اعْلَمْ أَرْشَدَكَ اللهُ لِطَاعَتِهِ، أَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ، مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. وَبِذَلِكَ أَمَرَ اللهُ جَمِيعَ النَّاسِ، وَخَلَقَهُمْ لَهَا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] . وَمَعْنَى {يَعْبُدُونِ} : يُوَحِّدُونِ، وَأَعْظَمُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ التَّوْحيِدُ، وَهُوَ: إِفْرَادُ اللهِ بِالْعِبَادَةِ. وَأَعْظَمُ مَا نَهَى عَنْه الشِّركُ، وَهُوَ: دَعْوَةُ غَيْرِهِ مَعَهُ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَاعْبُدُوا اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئ} [النساء: 35] ــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه هى الرسالة الثالة من التمهيد:
وخلاصتها: بيان حقيقة التوحيد , ووجوب تعلمه , والعمل به.
والرشد: هو الاستقامة على طريق الحق، وهو ضد الغي؛ لأن الغي هو الضلال - نسأل الله السلامة والعافية.
والطاعة: هي موافقة أمر الشرع، بفعل المأمور، واجتناب المحظور.
قوله - رحمه الله - (أَنَّ الْحَنِيفِيَّةَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ: أَنْ تَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ، مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) .
الحنيف: مشتق من الحَنَف. قال ابن القيم: أصل الحنف الإقبال , ثم وصف بلازمه وهو الميل , لأن المقبل على شيء مائل عن غيره.
فالحنيف: المائل عن الشرك قصداً إلى التوحيد. أو: المائل عن الشرك المائل إلى التوحيد.
فيكون معناه: المقبل على الله، المعرض عن كل ما سواه.
وعرف الحنيفية بقوله: أن تعبد الله مخلصاً له الدين.
وهذا أمر بالتوحيد ونهي عن الشرك، لأن قوله: (مخلصاً) تنفي الشرك
وملة إبراهيم هي التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم باتباعها , كما قال تعالى {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً} ، وهي ملة جميع الرسل , لأنها ملة التوحيد.
ومعنى الملة لغة: مأخوذة من الملل , وهو التكرار والمعاودة. ومنه (الملل) وهو تكرار الشيء على النفس.
و شرعاً: ما شرعه الله على لسان رسله من العقائد , والأحكام , فهي بمعنى الدين.