هذا فيه خلاف بين أهل العلم، منهم مَن قال: إنَّهم لن يُحاسبوا، ومنهم من قال: إنَّهم سيحاسبون، وهذا هو أرجح الأقوال، ومما يدُلُّ على أنَّهم سيحاسبون قول الله - تعالى: {يَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص: 62] ، هذا حساب لهم يناديهم، ويقول: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} ، تزعمون وهذا فيه حساب لهم، ولا شَكَّ أنَّ المنادى هنا هم المشركون، وأيضًا قوله - تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [المؤمنون: 103] ، والخلود إنَّما يكون للكافر، وقد عُرض على الميزان، فخفت موازينه، وهذا يدل على حسابه.
الوجه الخامس: من كذب بالبعث فقد كفر:
لأنَّه كذب بشيء جاء به النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولأنه كذب بشيء يتعلَّق بأركان الإيمان، فهو مكذب لله ورسوله، والله - عزَّ وجلَّ - بَيَّن ذلك، وكذَّب المشركون بالبعث، فقال الله - عزَّ وجلَّ - مبيِّنًا تكذيبهم: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7] ، هذا هو قول الله - تعالى - في إثبات هذه الحقيقة حقيقةِ البعث، وأمر رسوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بأن يقسم على البعث، وذلك لأهميته وجلالة قدره، وأنَّه من الأمور التي تَحتاج إلى تأكيد بالقسم؛ حتَّى يذهب الريب والشك من قلوب الكفار، وأيضًا يدل على كفرهم قوله - تعالى: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ * وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} [الأنعام: 29 - 30] ، وأجمع العلماء على أن من أنكر البعث فقد كفر.
-ولعظم أمر البعث جاء إثباته في القرآن والسنة بطرق كثيرة.
-فتارة بالتصريح: كما في الآية السابقة.
-وتارة بتذكير الإنسان بنشأته الأولى، كقوله - تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 78 - 79] .
-وتارة بالاستدلال بإنبات النبات على إحياء الأموات، كقوله - تعالى: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: 50]
-وتارة بالإشارة والتأمُّل في خلق السموات والأرض، كقوله - تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأحقاف: 33] .
-وتارة بتنزيه الله عن العبث؛ إذ إنَّه لو لم يكن هناك بعث، لكانت الأوامر والنواهي والجزاء من العبث، كقوله - تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] .