وهما جبلان محيطان بأهل الطائف، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - بلسان الصابر المشفق عليهم: (( بل أرجو أن يُخرِج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا ) ).
وفي"صحيح البخاري": قال ابن مسعود: كأني أنظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحكي نبيًّا من الأنبياء - عليهم السلام - ضربه قومُه حتى أدمَوْه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (( اللهم اغفر لقومي؛ فإنهم لا يعلمون ) ).
والأدلة في هذا الباب كثيرة، تدل على صبرهم على ما يلاقونه من أذى.
3 -الصبر على طول طريق الدعوة، وعدم استبطاء النصر والتأييد من الله - تعالى:
قال - تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَاتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَاسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214] ، وقال - تعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَاسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110] .
فعلى الداعية أن يصبر أيضًا على طول الطريق، ويستشعر أنه على طريق الحق، وأن النصر قد يتأخر لحكمة أرادها الله - تعالى.
قال - رحمه الله - (والدليل) الدليل: هو كل ما أرشد إلى مطلوب، سمي دليلاً، فلو أن زيداً أخذ بيدك إلى بيت تسأل عنه لا تدري أين موقعه، لسمي زيد دليل عمرو إلى هذا البيت، وكذلك يقال في الأدلة السمعية الخبرية، كالكتاب والسنة، والأدلة العقلية والنظرية، كالقياس وغيره، فإذا استدل الإنسان على مسألة من مسائل الدين بدليل من الكتاب والسنة، فإن هذه الآية المستدل بها على الحكم الذي ذُكرَ من وجوب أو إباحة أو غيرهما تسمى في الاصطلاح والعرف بالدليل، ولذلك قال المصنف ـ يرحمه الله ـ: (والدليل) أي على كون تلك الأمور الأربعة من المسائل هن مسائل واجبة لا بد منها.
قوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيمِ} : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيمِ) هي آية من القرآن، أُتي بها للفصل بين السور، سوى سورة التوبة على اختلاف بين المفسرين والفقهاء في سبب عدم البدء بها، وأرجح الأقوال هو اختلاف الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ هل سورة التوبة امتداد للسورة التي قبلها أم أنها سورة مستقلة؟ ومن ثم تحرجوا من وضع البسملة في أولها.
وإنما ذكر المصنف يرحمه الله آية البسملة هنا لا لكونها داخلة في الدليل، وإنما لافتتاح الدليل بالبسملة؛ لأن افتتاح السور يُستحب أن يكون بالبسملة، كما جاء في القرآن، وأجمع العلماء على استحباب ذلك، سوى سورة التوبة.
ثم ذكر قول الله تعالى. {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} .