بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ} [الْبَقَرَةُ:165] .
-وَقَوْلِهِ: {قُلْ إِن كَانَ ءآبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وإخوَانُكُم وأزوَاجُكُم وعَشِيرَتُكُم وأمْوَالٌ اقتَرَفتُمُوهَا وتِجَارةٌ تَخْشَونَ كَسَادَها وَمَسَاكِنُ تَرْضَونَها أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وجِهَادٍ فِي سَبيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتى يَأتِيَ اللهُ بِأمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} [التَّوْبَةُ:24] .
عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) )أَخْرَجَاهُ.
وَلَهُمَا عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (( ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ) ).
وَفِي رِوَايَةٍ: (( لاَ يَجِدُ أَحَدٌ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ حَتَّى.. ) )إِلَى آخِرِهِ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: ( مَنْ أَحَبَّ فِي اللهِ، وَأَبْغَضَ فِي اللهِ، وَوَالَى فِي اللهِ، وَعَادَى فِي اللهِ فَإِنَّمَا تُنَالُ وَلاَيَةُ اللهِ بِذَلِكَ، وَلَنْ يَجِدَ عَبْدٌ طَعْمَ الإِيمَانِ وَإِنْ كَثُرَتْ صَلاَتُهُ وَصَوْمُهُ حَتَّى يَكُونَ كَذَلِكَ، وَقَدْ صَارَتْ عَامَّةُ مُؤَاخَاةِ النَّاسِ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا وَذَلِكَ لاَ يُجْدِي عَلَى أَهْلِهِ شَيْئًا ) رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} قَالَ: (الْمَوَدَّةُ) .
فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى:
تَفْسِيرُ آيَةِ الْبَقَرَةِ.
الثَّانِيَةُ:
تَفْسِيرُ آيَةِ (بَرَاءةٌ) .
الثَّالِثَةُ:
وُجُوبُ مَحَبَّتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى النَّفْسِ وَالأَهْلِ وَالْمَالِ.
الرَّابِعَةُ:
أَنَّ نَفْيَ الإِيمَانِ لاَ يَدُلُّ عَلَى الْخُرُوجِ مِنَ الإِسْلاَمِ.
الْخَامِسَةُ:
أَنَّ لِلإِيمَانِ حَلاَوَةً قَدْ يَجِدُهَا الإِنْسَانُ، وَقَدْ لاَ يَجِدُهَا.
السَّادِسَةُ:
أَعْمَالُ الْقَلْبِ الأَرْبَعُ الَّتِي لاَ تُنَالُ وَلاَيَةُ اللهِ إِلاَّ بِهَا وَلاَ يَجِدُ أَحَدٌ طَعْمَ الإِيمَانِ إِلاَّ بِهَا.
السَّابِعَةُ:
فَهْمُ الصَّحَابِيِّ لِلْوَاقِعِ: أَنَّ عَامَّةَ الْمُؤَاخَاةِ عَلَى أَمْرِ الدُّنْيَا.
الثَّامِنَةُ:
تَفْسِيرُ
{وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} .
التَّاسِعَةُ:
أَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَنْ يُحِبُّ اللهَ حُبًَّا شَدِيدًا.
الْعَاشِرَةُ:
الْوَعِيدُ عَلَى مَنْ كَانَتِ الثَّمَانِيَةُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ دِينِهِ.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ:
أَنَّ مَنِ اتَّخَذَ نِدًّا تُسَاوِي مَحَبَّتُهُ مَحَبَّةَ اللهِ فَهُوَ الشِّرْكُ الأَكْبَرُ.
قولُهُ: (بابُ قولِ اللهِ تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَندَادًا...} ) جعلَ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى الآيةَ هيَ الترجمةَ، ويُمْكِنُ أنْ يُعْنَى بهذهِ الترجمةِ بابَ المحبَّةِ.
وأصلُ الأعمالِ كُلِّها هوَ المحبَّةُ، فالإنسانُ لا يعملُ إلاَّ لما يُحِبُّ إمَّا لجلْبِ منفعةٍ أوْ لدَفْعِ مضرَّةٍ، فإذا عَمِلَ شيئًا فلأنَّهُ يُحِبُّهُ؛ إمَّا لذاتِهِ كالطعامِ، أوْ لغيرِهِ كالدواءِ.
وعبادةُ اللهِ مبنيَّةٌ على المحبَّةِ
، بلْ هيَ حقيقةُ العبادةِ؛ إذْ لوْ تَعَبَّدْتَ بدونِ محبَّةٍ صارتْ عبادتُكَ قِشْرًا لا رُوحَ فيها، فإذا كانَ الإنسانُ في قلبِهِ محبَّةٌ للهِ وللوصولِ إلى جنَّتِهِ فسوفَ يسْلُكُ الطريقَ المُوَصِّلَ إلى ذلكَ.
ولهذا لمَّا أحبَّ المشركونَ آلهتَهم توصَّلَتْ بهمْ هذهِ المحبَّةُ إلى أنْ عبَدُوها مِنْ دُونِ اللهِ أوْ مَعَ اللهِ.
والمحبَّةُ تنقسمُ إلى قسمَيْنِ:
القسمُ الأوَّلُ: محبَّةُ عِبَادَةٍ، وهيَ: التذلُّلُ والتعظيمُ وأنْ يقومَ بقَلْبِ الإنسانِ منْ إجلالِ المحبوبِ وتعظيمِهِ ما يقتضي أنْ يمْتَثِلَ أمْرَهُ ويجْتَنِبَ نهيَهُ، وهذهِ خَاصَّةٌ باللهِ، فمَنْ أحبَّ معَ اللهِ غيرَهُ محبَّةَ عبادةٍ فهوَ مشركٌ شِرْكًا أكبرَ، ويُعَبِّرُ العلماءُ عنها بالمحبَّةِ الخاصَّةِ.
القسمُ الثاني: محبَّةٌ ليستْ بعبادةٍ في ذاتِها، وهذهِ أنواعٌ:
النوعُ الأوَّلُ: المحبَّةُ للهِ وفي اللهِ، وذلكَ بأنْ يكونَ الجالبُ لها محبَّةَ اللهِ، أيْ: كونُ الشيءِ محبوبًا للهِ تعالى؛ منْ أشخاصٍ: كالأنبياءِ والرسلِ والصدِّيقِينَ والشهداءِ والصالحينَ.
أو أعمالٍ:
كالصلاةِ، والزكاةِ، وأعمالِ الخيرِ، أوْ غيرِ ذلكَ.
وهذا النوعُ تابعٌ للقسمِ الأوَّلِ الذي هوَ محبَّةُ اللهِ.
النوعُ الثاني: محبَّةُ إشفاقٍ ورحمةٍ، وذلكَ (كمحبَّةِ الولدِ، والصغارِ، والضعفاءِ، والمرضى) .
النوعُ الثالثُ: محبَّةُ إجلالٍ وتعظيمٍ لا عبادةٍ، (كمحبَّةِ الإنسانِ لوالِدِهِ ولمُعَلِّمِهِ ولكبيرٍ منْ أهلِ الخيرِ) .
النوعُ الرابعُ: محبَّةٌ طبيعيَّةٌ، (كمحبَّةِ الطعامِ والشرابِ والمَلْبَسِ والمَرْكَبِ والمَسْكَنِ) .
وأشرفُ هذهِ الأنواعِ النوعُ الأوَّلُ، والبقِيَّةُ منْ قسمِ المُباحِ، إلاَّ إذا اقترنَ بها ما يقتضي التعبُّدَ صارتْ عبادةً، فالإنسانُ يُحِبُّ والدَهُ محبَّةَ إجلالٍ وتعظيمٍ، وإذا اقترنَ بها أنْ يتعبَّدَ للهِ بهذا الحبِّ منْ أجْلِ أن يقومَ ببرِّ والدِهِ صارتْ عبادةً، وكذلكَ يُحِبُّ ولدَهُ محبَّةَ شفقةٍ وإذا اقترنَ بها ما يقتضي أنْ يقومَ بأمرِ اللهِ بإصلاحِ هذا الولدِ صارتْ عبادةً.
وكذلكَ:
المحبَّةُ الطبيعيَّةُ كالأكلِ والشُّربِ والملبسِ والمسكنِ،
إذا قُصِدَ بها الاستعانةُ على عبادةٍ صارتْ عبادةً، ولهذا (حُبِّبَ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ النساءُ والطِّيبُ) مِنْ هذهِ الدُّنيا، فحُبِّبَ إليه النساءُ؛ لأنَّ ذلكَ مُقْتَضَى الطبيعةِ ولِمَا يتَرَتَّبُ عليهِ من المصالحِ العظيمةِ، وحُبِّبَ إليهِ الطِّيبُ؛ لأنَّهُ يُنَشِّطُ النفسَ ويُريحُهَا ويشرَحُ الصدرَ، ولأنَّ الطَّيِّباتِ للطَّيِّبينَ واللهُ طيِّبٌ لا يقبلُ إلاَّ طيِّبًا.
فهذهِ الأشياءُ إذا اتَّخذَها الإنسانُ بقصْدِ العبادةِ صارتْ عبادةً،
قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) ).
وقالَ العلماءُ: (إنَّ ما لا يَتِمُّ الواجبُ إلاَّ بِهِ فهوَ واجبٌ) .
وقالوا: (الوسائلُ لها أحكامُ المقاصدِ) وهذا أمْرُ مُتَّفَقٌ عليهِ.
قولُهُ: {وَمِنَ النَّاسِ} ، {مِنْ} تبعيضيَّةٌ، وهيَ ومجرُورُها خبرٌ مُقَدَّمٌ، وَ {مَنْ يَتَّخِذُ} مبتدأٌ مُؤَخَّرٌ.
قولُهُ: {أَنْدَادًا} جمعُ نِدٍّ، وهو الشبيهُ والنظيرُ.
قولُهُ: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ} أيْ: في كيفيَّتِهِ ونوعِهِ، فالنوعُ أنْ يُحِبَّ غيرَ اللهِ محبَّةَ عبادةٍ، والكيفيَّةُ أنْ يُحِبَّهُ كمحبَّةِ اللهِ أوْ أشدَّ، حتَّى إنَّ بعضَهم يُعَظِّمُ محبوبَهُ ويغارُ لهُ أكثرَ ممَّا يُعَظِّمُ اللهَ وَيَغَارُ لهُ، فلوْ قيلَ: (احْلِفْ باللهِ) لَحَلَفَ وهوَ كاذبٌ ولمْ يُبَالِ، ولوْ قيلَ: احْلِفْ بالنِّدِّ، لمْ يَحْلِفْ وهوَ كاذبٌ، وهذا شركٌ أكبرُ.
وقولُهُ: {كَحُبِّ اللهِ} للمُفَسِّرِينَ فيها قولانِ:
الأوَّلُ:
أنَّها على ظاهرِها،
وأنَّها مضافةٌ إلى مفعولِها، أيْ: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّهِمْ للهِ، والمعنى يُحِبُّونَ هذهِ الأندادَ كمحبَّةِ اللهِ فيجعلونَها شُرَكاءَ للهِ في المحبَّةِ، لكنَّ الذينَ آمنوا أشدُّ حُبًّا للهِ منْ هؤلاءِ للهِ، وهذا هوَ الصوابُ.
الثاني:
أنَّ المعنى كَحُبِّ اللهِ الصادرِ من المؤمنينَ،
أيْ: كحُبِّ المؤمنينَ للهِ، فيُحِبُّونَ هذهِ الأندادَ كما يُحِبُّ المؤمنونَ اللهَ عزَّ وجلّ، وهذا وإن احْتَمَلَهُ اللفظُ لكنَّ السياقَ يَأْبَاهُ؛ لأنَّهُ لوْ كانَ المعنى ذلكَ لكانَ مُناقِضًا لِقَوْلِهِ تعالى فيما بَعْدُ: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ} وكانتْ محبَّةُ المؤمنينَ للهِ أشدَّ؛ لأنَّها محبَّةٌ خالصةٌ ليسَ فيها شركٌ، فمحبَّةُ المؤمنينَ أشدُّ منْ حُبِّ هؤلاءِ للهِ.
فإنْ قيلَ:
قدْ يَنْقَدِحُ في ذِهْنِ الإنسانِ أنَّ المؤمنينَ يُحِبُّونَ هذهِ الأندادَ نظرًا لقولِهِ: {أَشَدُّ حُبًّا للهِ} ، فما الجوابُ؟
أُجِيبُ:
أنَّ اللغةَ العربيَّةَ يجري فيها التفضيلُ بينَ شيئيْنِ وأحدُهما
خالٍ منهُ تمامًا، ومنْهُ قولُهُ تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً} معَ أنَّ مُستقرَّ أهلِ النارِ ليسَ فيهِ خيرٌ.
وقالَ تعالى: {آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} والطرفُ الآخرُ ليسَ فيهِ شيءٌ منْ هذهِ المُوَازَنَةِ، ولكنَّها منْ بابِ مُخَاطَبَةِ الخصمِ بحَسَبِ اعتقادِهِ.
ومناسبةُ الآيةِ لبابِ المحبَّةِ:
مُنِعَ الإنسانُ أنْ يُحِبَّ أحدًا كمحبَّةِ اللهِ؛
لأنَّ هذا من الشركِ الأكبرِ المُخْرِجِ عن الملَّةِ، وهذا يُوجَدُ في بعضِ العِبَادِ وبعضِ الخَدَمِ، فبعضُ العبادِ يُعَظِّمونَ بعضَ القبورِ أو الأوَّلياءِ كمحبَّةِ اللهِ أوْ أشدَّ، وكذلكَ بعضُ الخَدَمِ تجدُهُم يُحِبُّونَ هؤلاءِ الرؤَساءَ أكثرَ ممَّا يُحِبُّونَ اللهَ، ويُعَظِّمونَهُم أكثرَ ممَّا يُعَظِّمونَ اللهَ، قالَ تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا} .
قولُهُ تعالى:
{قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} ، {آباؤُكُم} اسمُ كانَ، وباقي الآيةِ مرفوعٌ معطوفٌ عليهِ، وخبرُ كانَ {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ} ، والخطابُ في قولِهِ: (قُلْ) للرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، والمُخَاطَبُ في قولِهِ: {آباؤُكُمْ} ، الأُمَّةُ.
والأمرُ في قولِهِ: {فَتَرَبَّصُوا} يُرادُ بهِ التهديدُ، أي: انْتَظِرُوا عقابَ اللهِ. ولهذا قالَ: {حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ} بإهلاكِ هؤلاءِ الْمُؤْثِرِينَ لمحبَّةِ هؤلاءِ الأصنافِ الثمانيَةِ على محبَّةِ اللهِ ورسولِهِ وجهادٍ في سبيلِهِ.
فدَلَّت الآيةُ على أنَّ محبَّةَ هؤلاءِ،
وإنْ كانتْ منْ غيرِ محبَّةِ العبادةِ، إذا فُضِّلتْ على محبَّةِ اللهِ صار تْ سببًا للعقوبةِ.
ومن هنا نعْرِفُ أنَّ الإنسانَ إذا كانَ يُهْمِلُ أوامرَ اللهِ لأوامرِ والدِهِ، فهوَ يُحِبُّ أباهُ أكثرَ منْ رَبِّهِ.
وما في القلوبِ وإنْ كانَ لا يعلمُهُ إلاَّ اللهُ، لكنْ لهُ شاهدٌ في الجوارحِ، ولذا يُرْوَى عن الحسنِ رَحِمَهُ اللهُ أنَّهُ قالَ: (ما أسرَّ أحدٌ سريرةً إلاَّ أظهرَها اللهُ تعالى على صَفَحاتِ وجهِهِ وفَلَتَاتِ لسانِهِ) فالجوارحُ مرآةُ القلبِ.
قولُهُ في حديثِ أنسٍ: (( لاَ يُؤْمِنُ ) )هذا نفيٌ للإيمانِ، ونفيُ الإيمانِ تارةً يُرادُ بهِ نفيُ الكمالِ الواجبِ، وتارةً يُرَادُ بهِ نفيُ الوجودِ، أيْ: نفيُ الأصلِ.
والمنفيُّ في هذا الحديثِ هوَ كمالُ الإيمانِ الواجبُ، إلاَّ إذا خلا القلبُ منْ محبَّةِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إطْلاقًا، فلا شكَّ أنَّ هذا نفيٌ لأصلِ الإيمانِ.
قال في (فتح المجيد) (ص386) : (فمن قال: إن المنفي هو الكمال، فإن أراد الكمال الواجب الذي يذم تاركه، ويعرض للعقوبة فقد صدق، وإن أراد أن المنفي هو الكمال المستحب فهذا لم يقع قط في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم) قاله شيخ الإسلام.
قولُهُ: (( مِنْ وَلَدِهِ ) )يشملُ الذَّكرَ والأنثى، وبدأَ بمحبَّةِ الولدِ؛ لأنَّ تعلُّقَ القلبِ بهِ أشدُّ منْ تعلُّقِهِ بأبيهِ غالبًا.
قولُهُ: (( ووالِدِهِ ) )يشملُ أباهُ وجدَّهُ وإنْ علا، وأُمَّهُ وجَدَّتَهُ وإنْ عَلَتْ.
قولُهُ: (( وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) )يشملُ إخْوَتَهُ وأعمامَهُ وأبنَاءَهُمْ وأصحابَهُ ونفسَهُ؛ لأنَّهُ من الناسِ، فلا يَتِمُّ الإيمانُ حتَّى يكونَ الرسولُ أحبَّ إليهِ منْ جميعِ المخلوقينَ، وإذا كانَ هذا في محبَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فكيفَ بمحبَّةِ اللهِ تعالى؟
ومحبَّةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تكونُ لأمورٍ:
الأوَّلُ: أنَّهُ رسولُ اللهِ، وإذا كانَ اللهُ أحبَّ إليكَ منْ كلِّ شيءٍ فَرَسُولُهُ أحبُّ إليكَ منْ كلِّ مخلوقٍ.
الثاني: لِمَا قامَ بهِ منْ عبادةِ اللهِ وتبليغِ رسالتِهِ.
الثالثُ:
لِمَا آتاهُ اللهُ منْ مكارمِ الأخلاقِ ومحاسنِ الأعمالِ
الرابعُ:
أنَّهُ سببُ هِدَايَتِكَ
وتعليمِكَ وتوجيهِكَ.
الخامسُ: لصبرِهِ على الأذى في تبليغِ الرسالةِ.
السادسُ: لبَذْلِ جَهْدِهِ بالمالِ والنفسِ لإعلاءِ كلمةِ اللهِ.
ومناسبَةُ هذا الحديثِ للبابِ:
مناسبَةُ هذا الحديثِ ظاهرةٌ؛ إذْ محبَّةُ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ منْ محبَّةِ اللهِ، ولأنَّهُ إذا كانَ لا يَكْمُلُ الإيمانُ حتَّى يكونَ الرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أحبَّ إلى الإنسانِ منْ نفْسِهِ والناسِ أجمعينَ، فمَحبَّةُ اللهِ أَوْلَى وأعظمُ.
قولُهُ في حديثِ
أنسٍ الثاني: (( ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ ) )أيْ: ثلاثُ خِصالٍ، وَ (( كُنَّ ) )بمعنى وُجِدْنَ فيهِ.
وإعرابُ (( ثلاثٌ ) )مبتدأٌ، وجازَ الابتداءُ بها؛ لأنَّها مُفيدةٌ على حدِّ قولِ ابنِ مالكٍ:
ولا يجوزُ الابْتِدَا بالنَّكِرَة ما لمْ تُفِدْ
وقولُهُ:
(( مَنْ كُنَّ فِيهِ ) ) (( مَنْ ) )شرطيَّةٌ، و (( كُنَّ ) )أصلُها (كانَ) ، فتكونُ فعلاً ماضيًا ناسخًا، والنونُ اسمُها، و (( فِيهِ ) )خبرُها.
قولُهُ: (( وَجَدَ بِهِنَّ ) ) (( وَجَدَ ) )فعلٌ ماضٍ في محلِّ جَزْمٍ جوابُ الشرطِ، والجملةُ منْ فعلِ الشرطِ وجوابِهِ في محلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ.
وقولُهُ: (( وَجَدَ بِهِنَّ حَلاوةَ الإيمانِ ) )الباءُ للسببيَّةِ، و (( حلاوةَ ) )مفعولُ (( وجَدَ ) )وحلاوةُ الإيمانِ: ما يجدُهُ الإنسانُ في نفسِهِ وقلبِهِ من الطُّمأنينةِ والراحةِ والانشراحِ، وليستْ مُدْرَكَةً باللُّعابِ والفمِ، فالمقصودُ بالحلاوةِ هنا الحلاوةُ القلبيَّةُ.
الخَصْلَةُ الأُولى من الخصالِ الواردةِ في الحديثِ:
قولُهُ:
(( أَنْ يَكُونَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ) )الرسولُ مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وكذا جميعُ الرسلِ تَجِبُ محبَّتُهُم.
قولُهُ: (( أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ) )أيْ: أحبَّ إليهِ من الدُّنيا كلِّها، ونفسِه، وولدِهِ، ووالدِهِ، وزوجتِهِ، وكلِّ شيءٍ سِوَاهُمَا.
فإنْ قيلَ: لماذا جاءَ الحديثُ بالواوِ (( اللهُ وَرَسُولُهُ ) )وجاءَ الخبرُ لهما جميعًا (( أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ) )؟
فالجوابُ:
لأنَّ محبَّةَ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ منْ محبَّةِ اللهِ،
ولهذا جُعِلَ قولُهُ: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رسولُ اللهِ، رُكْنًا واحدًا؛ لأنَّ الإخلاصَ لا يَتِمُّ إلاَّ بالمُتَابَعَةِ التي جاءتْ عنْ طريقِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
الخَصْلَةُ الثانيةُ:
قولُهُ: (( وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ ) ).
قولُهُ: (( وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ ) )يشملُ الرجلَ والمرأةَ.
قولُهُ: (( لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ للهِ ) )اللامُ للتعليلِ، أيْ: منْ أجْلِ اللهِ؛ لأنَّهُ قائمٌ بطاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وحُبُّ الإنسانِ للمرءِ لهُ أسبابٌ كثيرةٌ:
-يُحِبُّهُ للدُّنيا.
-ويُحِبُّهُ للقرابةِ.
-ويُحِبُّهُ للزمالةِ.
ويُحِبُّ المرءُ زوجتَهُ للاستمتاعِ، ويُحِبُّ مَنْ أحسنَ إليهِ،
لكنْ إذا أحْبَبْتَ هذا المرءَ للهِ فإنَّ ذلكَ منْ أسبابِ وُجُودِ حلاوةِ الإيمانِ.
الخَصْلةُ الثالثةُ:
قولُهُ:
(( وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ اللهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ ) )هذهِ الصورةُ في كافرٍ أسْلَمَ، فهوَ يَكْرَهُ أنْ يعودَ في الكُفْرِ بعدَ إذْ أنْقَذَهُ اللهُ منهُ كما يَكْرَهُ أنْ يُقْذَفَ في النارِ، وإنَّما ذَكَرَ هذهِ الصورةَ؛ لأنَّ الكافرَ يَأْلَفُ ما كانَ عليهِ أوَّلاً، فرُبَّما يَرْجِعُ إليهِ، بخلافِ مَنْ لا يعرفُ الكفرَ أصلاً، فمَنْ كَرِهَ العَوْدَ في الكفرِ كما يَكْرَهُ القذفَ في النارِ، فإنَّ هذا مِنْ أسبابِ وُجُودِ حلاوةِ الإيمانِ.
قولُهُ: وَفِي روايةٍ:
(( لاَ يَجِدُ أَحَدٌ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ ) )أتى المُؤَلِّفُ بهذهِ الروايةِ؛ لأنَّ انتفاءَ وُجْدَانِ حلاوةِ الإيمانِ بالنسبةِ للروايةِ الأولى عنْ طريقِ المفهومِ، وهذهِ عنْ طريقِ المنطوقِ، ودلالةُ المنطوقِ أقْوَى منْ دلالةِ المفهومِ.
قولُهُ في أَثَرِ ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: (( مَنْ أَحَبَّ فِي اللهِ ) ) (مَنْ) شرطيَّةٌ، وفعلُ الشرطِ (أَحَبَّ) وجوابُهُ جُمْلَةُ (( فَإِنَّمَا تُنالُ وَلايةُ اللهِ بذلكَ ) ).
و (في) يُحْتَمَلُ أنْ تكونَ للظرفيَّةِ؛ لأنَّ الأصلَ فيها الظرفيَّةُ، ويُحْتَمَلُ أنْ تكونَ للسببيَّةِ؛ لأنَّ (في) تأتي أحيانًا للسببيَّةِ، كما في قوْلِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ ) )أيْ: بسببِ هِرَّةٍ.
وقولُهُ: (( فِي اللهِ ) )أيْ: مِنْ أجْلِهِ، إذا قُلْنَا: إنَّ (في) للسببيَّةِ، وأمَّا إذا قُلْنَا: إنَّها للظرفيَّةِ فالمعنى: مَنْ أحبَّ في ذاتِ اللهِ، أيْ: في دينِهِ وشرعِهِ لا لعَرَضِ الدُّنيا.
قولُهُ: (( وَأَبْغَضَ فِي اللهِ ) )البُغضُ: الكُرهُ، أيْ: أبْغَضَ في ذاتِ اللهِ، فإذا رأى مَنْ يعْصِي اللهَ كَرِهَهُ.
وفرْقٌ بينَ (في) التي للسببيَّةِ و (في) التي للظرفيَّةِ، فالسببيَّةُ الحاملُ لهُ على المحبَّةِ أو البغضاءِ هوَ اللهُ، والظرفيَّةُ موضعُ الحُبِّ أو الكَرَاهَةِ هوَ في ذاتِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فَيُبْغِضُ مَنْ أبْغَضَهُ اللهُ ويحِبُّ مَنْ أحَبَّهُ.
قولُهُ: (( وَوَالَى فِي اللهِ ) )المُوَالاَةُ هيَ المحبَّةُ والنُّصرةُ وما أشبهَ ذلكَ.
قولُهُ: (( وَعَادَى فِي اللهِ ) )المُعَادَاةُ ضِدُّ الموالاةِ، أيْ: يَبْتَعِدُ عنهمْ ويُبْغِضُهُمْ ويَكْرَهُهُمْ في اللهِ.
قولُهُ: (( فَإِنَّمَا تُنَالُ وَلاَيَةُ اللهِ بِذَلِكَ ) )هذا جوابُ الشرطِ، أيْ: يُدْرِكُ الإنسانُ ولايةَ اللهِ وَيَصِلُ إليها؛ لأنَّهُ جعلَ محبَّتَهُ وبُغْضَهُ ووَلايَتَهُ ومُعَادَاتَهُ للهِ.
وقولُهُ: (( ولايَةُ ) )يجوزُ في الواوِ وجهانِ؛ الفتحُ والكسرُ.
قيلَ:
معناهما واحدٌ.
وقيلَ:
بالفتحِ بمعنى النُّصْرَةِ،
قالَ تعالى: {مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} ، وبالكسرِ بمعنى الوِلايةِ على الشيءِ.
قولُهُ: (( بِذَلِكَ ) )الباءُ للسببيَّةِ، والمشارُ إليهِ: الحبُّ في اللهِ، والبُغْضُ فيهِ، والمُوَالاةُ فيهِ، والمُعادَاةُ فيهِ.
وهذا الأثرُ موقوفٌ، لكنَّهُ بمعنى المرفوعِ؛ لأنَّ ترتيبَ الجزاءِ على العملِ لا يكونُ إلاَّ بتوقيفٍ، إلاَّ أنَّ الأثرَ ضعيفٌ.
فمعنى الحديثِ: أنَّ الإنسانَ لا يَجِدُ طعمَ الإيمانِ وحلاوتَهُ ولذَّتَهُ حتَّى يكونَ كذلكَ، ولوْ كَثُرَتْ صلاتُهُ وصومُهُ، وكيفَ يستطيعُ عاقلٌ فضلاً عنْ مؤمنٍ أنْ يُوَالِيَ أعداءَ اللهِ، فيرى أعداءَ اللهِ يُشْرِكُونَ بربِّهِ، ويكفرونَ بِهِ، ويصِفُونَهُ بالنقائصِ والعيوبِ ثمَّ يُوَالِيهِم ويُحِبُّهم، فهذا لوْ صلَّى وقامَ الليلَ كلَّهُ، وصامَ الدَّهْرَ كلَّهُ، فإنَّهُ لا يُمْكِنُ أنْ ينالَ طعمَ الإيمانِ، فلا بُدَّ أنْ يكونَ قلبُكَ مملوءًا بمحبَّةِ اللهِ ومُوَالاتِهِ، وعلى العكسِ مِنْ ذلكَ يكونُ مملوءًا ببُغْضِ أعداءِ اللهِ ومُعَادَاتِهِم.
وقالَ ابنُ القيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:
أَتُحِبُّ أعداءَ الحبيبِ وتدَّعِي حُبًّا لهُ ما ذاكَ في إمكانِ
وقالَ الإمامُ أحمدُ رَحِمَهُ اللهُ: (إذا رأيْتُ النَّصْرَانِيَّ أُغْمِضُ عَيْنَيَّ؛ كراهةَ أنْ أرى بعينَيَّ عدوَّ اللهِ) .
هذا الذي يَجِدُ طعمَ الإيمانِ، أمَّا والعياذُ باللهِ الذي يرى أنَّ اليهودَ أو النصارى على دينٍ مَرْضِيٍّ ومقبولٍ عندَ اللهِ بعدَ بعثةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ؛ فهوَ خارجٌ عن الإسلامِ، مُكَذِّبٌ بقولِ الله: {وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} وقولِهِ: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ} .
-وقولِهِ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} .
ولكثرةِ اليهودِ والنصارى والوثنيِّينَ صارَ في هذه المسألةِ خطرٌ على المجتمعِ، وأصبحَ كثيرٌ من الناسِ الآنَ لا يُفَرِّقُ بينَ مسلمٍ وكافرٍ، ولا يدريْ أنَّ غيرَ المسلمِ عدوٌّ للهِ عزَّ وجلَّ، بلْ هوَ عدوٌّ لهُ أيضًا؛ لقوْلِهِ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} فهمْ أعداءٌ لنا ولوْ تظاهَرُوا بالصداقةِ.
-قالَ اللهُ تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنوُا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} .
فالآنَ أصْبَحْنَا في محنةٍ وخطرٍ عظيمٍ؛ لأنَّهُ يُخشَى على أبنائِنا وأبناءِ قَوْمِنا أنْ يَرْكَنُوا إلى هؤلاءِ ويُوَادُّوهُم ويُحِبُّوهم؛ ولذلكَ يَجِبُ أنْ تُخَلَّصَ هذهِ البلادُ بالذَّاتِ منهُمْ، فهذهِ البلادُ قالَ فيها الرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( لأَُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ حَتَّى لاَ أَدَعَ إِلاَّ مُسْلِمًا ) ).
-وقالَ: (( أَخْرِجُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ) ).
-وقالَ: (( أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ) )وهذا كلُّهُ منْ أجلِ أنْ لا يَشْتَبِهَ الأمرُ على النَّاسِ، ويختلطَ أولياءُ اللهِ بأعدائِهِ.