هناك تعاريف كثيرة في تحديد بلاد الإسلام، وفي تحديد بلاد الشرك، ومن أفضل التعاريف أنْ يقالَ: بلاد الإشراك هي البلاد التي لا يقام بها شعائر الإسلام، فهذه تسمى بلاد إشراك، فقد يقيم أقلية من المسلمين في بلاد الإشراك يستطيعون أنْ يقيموا بعضَ الدين، لكنه إذا لم يكن الإسلام شاملاً وعامًّا في هذه البلاد، فالبلاد تسمى بلادَ إشراك، فلا يقول قائل على بلاد فرنسا - على سبيل المثال - أو على أي بلاد من بلاد الإشراك: إنَّ هذه بلاد إسلام، وإنَّها فيها مسلمون، ويستطيعون أنْ يقيموا شعائر الدين، لا بل هي بلاد إشراك، لكن من حيث حكم الهجرة ووجوبها سيأتي بعد قليل شروط الوجوب.
المؤلف بيَّن أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أُمِرَ بالهجرة، الأمر يقتضي الوجوب، وبيَّن أنها فريضة على هذه الأمة، وهذا يُفيدنا بأنَّ أصل هذه العبادة من حيث التشريع الوجوب، ولكنَّها قد تكون مستحبة، قد يكون البقاء في بلاد الإشراك مستحبًّا، وكل هذا بحسب الحال، ولبيان حكم الهجرة نقول ما يلي:
نقول: دل على وجوب الهجرة الكتاب والسنة والإجماع، وأمَّا من الكتاب فما استدل به المؤلف قول الله - تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97] ، فلامهم الله - جل وعلا - لعدم هجرتهم، وبيَّن أنَّهم أوقعوا الظلم على أنفسهم، فأثموا بذلك.
قال الله - تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَاوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء: 97 - 99] .
س: من خلال الآيات السابقة نقول: ما شروطُ وجوب الهجرة؟
1 -القُدرة على الهجرة: فإذا كان لا يستطيعُ أن يهاجر، كأنْ يكونَ في بلاد إشراك، ويكون الخروج من هذه البلاد ممنوعًا، أو كأنْ يكونَ عليه حظرٌ أو نحو ذلك، فإنه يسقط في حقه الوجوب؛ لأنَّه عاجز عنه، والواجبات تسقط بالعجز، ويدُلُّ على قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديث المتفق عليه: (( إذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم ) )، وموطن الاستدلال على هذا الشرط من الآيات السابقة هو قوله: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا} [النساء: 97] ، وهذا فيه بيان أن الأمر مفسوح وواسع في الهجرة بخلاف العاجز، فليس معه سعة يستطيع معها الهجرة.