فهرس الكتاب
الصفحة 19 من 100

هذه السورة دليل على وجوب المسائل الأربعة، ووجه الدلالة أن من لم يحقق هذه المسائل الأربع فهو في خسارة.

قال السعدي في تفسيره: والخسارة مراتب متعددة متفاوتة. وقال في شرح منظومته للقواعد الفقهية: ومن فاته شيء من هذه الخصال كان له من الخسار بحسب ما فاته أ. هـ

قوله تعالى: {وَالْعَصْرِ} الواو للقسم، والعصر هو المقسم به، والله جل وعلا يقسم بما شاء من مخلوقاته، فهو سبحانه وتعالى يقسم بنفسه، ويقسم بصفاته، ويقسم بأفعاله، ويقسم بما شاء من مخلوقاته، ومن ذلك القسم هنا، حيث أقسم سبحانه وتعالى بالعصر وهو الزمان، لبيان شرفه وعظم مكانته، ثم أتى بجواب القسم , لأن كل قسم لابد أن يكون له جواب؛ لأنك إذا أقسمت ثم سكتّ فما فائدة قسمك؟ أنت أقسمت على شيء، هذا الشيء الذي أنت تريد من القسم هو الذي يُسمى عند اللغويين بجواب القسم وهو قول الله تعالى {إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}

قوله تعالى {إِنَّ الْإِنسَانَ} أى: جنس الإنسان فيشمل من اتصف بهذا الوصف.

قوله تعالى: {لَفِي خُسْرٍ} الخسر ضد الربح , أى لفى خسارٍ كخسار التجار فى أرباحهم والخسران مراتب متعددة متفاوتة , فقد يكون خساراً مطلقاً كحال من خسر الدنيا والآخرة وفاته النعيم واستحق الجحيم , وقد يكون خساراً من بعض الوجوه دون بعض , ولهذا عمم الله الخسران لكل إنسان {إِلَّا} من استثنى الله فى هذه السورة ممن اتصف بأربع صفات وهى المسائل التى ذكرها المصنف - رحمه -

أولها قوه سبحانه وتعالى {الَّذِينَ آمَنُوا} . آمنوا بأيِّ شيء؟ لم يبين في الآية ما الذي يجب الإيمان به، ليعم جميع ما يجب الإيمان به، فيكون المعنى: إلا الذين آمنوا بكل ما يجب الإيمان به مما يتعلق بالله عز وجل، ومما يتعلق بملائكته، وما يتعلق بكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وهل يمكن أن يتحقق الإيمان بلا علم؟ لا يمكن أن يكون إيمان بلا علم، فالإيمان فرع العلم وثمرته، ولذلك قال المؤلف رحمه الله في المسائل التي تجب: الأولى العلم، ودليل العلم قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا} والدلالة على هذا باللاّزم إذا أتى الاستثناء، كالاستدلال باستثناء الذين آمنوا على وجوب العلم، فهذه دلالة باللاّزم، لأنه لا يمكن أن يحصل إيمانٌ إلاّ بعلم، فمن لوازم الإيمان أن يكون صاحبه عالماً.

وأما المسألة الثانية: فهو قوله سبحانه وتعالى {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} هذا الوصف الثاني من الأوصاف التي علق عليها النجاة من الخسار، وهذا يشمل كل عمل صالح ظاهرٍ أو باطن، واجبٍ أو مستحب، من حقوق الله أو من حقوق عباده، كل هذا يدخل في قوله: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} وانظر كيف أخّر العمل عن العلم، لأنه لا يمكن العمل الصالح إلاّ بعد الإيمان الذي لا يحصل إلاّ بالعلم النافع، ثم بعد أن ذكر هذين الوصفين ذكر وصفاً ثالثاً وهو دليل المسألة الثالثة التي يجب علينا تعلمها، وهي الدعوة إليه، قال: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ} بالحق تواصوا أي: أوصى بعضهم بعضاً بالحق، والتواصي بالحق من صور وأنواع العمل الصالح، وإنما نص عليه وذكره لأهميته وأثره في حصول النجاة،

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام