فهرس الكتاب
الصفحة 79 من 100

أما باطناً فهو داعي للإخلاص وعدم الالتفات إلى غير الله؛ لأنه مستشعر أن الله يراه فكيف يلتفت إلى سواه، والظاهرة لأنه موقن أن الله يراه ويسمعه إن دعا أو صلى أو قرأ أو جاهد كما قال تعالى:"وأنا معه إذا ذكرني ..".

أن أهل الإحسان أعظم الناس أنساً بالطاعة وأكثرهم طمأنينة وراحة؛ لأنهم مع الله في كل حال بل خلواتهم أعظم من خلطاتهم وأحب إليهم.

كان حبيب أبو محمد رحمه الله يخلو في بيته ويقول: من لم تقر عينه بك فلا قرَّت عينه، ومن لم يأنس بك فلا أَنِس.

وقال مسلم بن يسار رحمه الله: ما تلذذ المتلذذون بمثل الخلوة بالله عز وجل.

وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: أعلى الدرجات أن تنقطع إلى ربك وتستأنس إليه بقلبك وبعقلك وجميع جوارحك حتى لا ترجو إلا ربك ولا تخاف إلا ذنبك وترسخ محبته في قلبك حتى لا تُؤْثر عليه شيئاً.

وأحوال هؤلاء وأقوالهم كثيرة وهي تدل على الأنس بالله وهذا لا يكون إلا بأمور منها الوصول إلى مرتبة الإحسان، ومن أراد الوصول إليها فعليه أن يستشعر اطلاع الله عليه وقدرته وعلمه {وَمَا تَكُونُ فِي شَانٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ ... } (يونس: من الآية 61) ،

وقال سبحانه { .. وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ .. } (الحديد: من الآية 4) ، وفي الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله قبل وجهه إذا صلى"، وفي الترمذي"إن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت".

فمن استحضر هذا الأمور وجاهد نفسه على بلوغ درجة الإحسان واستعان بربه فإنه سيصل بإذن الله، وإذا بلغها أحس أن للحياة طعماً وللعبادة لذة وللخلوة أنساً لم يحس به من قبل ذلك نسأل الله الكريم من فضله.

فكل محسن مؤمن، وكل مؤمن مسلم ولا عكس.

(والدليل من السنة حديث جبريل المشهور عن عمر بن الخطاب ? قال بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام قال"أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً"فقال: فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال"أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الأخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال"أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"قال فأخبرني عن الساعة قال"ما المسئول عنها بأعلم من السائل"قال فأخبرني عن أماراتها قال"أن تلد الأمة ربتها وأن تر الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان"قال فمضى فلبثنا ملياً فقال"يا عمر أتدري من السائل"قلت الله ورسوله أعلم قال"هذا جبرائيل أتاكم يعلمكم أمر دينكم".)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام