إن من الكفر الأكبر المستبين، تنزيل القانون اللعين، منزلة ما نزل به الروح الأمين، على قلب سيد المرسلين، ليكون حكما بين العالمين، مناقضة ومحادة لما نزل من رب العالمين، انتهى كلامه بمعناه.
فلا شك أن إفراد الله بالطاعة، وإفراد الله بالحكم، وتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، كل ذلك يقتضي ألا يحكم إلا بشرعه؛ فلهذا كان الحكم بالقوانين الوضعية، أو الحكم بسواليف البادية، من الكفر الأكبر بالله -جل وعلا- لقوله -تعالى هنا في هذه الآية-: { أَلَمْ تَرَ إلى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إلى الطَّاغُوتِ } (النساء: 60) .فمناسبة هذه الباب لكتاب التوحيد ظاهرة جلية، وهي أن التحاكم إلى غير شرع الله ، قدح في أصل التوحيد، وأن الحكم بشرع الله واجب، وأن تحكيم القوانين، أو سواليف البادية، أو أمور الجاهلية مناف لشهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، فإن من مقتضيات شهادة أن محمدا رسول الله ، أن يطاع فيما أمر، وأن يصدق فيما أخبر، وأن يجتنب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع.
فالحكم بين المتخاصمين لا بد أن يرجع فيه إلى حكم من خلق المتخاصمين، ومن خلق الأرض والسماوات.
فالحكم الكوني القدري لله -جل وعلا - وكذلك الحكم الشرعي لله -جل وعلا - فيجب أن لا يكون بين العباد، إلا تحكيم أمر الله -جل وعلا- فإن ذلك هو حقيقة التوحيد في طاعة الله -جل وعلا- في مسائل التخاصم بين الخلق.
(ق) : وقد ذكر الشيخ رحمه الله فيه أربع آيات: -
الآية الأولى ما جعلها ترجمة للباب، وهي قوله تعالى: { ألم تر } .
الاستفهام يراد به التقرير والتعجب من حالهم، والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -.