الطائفة الثانية: القدرية المعتزلة، أثبتوا للعبد اختيارا وقدرة في عمله وغلوا في ذلك حتى نفوا أن يكون لله تعالى في عمل العبد مشيئة أو خلق، ونفى غلاتهم علم الله به قبل وقوعه، فأكل العبد أو شربه ونومه ويقظته وطاعته ومعصيته كلها واقعة باختياره التام وقدرته التامة وليس لله تعالى في ذلك مشيئة ولا خلق، بل ولا علم قبل وقوعه عند غلاتهم.
استدل الأولون الجبرية:
بقوله تعالى: { الله خالق كل شيء } (الزمر: 62) ، والعبد وفعله من الأشياء، وبقوله تعالى: { والله خلقكم وما تعملون } (الصافات: 96) ، وبقوله تعالى: { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } (الأنفال: 17) ، فنفى الله الرمي عن نبيه حين رمى وأثبته لنفسه، وبقوله تعالى: { سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء } (الأنعام: 148) .
ولهم شبه أخرى تركناها خوف الإطالة.
والرد على شبهاتهم بما يلي:
أما قوله تعالى: { الله خالق كل شيء } ، فاستدلالهم بها معارض بالنصوص الكثيرة التي فيها إثبات إرادة العبد وإضافة عمله إليه وإثابته عليه كرامة أو إهانة، وكلها من عند الله ، ولو كان مجبرا عليها ما كان لإضافة عمله إليه وإثابته عليه فائدة.
وأما قوله تعالى: { والله خلقكم وما تعملون } ، فهو حجة عليهم، لأنه أضاف العمل إليهم، وأما كون الله تعالى خالقه، فلأن عمل العبد حاصل بإرادته الجازمة وقدرته التامة، والإرادة والقدرة مخلوقان لله - - عز وجل - -، فكان الحاصل بهما مخلوقا لله.
وأما قوله تعالى: { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } ، فهو حجة عليهم، لأن الله تعالى أضاف الرمي إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم -، لكن الرمي في الآية له معنيان:
أحدهما: حذف المرمي، وهو فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي أضافه الله إليه.