتاب خطبة يبين فيها طريقته، بل قال: (( كتاب التوحيد ) )وقول الله تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (الذاريات: 56) فأخلاه من الخطبة؟ والسبب في ذلك والسر فيه فيما يظهر لي أن التوحيد الذي سيبينه الشيخ -رحمه الله - في هذا الكتاب هو توحيد الله - جل جلاله -، وتوحيد الله قد بيَّنه الله -جل وعلا- في القرآن، فكان -لذلك- من الأدب في مقام التوحيد ألا يجعل فاصلا بين الحق، والدال على الحق، وكلام الدال عليه، فالحق الذي لله هو التوحيد، والذي دل على هذا الحق هو الله -- جل جلاله --، والدليل عليه هو كلامه، وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -،وهذا من لطائف أثر التوحيد على القلب وهذا كصنيع الإمام البخاري -رحمه الله - في صحيحه (1) ؛ إذ لم يجعل لصحيحه خطبة بل جعل صحيحه مبتدئا بالحديث ذلك أن كتابه كتاب سنة، ومن المعلوم أن من الأدب،أو من مراعاة الأدب ألا يتقدم بين يدي الله ورسوله، فلم يقدم كلامه على كلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - فجعل البخاري صحيحه مفتتحا بقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) ) (2) لأن كتابه كتاب سنة، فجعل كتابه في ابتدائه مبتدئا بكلام صاحب السنة -عليه الصلاة والسلام- وهذا من لطيف المعاني التي يرعاها مَن نوَّر الله قلوبهم لمعرفة حقه، وحق رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
(1) البخاري: كتاب بدء الوحي.
(2) البخاري: (1) ، (54) ، (2529) ، (3898) ، (5070) ، (6689) ، (6953) ،ومسلم: (1907) .