فهرس الكتاب
الصفحة 40 من 93

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النِّسَاءُ:51]

وَلِمُسْلِمٍ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( إِنَّ اللهَ زَوَى لِيَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا.

وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ: الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ.

وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لأُِمَّتِي أَنْ لاَ يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَأَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ، فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ.

وَإِنَّ رَبِّي قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لاَ يُرَدُّ، وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لأُِمَّتِكَ أَنْ لاَ أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ بِعَامَّةٍ، وَأَنْ لاَ أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ، وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا، حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا )) .

وَرَوَاهُ الْبَرْقَانِيُّ فِي (صَحِيحِهِ) وَزَادَ: (( وَإِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ، وَإِذَا وَقَعَ عَلَيْهِمُ السَّيْفُ لَمْ يُرْفَعْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَلْحَقَ حَيٌّ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى تَعْبُدَ فِئَامٌ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ، وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلاَثُونَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، لاَ نَبِيَّ بَعْدِي، وَلاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورَةً، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) ).

فِيهِ مَسَائِلُ:

الأُولَى:تَفْسِيرُ آيَةِ النِّسَاءِ.

الثَّانِيَةُ: تَفْسِيرُ آيَةِ الْمَائِدَةِ.

الثَّالِثَةُ:تَفْسِيرُ آيَةِ الْكَهْفِ.

الرَّابِعَةُ:وَهِي مِنْ أَهَمِّهَا - مَا مَعْنَى الإِيمَانِ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ فِي هَذَا

الْمَوْضِعِ ؟

هَلْ هُوَ اعْتِقَادُ قَلْبٍ؟

أَوْ هُوَ مُوافَقَةُ أَصْحَابِهَا مَعَ بُغْضِهَا وَمَعْرِفَةِ بُطْلاَنِهَا؟

الْخَامِسَةُ:قَوْلُهُمْ: إِنَّ الْكُفَّارَ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ كُفْرَهُمْ أَهْدَى سَبِيلاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.

السَّادِسَةُ:وَهِيَ الْمَقْصُودُ بِالتَّرْجَمَةِ - أَنَّ هَذَا لاَ بُدَّ أَنْ يُوجَدَ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ.

السَّابِعَةُ: التَّصْرِيحُ بِوُقُوعِهَا - أَعْنِي عِبَادَةَ الأَوْثَانِ - فِي هَذِهِ الأُمَّةِ فِي جُمُوعٍ كَثِيرَةٍ.

الثَّامِنَةُ: الْعَجَبُ الْعُجَابُ خُرُوجُ مَنْ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ مِثْلَ الْمُخْتَارِ مَعَ تَكَلُّمِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَتَصْرِيحِهِ بِأَنَّهُ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَأَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَأَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ، وَفِيهِ أَنَّ مُحَمَّدًا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَمَعَ هَذَا يُصَدَّقُ فِي هَذَا كُلِّهِ مَعَ التَّضَادِّ الْوَاضِحِ، وَقَدْ خَرَجَ الْمُخْتَارُ فِي آخِرِ عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَتَبِعَهُ فِئَامٌ كَثِيرَةٌ.

التَّاسِعَةُ:الْبِشَارَةُ بِأَنَّ الْحَقَّ لاَ يَزُولُ بِالْكُلِّيَّةِ كَمَا زَالَ فِيمَا مَضَى، بَلْ لاَ تَزَالُ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ.

الْعَاشِرَةُ: الآيَةُ الْعُظْمَى أَنَّهُمْ مَعَ قِلَّتِهِمْ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ.

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ:أَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ.

الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ:مَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ الْعَظِيمَةِ: مِنْهَا إِخْبَارُهُ بَأَنَّ اللهَ زَوَى لَهُ الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ وَأَخْبَرَ بِمَعْنَى ذَلِكَ فَوَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ بِخِلاَفِ الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ، وَإِخْبَارُهُ بِأَنَّهُ أُعْطِي الْكَنْزَيْنِ، وَإِخْبَارُهُ بِإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ لأُِمَّتِهِ فِي الاِثْنَتَيْنِ، وَإِخْبَارُهُ بِأَنَّهُ مُنِعَ الثَّالِثَةَ، وَإِخْبَارُهُ بِوُقُوعِ السَّيْفِ وَأَنَّهُ لاَ يُرْفَعُ إِذَا وَقَعَ، وَإِخْبَارُهُ بِإِهْلاَكِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَسَبْيِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَخَوْفِهِ عَلَى أُمَّتِهِ مِنَ الأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ، وَإِخْبَارُهُ بِظُهُورِ الْمُتَنَبِّئِينَ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ، وَإِخْبَارُهُ ِ بِبَقَاءِ الطَّائِفَةِ الْمَنْصُورَةِ، وَكُلُّ هَذَا وَقَعَ كَمَا أَخْبَرَ، مَعَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مِنْ أَبْعَدِ مَا يَكُونُ فِي الْعُقُولِ.

الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ:حَصْرُهُ الْخَوْفَ عَلَى أُمَّتِهِ مِنَ الأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ.

الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ:التَّنْبِيهُ عَلَى مَعْنَى عِبَادَةِ الأَوْثَانِ.

سببُ مجيءِ

المؤلِّفِ بهذا البابِ دحضِ حُجَّةِ مَنْ يقولُ: إنَّ الشركَ لا يُمْكِنُ أنْ يقعَ في هذهِ الأُمَّةِ، وأنكَروا أنْ تكونَ عبادةُ القبورِ والأولياءِ مِن الشركِ؛ لأنَّ هذهِ الأمَّةَ معصومةٌ منهُ لقولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( إِنَّ الشَّيْطَانَ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ) ).

والجوابُ:

عنْ هذا سبقَ عندَ الكلامِ على المسألةِ الثامنةَ عشرةَ منْ مسائلِ بابِ (مَنْ تبرَّكَ بشجرٍ أوْ حجرٍ ونحْوِهما) .

قولُهُ: (أنَّ بعضَ هذهِ الأُمَّةِ) أيْ: لا كُلَّها؛ لأنَّ في هذِهِ الأمَّةِ طائفةً لا تزالُ منصورةً على الحقِّ إلى قيامِ الساعةِ، لكنَّهُ سيأتِي في آخرِ الزمانِ رِيحٌ تَقْبِضُ رُوحَ كلِّ مسلمٍ فلا يَبقى إلاَّ شرارُ الناسِ.

قولُهُ: (الأوْثانَ) جمعُ وثَنٍ، هُوَ كلُّ ما عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ.

قولُه تعالى:

{ أَلَمْ تَرَ } الاستفهامُ هنا للتقريرِ والتعجُّبِ، والرُّؤْيَةُ بصَريَّةٌ، بدليلِ أنَّها عُدِّيَتْ بإلى، وإذا عُدِّيتْ بإِلى صارَتْ بمعنى النظرِ.

والخطابُ إمَّا للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أوْ لكلِّ مَنْ يَصِحُّ توجيهُ الخطابِ إِليهِ، أيْ: ألمْ ترَ أيُّها المُخاطَبُ؟

قولُهُ: { إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا } أيْ: أُعْطُوا، ولم يُعْطَوا كلَّ الكتابِ؛ لأنَّهمْ حُرِمُوا بسببِ معصيتِهِم، فليسَ عنْدَهُم العلمُ الكاملُ بما في الكتابِ.

قولُهُ: { نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ } المُنَزَّلِ، والمُرادُ بالكتابِ التوراةُ والإنجيلُ.

وقدْ ذكَرُوا لذلِكَ مثلاً وهوَ كعبُ بنُ الأشرفِ حينَ جاءَ إلى مَكَّةَ فاجتمعَ إليهِ المشركونَ وقالوا: ما تقولُ في هذا الرجلِ، أي: النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، الذي سفَّهَ أحلامَنا ورأى أنَّهُ خيرٌ منَّا؟

فقالَ لهُمْ: أَنْتُم خيرٌ مِنْ مُحَمَّدٍ؛ ولهذا جاءَ في آخرِ الآيةِ: { وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً } .

-قولُهُ: { يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ } أيْ: يُصَدِّقونَ بهِمَا ويُقَرِّرُونَهُمَا ولا يُنْكِرُونَهُمَا، فإذا أقرَّ الإنسانُ هذهِ الأوثانَ فقدْ آمنَ بها.

والجبتُ

قيلَ: السحرُ.

وقيلَ:

هوَ الصَّنمُ، والأصحُّ أنَّهُ عامٌّ لكلِّ صنمٍ، أوْ سحرٍ، أوْ كهانةٍ، أوْ ما أَشْبَهَ ذلِكَ.

والطاغوتُ:

ما تجاوزَ بِه العبدُ حدَّهُ مِنْ معبودٍ أوْ مَتْبوعٍ أوْ مُطاعٍ، وتقدم شرح هذه الجملة.

ووجهُ المناسبةِ في الآيةِ للبابِ

لا يتبيَّنُ إلاَّ بالحديثِ، وهُوَ: (( لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ) )فإذا كانَ الذينَ أُوتوا نصيبًا مِن الكتابِ يُؤْمِنُونَ بالجبتِ والطاغوتِ، وأنَّ مِنْ هذِهِ الأمَّةِ مَنْ يرْتَكِبُ سُنَنَ مَنْ كانَ قبلَهُ، يلْزَمُ مِنْ هذا أنَّ في هذِهِ الأمَّةِ مَنْ يُؤْمِنُ بالجبتِ والطاغوتِ، فتكونُ الآيةُ مطابقةً للترجمةِ تمامًا.

قولُهُ:

{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ } الخطابُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ردًّا على هؤلاءِ اليهودِ الذي اتَّخَذُوا دينَ الإسلامِ هُزُوًا ولَعِبًا.

وقولُهُ: {أُنَبِّئُكُمْ} أيْ: أُخْبِرُكُم.

والاستفهامُ هنا للتقريرِ والتشويقِ، أيْ: سأُقَرِّرُ علَيْكُم هذا الخبرَ.

قولُهُ: { بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ } شرٌّ هنا اسمُ تفضيلٍ، وأصلُها أشَرُّ، لكنْ حُذِفَت الهمزةُ تخفيفًا لكثرةِ الاستعمالِ، ومثلُها كلمةُ خيرٍ مُخَفَّفَةٌ مِنْ أخْيَرَ، والناسُ مُخَفَّفةٌ مِن الأُنَاسِ، وكذا كلمةُ اللهِ مُخَفَّفةٌ مِن الإلهِ.

وقولُهُ: {ذلِكَ} المشارُ إليهِ ما كانَ عليهِ الرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأصحابُهُ، فإنَّ اليهودَ يزعمونَ أنَّهم هُم الذينَ على الحقِّ، وأنَّهُم خيرٌ من الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسلَّمَ وأصحابِهِ، وأنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وأصحابَهُ ليْسُوا على الحقِّ، فقالَ اللهُ تعالى: { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ } .

والمثوبةُ:

مِنْ ثابَ يثُوبُ، إذا رجعَ، ويُطلقُ على الجزاءِ، أيْ: بشرٍّ مِنْ ذلِكَ جزاءً عندَ اللهِ.

قولُهُ: {عِندَ اللهِ} أيْ: في علمِهِ وجزائِهِ عقوبةً أوْ ثوابًا.

قولُهُ:

{ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ } مَن: اسمُ موصولٍ خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، تقديرُهُ: هوَ مَنْ لَعَنَهُ اللهُ؛ لأنَّ الاستفهامَ انتَهى عندَ قولِهِ: { مَثُوبَةً عِندَ اللهِ } .

-وجوابُ الاستفهامِ: { مَنْ لَعَنَهُ اللهُ } .

ولعَنَهُ: أيْ: طرَدَهُ وأبْعَدَهُ عَنْ رحمتِهِ.

قولُهُ: { وَغَضِبَ عَلَيْهِ } أيْ: أحلَّ عليهِ غَضَبَهُ.

والغضبُ: صفةٌ مِنْ صفاتِ اللهِ الحقيقيَّةِ تقتضِي الانتقامَ مِن المغضوبِ عَلَيْهِ، ولا يصِحُّ تحريفُهُ إلى معنى الانتقامِ، وقدْ سَبَقَ الكلامُ عليهِ.

والقاعدةُ العامَّةُ عندَ أهلِ السُّنةِ: أنَّ آياتِ الصفاتِ وأحاديثَها تجْرِي على ظاهرِها اللائِقِ باللهِ عزَّ وجلَّ،

فلا تُجْعَلُ مِنْ جنسِ صفاتِ المخلوقينَ، ولا تُحَرَّفُ فَتُنْفَى عَن اللهِ، فلا نَغْلُو في الإثباتِ ولا في النفْيِ.

قولُهُ: { وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ } القِرَدَةُ:جمعُ قِرْدٍ، وهوَ حيوانٌ معروفٌ أقْرَبُ ما يكونُ شبهًا بالإنسانِ.

والخنازيرُ:

جمعُ خِنزيرٍ، وهوَ ذلِكَ الحيوانُ الخبيثُ المعروفُ الذي وصَفَهُ اللهُ بأنَّهُ رِجْسٌ.

والإشارةُ هنا إلى اليهودِ، فإنَّهم لُعِنُوا كَمَا قالَ تعالى:

{ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ } الآيةَ.

وجُعِلُوا قردةً بقولِهِ تعالى: { كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ } .

وغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِم بقولِهِ: { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ } .

-قولُهُ: { وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ } فيها قراءتَانِ في {عَبَدَ} وفي {الطاغوتَ} .

الأُولَى:

بضمِّ الباءِ {عَبُدَ} وعليها تُكْسَرُ التاءُ في الطاغوتِ؛ لأنَّهُ مجرورٌ بالإضافةِ.

الثانيةُ:

بفتحِ الباءِ {عَبَدَ} على أنَّهُ فعلٌ ماضٍ معطوفٌ على قولِهِ: {لعنَهُ اللهُ} صلةُ الموصولِ، أيْ: ومَنْ عَبَدَ الطاغوتَ، ولمْ يُعِدْ {مَنْ} معَ طُولِ الفصلِ؛ لأنَّ هذا ينْطَبِقُ على موصوفٍ واحدٍ، فلوْ أُعِيدَتْ {مَنْ} لأَوَّلَهُمْ أنَّهُم جماعةٌ آخرونَ، وهُم جماعةٌ واحدةٌ.

فعلى هذِهِ القراءةِ يكونُ {عَبَدَ} فعلاً ماضيًا، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ جوازًا تقديرُهُ هوَ، يعودُ على {مَنْ} في قولِهِ: { مَنْ لَعَنَهُ اللهُ } و {الطَّاغُوتَ} بفتحِ التاءِ مفعولٌ بهِ.

وبهذا نعرفُ اختلافَ الفاعلِ في صلةِ الموصولِ وما عُطِفَ عليهِ؛ لأنَّ الفاعلَ في صلةِ الموصولِ هوَ {اللهُ} والفاعلَ في {عَبَدَ} يعودُ على مَنْ، وعلى كلِّ حالٍ فالمرادُ بها عابدُ الطاغوتِ.

فالفرقُ بينَ القراءتينِ بالباءِ فَقَطْ، فعلى قراءةِ الفعلِ مفتوحةٌ، وعلى قراءةِ الاسمِ مضمومةٌ.

والطاغوتُ على قراءةِ الفعلِ في {عَبَدَ} تكونُ مفتوحةً {عَبَدَ الطَّاغُوتَ} ، وعلى قراءةِ الاسمِ تكونُ مكسورةً بالإضافةِ {عَبُدَ الطَّاغُوتِ} .

وذُكِرَ في تركيبِ {عَبَدَ} معَ {الطاغوتَ} أربعٌ وعشرونَ قراءةً، ولكنَّها قِرَاءاتٌ شاذَّةٌ غيرَ القراءتينِ السَّبْعِيَّتَيْنِ؛ {عَبَدَ} و {عَبُدَ} .

قال شيخ الإسلام- كما في (الفتاوى) (14/455) :(قوله: {وعبد الطاغوت} الصواب عطفه على قوله {من لعنه الله} فعل ماض معطوف على ما قبله من الأفعال الماضية.

لكن المتقدمة ـ أي الأفعال ـ الفاعل الله مظهراً أو مضمرا، وهذا الفعل اسم من عبد الطاغوت وهو الضمير في عبد، ولم يعد حرف {من} لأن هذه الأفعال لصنف واحد وهم اليهود) .

(5) قولُهُ تعالى: { قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا } .

هذِهِ الآيةُ في سياقِ قصَّةِ أصحابِ الكهفِ، وقصتُّهُمْ عجيبةٌ كَمَا قالَ اللهُ تعالى: { أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا } .

وهُم فتيةٌ آمنوا باللهِ وكانوا في بلادِ شركٍ فخرَجُوا مِنْها إلى اللهِ عزَّ وجلَّ، فيَسَّرَ اللهُ لهم غَارًا فدخلوا فيهِ وناموا نومةً طويلةً بلَغَتْ { ثَلاَثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا } ، وهُمْ نائمونَ لا يحتاجونَ إلى أكْلٍ وشُرْبٍ، ومِنْ حكمةِ اللهِ أنَّ اللهَ يُقَلِّبُهُم ذاتَ اليمينِ وذاتَ الشمالِ حتَّى لا يَتَرَسَّبَ الدمُ في أحدِ الجانبيْنِ، ولمَّا خرجوا بعَثوا بأحدِهم إلى المدينةِ ليشتريَ لهُم طعامًا، وآخِرُ الأمرِ أنَّ أهلَ المدينةِ اطَّلَعُوا على أمْرِهم، وقالُوا: لا بُدَّ أنْ نبْنِيَ على قُبُورِهم مسجدًا.

وقولُهُ: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ} المرادُ بِهم الحُكَّامُ في ذلِكَ الوقتِ، قالوا مُقْسِمِينَ مؤَكِّدِينَ: لَنَتَّخِذَنَّ عليهمْ مسْجِدًا.

وبناءُ المساجدِ على القبورِ مِنْ وسائلِ الشركِ كما سَبَقَ.

(6) قولُهُ: (( لَتَتَّبِعُنَّ ) )اللامُ مُوَطِّئَةٌ للقسمِ، والنونُ للتوكيدِ، فالكلامُ مُؤَكَّدٌ بثلاثِ مُؤَكِّدَاتٍ:

-القسمُ المُقَدَّرُ.

-واللامُ.

-والنونُ.

والتقديرُ: واللهِ لَتَتَّبِعُنَّ.

قولُهُ:

(( سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ) )فيها رِوَايَتَانِ: (( سُنَنَ ) (( سَنَنَ ) ).

أمَّا (( سُنَنَ ) )بضَمِّ السينِ جمعُ سُنَّةٍ وهيَ الطريقةُ.

وأمَّا (( سَنَنَ ) )بالفتحِ، فهيَ مُفْرَدٌ بمعنى الطريقِ.

وفَعَلٌ تأْتِي مفردةً، مثلَ فَنَنٍ جمعُها أفنانٌ، وسببٍ جمعُها أسبابٌ.

وقولُهُ: (( مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ) )أيْ: مِن الأُمَمِ.

وقوْلُهُ: (( لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ) )لَيْسَ على ظاهرِهِ، بَلْ هوَ عامٌّ مخصوصٌ؛ لأنَّنا لوْ أخَذْنا بظاهرِهِ كانَتْ جميعُ هذهِ الأمَّةِ تَتَّبِعُ سُنَنَ مَنْ كانَ قبلَها، لكنَّنا نقولُ: إنَّهُ عامٌّ مخصوصٌ؛ لأنَّ في هذِهِ الأُمَّةِ مَنْ لا يَتَّبِعُ تلكَ السننَ، كما أخبرَ النبيُّ صلَّى اللهُ علَيْهِ وسلَّمَ؛ لأنَّهُ لا تزالُ طائفةٌ منْ هذهِ الأُمَّةِ على الحقِّ.

وقَدْ يُقالُ: إنَّ الحديثَ على عُمُومِهِ، وإنَّهُ لا يلْزَمُ أنْ تَتَّبِعَ هذِهِ الأُمَّةُ الأممَ السابقةَ في جميعِ سُنَنِها، بَلْ منها مَنْ يَتْبَعُها في شيءٍ، وبعضُ الأُمَّةِ يتبعُها في شيءٍ آخرَ، وحينئذٍ لا يقتضي خروجَ هذهِ الأمَّةِ مِن الإسلامِ، وهذا أوْلَى لبقاءِ الحديثِ على عُمُومِهِ، ومِن المعلومِ أنَّ مِنْ طُرُقِ مَنْ كانَ قبلَنا ما لا يُخْرِجُ مِن المِلَّةِ، مثلَ: أكْلِ الرِّبا والحسدِ والبغيِ والكذبِ، ومنهُ ما يُخْرِجُ مِن المِلَّةِ، كعبادةِ الأوثانِ.

والسننُ: هيَ الطَّرَائقُ ، وهيَ متنَوِّعَةٌ، منها ما هوَ اعتداءٌ على حقِّ الخالقِ، ومنها ما هوَ اعتداءٌ على حقِّ لمخلوقِ، ولْنَسْتَعْرِضْ شيئًا مِنْ هذه السُّنَنِ:

فَمِنْ هذهِ السننِ:

عبادةُ القبورِ والصالحينَ، فإنَّها موجودةٌ في الأممِ السابقةِ، وقدْ وُجِدَتْ في هذهِ الأمَّةِ، قالَ تعالى عَنْ قومِ نوحٍ: { وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا } .

ومِنْ ذلكَ الغُلُوُّ في الصالحينَ:

كَمَا وُجِدَ في الأممِ السابقةِ وُجِدَ في هذهِ الأمَّةِ، ومنها دُعَاءُ غيرِ اللهِ، وقَدْ وُجِدَ في هذهِ الأمَّةِ.

ومِنْها:

بناءُ المساجدِ على القبورِ موجودٌ في السابقينَ،

وقدْ وُجِدَ في هذهِ الأمَّةِ.

ومنها: وصفُ اللهِ بالنقائصِ والعُيُوبِ، فَقَدْ قالت اليهودُ: { يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ } ، وقالوا: { إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ } وقالوا: إنَّ اللهَ تَعِبَ مِنْ خلْقِ السماواتِ والأرضِ.

وقدْ وُجِدَ في هذهِ الأمَّةِ مَنْ قالَ بذلكَ أوْ أشدَّ منهُ، فَقَدْ وُجِدَ مَنْ قالَ: لَيْسَ لهُ يدٌ، ومِنْهُمْ مَنْ قالَ: لا يستطيعُ أنْ يفعلَ ما يُرِيدُ، فلمْ يسْتَوِ على العرشِ، ولا ينزلُ إلى السماءِ الدنيا ولا يتكَلَّمُ، بَلْ وُجِدَ في هذه الأمَّةِ مَنْ يقولُ: بأنَّهُ لَيْسَ داخلاً في العالمِ، ولَيْسَ خارجًا عَنْهُ، ولا مُتَّصِلاً بهِ، ولا مُنْفَصلاً عنهُ، فوصفوهُ بما لا يُمْكِنُ وُجودُه.

ومنهم مَنْ قالَ: لا تجوزُ الإشارةُ الحسِّيَّةُ إليهِ، ولا يفعلُ، ولا يغْضَبُ، ولا يرْضَى، ولا يُحِبُّ، وهذا مذهبُ الأشاعرةِ.

ومنها:

أكْلُ السُّحتِ،

فَقَدْ وُجِدَ في الأممِ السابقةِ وَوُجِدَ في هذِهِ الأمَّةِ.

ومنها: أكْلُ الرِّبا، فَقَدْ وُجِدَ في الأممِ السابقةِ ووُجِدَ في هذهِ الأمَّةِ.

ومنها:

التَّحَايُلُ على محارمِ اللهِ،

فَقَدْ وُجِدَ في الأممِ السابقةِ ووُجِدَ في هذِهِ الأمَّةِ.

ومنها:

إقامةُ الحدودِ على الضعفاءِ ورفعُها عَن الشرفاءِ،

فقدْ وُجِدَ في الأممِ السابقة ووُجِدَ في هذهِ الأُمَّةِ.

ومِنْها:

تحريفُ كلامِ اللهِ عَنْ مواضِعِه لفظًا ومعْنًى،

كاليهودِ حينَ قيلَ لهُم: { ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ } ، فدَخَلُوا على قَفَاهُمْ وقالوا: حِنْطَةٌ، ولم يقولوا: حِطَّةٌ.

ووُجِدَ في هذهِ الأمَّةِ مَنْ فعلَ كذلِكَ،

فحرَّفَ لفظَ الاستواءِ إلى الاستيلاءِ، قالَ تعالى: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } وقالوا هُم: الرحمنُ على العرشِ اسْتَوْلَى.

فإذا تأمَّلْتَ كلامَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وجدْتَهُ مُطَابقًا للواقعِ (( لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ) )ولكنْ يبقى النظرُ هَلْ هذا الحديثُ للتحذيرِ أوْ للإقرارِ؟

الجوابُ: لا شكَّ أنَّهُ للتحذيرِ ولَيْسَ للإقرارِ،

فلا يقولُ أحدٌ: سأَحْسُدُ وسآكُلُ الرِّبا، وسأعتدِي على الخلْقِ؛ لأنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ ذلِكَ، فَمَنْ قالَ ذلِكَ فإنَّنا نقولُ لهُ: أخْطَأْتَ؛ لأنَّ قولَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لا شكَّ أنَّهُ للتحذيرِ، ولهذا قالَ الصحابةُ: اليهودُ والنصارى؟

قالَ: فَمَنْ؟

ثُمَّ نقولُ لهمْ أيضًا:

إنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أخبرَ بأشياءَ ستَقَعُ، ومَعَ ذلِكَ أخبرَ بأنَّها حرامٌ بنصِّ القرآنِ.

فمِنْ ذلِكَ أنَّهُ أخبرَ أنَّ الرجلَ يُكْرِمُ زوجَتَهُ ويَعُقُّ أُمَّهُ، وأخبرَ أنَّ الإنسانَ يعْصِي أباهُ ويُدْنِي صديقَهُ، وهذا لَيْسَ بجائزٍ بنصِّ القرآنِ، لكنْ قصدَ التحذيرَ مِنْ هذا العملِ.

وَوُجِدَ في الأممِ السابقةِ مَنْ يقولُ للمؤمنينَ: إنَّ هؤلاءِ لضالُّونَ، وَوُجِدَ في هذه الأمَّةِ مَنْ يقولُ: هؤلاءِ رَجْعيُّونَ.

فالمعاصِي لها أصلٌ في الأممِ على حَسَبِ ما سَبَقَ، ولكنْ مَنْ وفَّقَهُ اللهُ للهدايةِ اهتدى.

والحاصلُ:

أنَّكَ لا تكادُ تجدُ معصيةً في هذه الأمَّةِ إلاَّ وَجَدْتَ لها أصلاً في الأممِ السابقةِ، ولا تجدُ معصيةً في الأممِ السابقةِ إلاَّ وَجَدْتَ لها وارثًا في هذه الأمَّةِ.

أمَّا مناسبةُ الحديثِ للبابِ:

فلأنَّهُ لمَّا عَبَدَت الأممُ السابقةُ الأصنامَ والأوثانَ،

فسيكونُ في هذه الأمَّةِ مَنْ يعْبُدُ الأصنامَ والأوثانَ.

قولُهُ:

(( حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ ) )حَذْوَ بمعنى محاذيًا، وهيَ منصوبةٌ على الحالِ مِنْ فاعلِ (( تَتَّبِعُنَّ ) )أيْ: حالَ كونِكُم مُحَاذِينَ لهم حَذْوَ القُذَّةِ بالقُذَّةِ.

والقُذَّةُ:

هيَ ريشةُ السهمِ، والسهمُ لهُ رِيَشٌ لا بُدَّ أنْ تكُونَ متساويةً تمامًا، وإلاَّ صارَ الرَّمْيُ بهِ مُخْتَلًّا.

قولُهُ:

(( حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ ) )هذِهِ الجملةُ تأكيدٌ مِنْهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ للمُتَابَعَةِ.

وجُحْرُ الضبِّ مِنْ أصغرِ الجحورِ، ولوْ دخَلُوا جُحْرَ أسدٍ مِنْ بابِ أَوْلى أنْ نَدْخُلَهُ، فالنبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ ذلِكَ على سبيلِ المبالغةِ، كقولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( مَنِ اقتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا طَوَّقَهُ اللهُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ ) )ومَنِ اقْتَطَعَ ذِراعًا فَمِنْ بابِ أَوْلَى.

قولُهُ: (قالُوا: اليهودُ والنَّصَارى؟)

يجوزُ فيها وجهانِ:

الأولُ:

نصبُ اليهودِ والنصارى

على أنَّهُ مفعولٌ لفعلٍ محذوفٍ ، تقديرُهُ: أتعني اليهودَ والنصارى؟

الثاني:

الرفعُ على أنَّهُ خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ تقديرُهُ: أهُم اليهودُ والنصارى؟ وعلى كلِّ تقديرٍ فالجملةُ إنشائيَّةٌ؛ لأنَّهمْ يسألونَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، فهيَ استفهاميَّةٌ، والاستفهامُ مِنْ بابِ الإنشاءِ.

واليهودُ: أتباعُ موسى عليهِ السلامُ، وسُمُّوا يهودًا نسبةً إلى يَهُوذَا مِنْ أحفادِ إسحاقَ؛ أوْ لأنَّهم هادوا إلى اللهِ، أيْ: رجَعُوا إليهِ بالتوبةِ مِنْ عبادةِ العِجْلِ.

والنصارى:

همْ أتباعُ عيسى عليهِ الصلاةُ والسلامُ، وسُمُّوا بذلكَ نسبةً إلى بَلْدَةٍ تُسمَّى النَّاصِرَةَ.

وقيلَ:

مِن النُّصْرةِ، كَمَا قالَ تعالى: { مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ } .

قولُهُ: (قالَ:(( فَمَنْ؟ ) )) مَنْ هُنا اسمُ استفهامٍ، والمرادُ بهِ التقريرُ، أيْ: فَمَنْ أعني غيرَ هؤلاءِ، أوْ فمَنْ هُم غيرُ هؤلاءِ؟

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام