وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [غافر: 57] ، واستدل المؤلف بقوله - تعالى: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] .
ووجه دلالة السموات والأرض على الله - تعالى: أما السموات السبع، فسعتُها وارتفاعها، ولطافتها واتساعها، وكواكبها التي فيها، وارتفاعها بغير عَمَدٍ من تحتها، ولا علائق من فوقها، وكِبَر خلقها، وغير ذلك عند التأمل.
وأما الأرَضون السبع، فكثافتُها وانخفاضها، وجبالها وبحارها، وقفارها وعراؤها، وما فيها من المنافع وسعة أرجائها.
(ومن فيهن) من أصناف المخلوقات من الحيوانات والنباتات، وسائر الموجودات، وما بين السموات والأرض من الأهوية والسحاب، وغير ذلك مما هو دالٌّ على الله - تعالى.
أي: هو المستحق للعبادة، أو هو الذي يُعبد لاستحقاقه للعبادة، وليس كل من عُبد فهو رب.
واستدل المؤلف بقوله - تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21، 22] ، وفي هذا الاستدلال عدة فوائد، ومنها لفتتان:
اللفتة الأولى: أن هذه الآية هي أول أمرٍ في كتاب الله - تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا} ، فأول أمر في كتاب الله - تعالى - هو الأمر بإفراد الله بالعبادة، وأنها سببٌ لحصول الثمرة العظيمة، وهي التقوى.
اللفتة الثانية: أن الله - عز وجل - ذكر في الآية أوصافًا؛ ليبيِّن أن المستحق للعبادة هو الموصوف بهذه الصفات في الآيتين السابقتين، فهو الخالق المدبر الرازق، فكيف تجعلون لله أندادًا وشركاءَ وأنتم تعلمون ذلك؟! فهي أوصاف لا تصلح إلا لإلهٍ يستحق العبادةَ؛ ولذا أنكر الله - تعالى - على من لم يتَّصف بذلك كيف يُعبد؟ فقال - تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} [الفرقان: 3] .
ثم ذكر المؤلف قول ابن كثير؛ تأييدًا للمعنى السابق، وتفسيرًا لما استدل به المؤلف، حيث قال:"الخالق لهذه الأشياء هو المستحق للعبادة"، وليس هذا هو كلام ابن كثير نصًّا؛ وإنما لخَّصه المؤلِّف بهذه العبارة التي تؤدِّي نفس المعنى الذي قاله ابن كثير - رحمه الله.
وابن كثير هو عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الشافعي، المتوفى سنة 774 من هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو من تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية، وممن استفاد من ابن القيم، وهو من أخص أصدقائه، له تفسير عظيم مشهور، عمدة التفسير اسمه:"تفسير القرآن العظيم".