أفعال العباد الاختياريّة لها متعلّقان:
الأوّل: تعلّقها بالله عَزَّ وَجَلَّ من حيث خلقه لها وعدمه.
والثّاني: تعلّقها بالعباد من حيث قدرتهم عليها وعدمها.
فأهل السّنّة والجماعة قالوا: بأنّ أفعال العباد كلّها من طاعة ومعصية، وخير وشرّ، مخلوقة لله تعالى، وأنّ العباد لهم قدرة على أفعالهم، وهم فاعلون لها على الحقيقة، وهي قائمة بهم، ومنسوبة إليهم، ومن ثم فإنّهم يستحقّون عليها المدح والذّمّ والثّواب والعقاب.
فجمعوا في قولهم بين المتعلّقين، وقالوا بكلا الجهتين، لدلالة نصوص الوحيين.
فمن الأدلّة على خلق الله لأفعال العباد:
قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) } [الصافات: 96] .
وقوله سبحانه: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49) } [القمر: 49] .
ومن الأدلّة على قدرة العباد على أفعالهم ونسبتها لهم حقيقة.
قوله تعالى: {وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ} [المؤمنون: 63] .
وقوله سبحانه: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17] .
وجمع الله بين الأمرين في قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) } [الشمس: 7 - 10] (1) .
وقد خالف أهل السّنّة والجماعة في ذلك عامّة الطّوائف والفرق.
فالجهميّة الجبريّة ومن وافقهم قالوا بالمتعلّق الأوّل دون الثّاني فأثبتوا خلق الله لأفعال العباد ونفوا قدرة العباد عليها، وسووا بين أفعالهم
(1) انظر: خلق أفعال العباد (ص 188) ، عقيدة السّلف وأصحاب الحديث (ص 279) ، شرح السنة للبغوي (1/ 142 - 144) ، الانتصار في الرّدّ على المعتزلة القدرية الأشرار للعمراني (1/ 167) ، مجموع الفتاوى (3/ 373 - 374) (8/ 117 - 118، 486 - 488) ، شفاء العليل (1/ 333، 363) ، شرح الطحاوية (1/ 321) (2/ 640) ، لوامع الأنوار البهية (1/ 291) ، وللاستزادة: أفعال العباد بين أهل السنة ومخالفيهم د. عبد العزيز الحميدي (ص 13 - 90) .