فهرس الكتاب
الصفحة 574 من 1408

فالغلو في قبور الصالحين، يكون بمجاوزة ما أُذِن فيها، ومن المجاوزة ما هو من وسائل الشرك، ومنها ما هو شرك صريح، كاتخاذ القبور أوثانا تُعبد من دون الله -جل وعلا-؛ ولهذا قال رحمه الله: باب (( ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا ) )، وقوله: (( يصيرها ) )، يعني: يجعلها، فقد يكون جعل الوسائل للغايات، يعني: أن الغلو صار وسيلة لاتخاذها أوثانا، وقد يكون الغُلُوُّ جعلها وثناً يُعبد من دون الله -جل وعلا-.

وهذا هو الواقع والمشاهد في كثير من بلاد الإسلام في أن القبور صارت أوثانا تعبد من دون الله لما أقيمت عليها المشاهد والقباب، ودُعِي الناس إليها وذبح لها، وقبلت النذور لها، وصار يُطَاف حولها، ويعكف عندها ونحو ذلك من أنواع الشرك الأكبر بالله.

(ق) : والقبور لها حق علينا من وجهين:

1.أن لا نفرط فيما يجب لها من الاحترام؛ فلا تجوز إهانتها ولا الجلوس عليها، وما أشبه ذلك.

2.أن لا نغلو فيها فنتجاوز الحد.

وفي (صحيح مسلم) قال علي بن أبي طالب لأبي الهياج الأسدي: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ أن لا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته) (1) ، وفي رواية: (ولا صورة إلا طمستها) .

والقبر المشرف: هو الذي يتميز عن سائر القبور؛ فلا بد أن يسوى ليساويها لئلا يظن أن لصاحب هذا القبر خصوصية ولو بعد زمن: إذ هو وسيلة إلى الغلو فيه.

قوله: (الصالحين) ، يشمل الأنبياء والأولياء، بل ومن دونهم.

قوله: (أوثاناً) ، جمع وثن، وهو كل ما نصب للعبادة، وقد يقال له: صنم، والصنم: تمثال ممثل؛ فيكون الوثن أعم.

ولكن ظاهر كلام المؤلف أن كل ما يعبد من دون الله يسمى وثناً، وإن لم يكن على تمثال نصب؛ لأن القبور قد لا يكون لها تمثال ينصب على القبر فيعبد.

(1) مسلم: كتاب الجنائز/ باب الأمر بتسوية القبر، حديث (969) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام