الثاني: أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل، كأن يعتقد بسبِّه الدهر أن الدهر هو الذي يٌقلِّب الأمور إلى الخير والشر؛ فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقاً؛ لأنه نسب الحوادث إلى غير الله ، وكل من اعتقد أن مع الله خالقاً؛ فهو كافر، كما أن من اعتقد أن مع الله إلهاً يستحق أن يٌعبَد؛ فإنه كافر.
الثالث: أن يسب الدهر لا لاعتقاد أنه هو الفاعل، بل يعتقد أن الله هو الفاعل، لكن يسبه لأنه محل لهذا الأمر المكروه عنده؛ فهذا محرم، ولا يصل إلى درجة الشرك، وهو من السَّفه في العقل والضلال في الدين؛ لأن حقيقة سبِّه تعود إلى الله -سبحانه-؛ لأن الله تعالى هو الذي يصرف الدهر ويكون فيه ما أراد من خير أو شر، فليس الدهر فاعلاً، وليس هذا السب يٌكفِّر؛ لأنه لم يسب الله تعالى مباشرة.
قوله: (فقد آذى الله ) . لا يلزم من الأذية الضرر؛ فالإنسان يتأذى بسماع القبيح أو مشاهدته، ولكنه لا يتضرر بذلك، ويتأذى بالرائحة الكريهة كالبصل والثوم ولا يتضرر بذلك، ولهذا أثبت الله الأذية في القرآن، قال تعالى: { إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً } (الأحزاب: 57) ، وفي الحديث القدسي: (يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر وأنا الدهر، أقلب الليل والنهار) (1) ، ونفى عن نفسه أن يضره شيء، قال تعالى: { إنهم لن يضروا الله شيئاً } (آل عمران: 176) ، وفي الحديث القدسي: (يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني) (2) رواه مسلم.
(1) البخاري: كتاب تفسير القرآن / باب: { وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ } (الجاثية: من الآية24) ، حديث (4826) ، مسلم: كتاب الألفاظ من الأدب وغيرها / باب النهي عن سب الدهر، حديث (2446) .
(2) مسلم: كتاب البر والصلة والآداب / باب تحريم الظلم، حديث (2577) .