قوله _ رحمه الله _ (الرابعة: الصبر على الأذى فيه) .
قوله (الرابعة) أى: من المسائل
قوله (الصبر على الأذى فيه)
والصبر لغة: الحبس.
شرعاً: حبس النفس عن التسخط , واللسان عن التشكي، والجوارح عن لطم الخدود ... قاله ابن القيم.
قال الإمام أحمد: ذكر الله تعالى الصبر في تسعين موضعاً من كتابه.
وفي الحديث المتفق عليه قال صلى الله عليه وسلم (ما أعطى أحد عطاء خير وأوسع من الصبر) .
ومعلوم أن العلماء قسموا الصبر إلى ثلاثة أقسام
1 -صبر على طاعة الله.
2 -صبر عن محارم الله.
3 -صبر على أقدار الله المؤلمة.
فعلى الداعية أن يكون صابراً على دعوته مستمراً فيها. صابراً على ما يعترضه هو من الأذى. والصبر على ما يلاقيه الداعي في دعوته هو منهج الأنبياء - عليهم السلام - أيضًا؛ قال الله - تعالى - تسليةً لنبيِّه - صلى الله عليه وسلم - وتبيانًا له أن هذا ما لاقاه الأنبياء قبله: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} [الأنعام: 34] ، وأمره بالاقتداء بهم، فقال: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ} [الأحقاف: 35] .
وقال لقمان الحكيم في وصيته لابنه، مبيِّنًا له أن الدعوة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحتاج إلى صبر: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَامُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17] ، نقل ابن القيم في"مدارج السالكين"عن الإمام أحمد:"أن الصبر في القرآن في نحو تسعين موضعًا"
يصبر على عدة أمور، منها:
1 -الصبر على إعراض الخلق عن دعوته:
وهذا هو دأب الأنبياء؛ قال نوح - عليه السلام - مناجيًا ربَّه: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} [نوح: 5 - 7] .
2 -الصبر على أذى المدعوين بأقوالهم وأفعالهم:
ولنا في رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أعظمُ أسوةٍ، فقد قالوا عنه: ساحر وكذاب ومجنون وشاعر، وضربوه وطردوه، فواجه منهم أصنافَ الأذى المعنوي والحسي، وهو يصبر على أذاهم، ولما طرده أهلُ الطائف، خرج وهو مهموم، وحينما ناداه ملك الجبال بقرن الثعالب وأخبره أن الله يبعثه إليه، وقال له ملك الجبال: (( إن شئتَ أن أطبق عليهم الأخشبين ) )،