قال المؤلف - رحمه الله:"وأرسل الله جميعَ الرسل مبشرين ومنذرين، والدليل قوله - تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] ، وأولهم نوح - عليه السَّلام - وآخرهم مُحمد - صلَّى الله عليه وسلَّم - والدليل على أنَّ أولهم نوح - عليه السَّلام - قوله - تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} [النساء: 163] ، وكل أمة بعث الله إليها رسولاً من نوح إلى محمد، يأمرهم بعبادة الله وحْدَه وينهاهم عن عبادة الطاغوت، والدَّليل قوله - تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] ."
وافترض الله على جميع العباد الكفرَ بالطاغوت والإيمان بالله؛ قال ابن القيم - رحمه الله تعالى:"الطاغوت ما تجاوز به العبد حدَّه من معبود أو متبوع أو مطاع"، والطواغيت كثيرة ورؤوسهم خمسة: إبليس لعنه الله، ومن عبد وهو راضٍ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادَّعى شيئًا من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله، والدليل قوله - تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256] ، وهذا معنى لا إله إلا الله، وفي الحديث: (( رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذِروة سنامه الجهاد في سبيل الله ) )، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم"."
ـــــــــــــــ
والكلام على قول المصنف هنا من عدة وجوه:
الوجه الأول: معنى التبشير والإنذار:
أمَّا التبشير، فمعناه: ذكر الجزاء والثَّواب لمن أطاع.
والإنذار: العكس من ذلك ذكر العقاب، وتخويف العاصي، والكافر من عقاب الله - تعالى - وسخطه.
مسألة: وهل يكون التبشيرُ في شيء مكروه، أو أن البشارة تكون دائمًا محمودة؟
الأصل أنَّها تستخدم في الشيء المحمود، وهذا هو المعهود عند الناس، ولكن قد تأتي على شيء مذموم؛ قال الله - عزَّ وجلَّ - {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الانشقاق: 24] ، والعذاب لا شَكَّ أنَّه شيء مذموم، وسماه الله - عزَّ وجلَّ - بشارة.
الوجه الثاني: ما استدل به المؤلف:
استدل المؤلف على إرسال الرسل مبشرين ومنذرين بقوله - تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] ، دلَّت هذه الآية على أمرين:
أولاً: دلت على وظيفة الرسل والأنبياء بأنهم مبشرون ومنذرون.