فهرس الكتاب
الصفحة 14 من 93

وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أوْ أرَادَنِي بِرَحمَةٍ هلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيهِ يَتوكَّلُ المُتَوكِّلُونَ} [الزُّمَر:38] .

عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً فِي يَدِهِ حَلْقَةٌ مِنْ صُفْرٍ، فَقَالَ: (( مَا هَذِهِ؟ ) ).

قَالَ: مِنَ الْوَاهِنَةِ.فَقَالَ: (( انْزِعْهَا فَإِنَّهَا لاَ تَزِيدُكَ إِلاَّ وَهْنًا، فَإِنَّكَ لَوْ مُتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا ) )رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ لاَ بَأْسَ بِهِ.

وَلَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا: (( مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلاَ أَتَمَّ اللهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلاَ وَدَعَ اللهُ لَهُ ) ). وَفِي رِوَايَةٍ: (( مَنْ تَعَلَّق تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ ) ).

وَلاِبْنِ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلاً فِي يَدِهِ خَيْطٌ مِنَ الْحُمَّى، فَقَطَعَهُ وَتَلاَ قَوْلَهُ: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُون} [يوسف:106] .

فِيهِ مَسَائِلُ:

الأُولَى:التَّغْلِيظُ فِي لُبْسِ الْحَلْقَةِ وَالْخَيْطِ وَنَحْوِهِمَا لِمِثْلِ ذَلِكَ.

الثَّانِيَةُ:أَنَّ الصَّحَابِيَّ لَوْ مَاتَ وَهِيَ عَلَيْهِ مَا أَفْلَحَ، فِيهِ شَاهِدٌ لِكَلاَمِ الصَّحَابَةِ أَنَّ الشِّرْكَ الأَصْغَرَ أَكْبَرُ مِنَ الْكَبَائِرِ.

الثَّالِثَةُ:أَنَّهُ لَمْ يُعْذَرْ بِالْجَهَالَةِ.

الرَّابِعَةُ:أَنَّهَا لاَ تَنْفَعُ فِي الْعَاجِلَةِ، بَلْ تَضُرُّ لِقَوْلِهِ: (( لاَ تَزِيدُكَ إِلاَّ وَهْنًا ) ).

الْخَامِسَةُ:الإِنْكَارُ بِالتَّغْلِيظِ عَلَى مَنْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ.

السَّادِسَةُ:التَّصْرِيحُ بِأَنَّ مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ.

السَّابِعَةُ:التَّصْرِيحُ بِأَنَّ مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ.

الثَّامِنَةُ:أَنَّ تَعْلِيقَ الْخَيْطِ مِنَ الْحُمَّى مِنْ ذَلِكَ.

التَّاسِعَةُ:تِلاَوَةُ حُذَيْفَةَالآيَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ يَسْتَدِلُّونَ بِالآيَاتِ الَّتِي فِي الأَكْبَرِ عَلَى الأَصْغَرِ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ.

الْعَاشِرَةُ:أَنَّ تَعْلِيقَ الْوَدَعِ عَنِ الْعَيْنِ مِنْ ذَلِكَ.

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ:الدُّعَاءُ عَلَى مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً أَنَّ اللهَ لاَ يُتِمُّ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلاَ وَدَعَ اللهُ لَهُ، أَيْ: لاَ تَرَكَ اللهُ لَهُ.

(1) قولُهُ: (مِن الشِّركِ) (مِنْ) هنا للتَّبْعِيضِ، فهذا مِن الشِّركِ، وليسَ كلَّ الشِّركِ.و (الشِّركُ) اسمُ جِنْسٍ يَشْمَلُ الأصْغَرَ والأكبَرَ، ولُبْسُ هذهِ الأشياءِ قدْ يكونُ أصغرَ، وقدْ يكونُ أكبرَ، بِحَسَبِ اعْتِقَادِ لابِسِهَا.وكانَ لُبْسُ هذهِ الأشياءِ مِن الشركِ؛لأنَّ كُلَّ مَنْ أَثْبَتَ سَبَبًا لَم يَجْعَلْهُ اللهُ سَبَبًا شَرْعِيًّا ولا قَدَرِيًّا فَقَدْ أَشْرَكَ باللهِ.فقراءةُ الفاتِحَةِ سَبَبٌ للشِّفَاءِ شَرْعِيٌّ.وأكْلُ المُسَهِّلِ سبَبٌ لانْطِلاقِ البَطْنِ، وهو قَدَرِيٌّ؛ لأنَّهُ يُعْلَمُ بالتَّجَارِبِ.والناسُ في الأسبابِ طرفانِ ووَسَطٌ:

الأوَّلُ: مَنْ يُنْكِرُ الأسبابَ، وهمْ كلُّ مَنْ قالَ بِنَفْيِ حِكْمَةِ اللهِ، كالجبْرِيَّةِ والأَشْعَرِيَّةِ.

الثاني: مَنْ يَغْلُو في إثْباتِ الأسبابِ حتَّى يَجْعَلُوا ما ليسَ بسَبَبٍ سببًا،

وهؤلاءِ هُمْ عامَّةُ الخُرافِيِّينَ مِن الصُّوفِيَّةِ ونحْوِهِمْ.

الثالثُ: مَنْ يُؤْمِنُ بالأسبابِ وتأثيرَاتِها،ولكنَّهم لا يُثْبِتُونَ من الأسبابِ إلاَّ ما أَثْبَتَهُ اللهُ سبحانَهُ ورسُولُهُ، سواءٌ كانَ سَببًا شرعيًّا أوْ كونيًّا.ولا شكَّ أنَّ هؤلاءِ هم الذينَ آمَنُوا باللهِ إِيْمَانًا حقيقيًّا، وآمَنُوا بحِكْمَتِهِ، حيثُ رَبَطُوا الأسبابَ بمُسَبَّبَاتِها، والعِلَلَ بِمَعْلُولاتِها، وهذا مِنْ تَمَامِ الحِكْمَةِ.ولُبْسُ الحَلْقَةِ ونحْوِها إن اعْتَقَدَ لابِسُها أنَّها مُؤَثِّرَةٌ بنَفْسِها دونَ اللهِ فهوَ مشرِكٌ شِرْكًا أكبرَ في توحيدِ الرُّبُوبِيَّةِ؛ لأنَّهُ اعْتَقَدَ أنَّ معَ اللهِ خَالِقًا غيرَهُ. وإن اعْتَقَدَ أنَّها سببٌ ولكنَّهُ ليسَ مُؤَثِّرًا بنفسِهِ، فهوَ مُشْرِكٌ شِرْكًا أصْغَرَ؛ لأنَّهُ اعْتَقَدَ أنَّ ما ليسَ بسببٍ سببًا، فقدْ شارَكَ اللهَ تعالى في الحُكْمِ لهذا الشيءِ بأنَّهُ سبَبٌ، واللهُ تعالى لَمْ يَجْعَلْهُ سبَبًا. قال ابن تيميه: (لا يجوز أن يعتقد أن الشيء سبب إلا بعلم)

وطريقُ العلمِ بأنَّ الشيءَ سَبَبٌ:

إمَّا عنْ طريقِ الشرعِ: وذلكَ كقراءة القرآن وشرب فيهما شِفاءٌ للناسِ.

وإمَّا عنْ طريقِ القَدَرِ: كمَا إذا جَرَّبْنَا هذا الشيءَ فوجَدْنَاهُ نافِعًا في هذا الألمِ أو المرضِ، ولكنْ لا بُدَّ أنْ يكونَ أثرُهُ ظاهِرًا مباشِرًا، كما لو اكْتَوَى بالنارِ فبَرِئَ بذلكَ مثلاً، فَهَذا سَبَبٌ ظاهِرٌ بَيِّنٌ.وإنَّما قُلْنا هذا؛ لِئَلاَّ يقولَ قائِلٌ: (أنا جَرَّبْتُ هذا وانْتَفَعْتُ بِهِ) وهوَ لمْ يكُنْ مُبَاشِرًا كالْحَلْقَةِ، فقدْ يَلْبَسُها إنسانٌ وهوَ يَعْتَقِدُ أنَّها نافِعَةٌ فيَنْتَفِعُ؛ لأنَّ للانْفِعَالِ النَّفْسِيِّ أثرًا بَيِّنًا، فقدْ يَقْرَأُ إنْسَانٌ على مريضٍ فلا يَرْتَاحُ لهُ، ثُم يأْتِي آخَرُ يَعْتَقِدُ أنَّ قراءَتَهُ نافِعَةٌ، فَيَقْرَأُ عليهِ الآيةَ نفْسَها فيَرْتَاحُ لهُ، ويَشْعُرُ بِخِفَّةِ الأَلَمِ، كذلِكَ الذينَ يَلْبَسُونَ الْحِلَقَ ويَرْبِطُونَ الخُيوطَ قدْ يُحِسُّونَ بِخِفَّةِ الألمِ وانْدِفَاعِهِ وارتفاعِهِ، بِنَاءً على اعْتِقَادِهِم نَفْعَهَا.وخِفَّةُ الألمِ لِمَن اعْتَقَدَ نَفْعَ تلكَ الحَلْقَةِ مُجَرَّدُ شُعُورٍ نَفْسِيٍّ، والشعورُ النَّفْسِيُّ ليسَ طَرِيقًا شَرْعِيًّا لإثباتِ الأسبابِ، كمَا أنَّ الإلهامَ ليسَ طَرِيقًا للتشريعِ.

(2) قولُهُ: (لُبْسُ الحَلْقَةِ والخيْطِ) الحَلْقةُ: مِنْ حديدٍ، أوْ ذَهَبٍ، أوْ فِضَّةٍ، أوْ ما أشبهَ ذلكَ، والخيطُ: معروفٌ.

(3) قولُهُ: (ونَحْوِهِمَا) كالمُرَصَّعاتِ، وكمَنْ يَصْنَعُ شَكْلاً مُعَيَّنًا منْ نُحَاسٍ، أوْ غيرِهِ لدَفْعِ البلاءِ، أوْ يُعَلِّقُ على نفْسِهِ شيئًا مِنْ أجزاءِ الحيواناتِ، والناسُ كانوا يُعَلِّقونَ القِرَبَ الباليَةَ لِدَفْعِ العينِ، حتَّى إذا رآها الشخصُ نَفَرَتْ نفسُه فلا يَعِينُ.

(4) قولُهُ: (لِرَفعِ البلاءِ أوْ دَفعِهِ) والفرقُ بيْنَهُما: أنَّ الرَّفعَ بعدَ نزولِ البلاءِ، والدفعَ قَبْلَ نزولِ البلاءِ.

(5) قولُهُ: (أَفَرَأَيْتُمْ) أيْ: أخْبِرُوني، وهذا تفسيرٌ باللازمِ؛ لأنَّ مَنْ رأَى أَخْبَرَ، وإلاَّ فَهِيَ اسْتِفْهَامٌ عنْ رُؤْيَةٍ، قالَ تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} أيْ: أَخْبِرْني ما حالُ مَنْ كذَّبَ بالدينِ؟

(6) قولُهُ: {تَدْعُونَ} المرادُ بالدعاءِ: دعاءُ العبادةِ، ودعاءُ المسألةِ، فهمْ يَدْعُونَ هذهِ الأصنامَ دعاءَ عِبادةٍ، فيَتَعَبَّدُونَ لها بالنَّذْرِ والذَّبْحِ والرُّكوعِ والسجودِ، ودعاءَ مسْأَلةٍ أيضًا.فاللهُ سبحانَهُ إذا أرادَ بعَبْدِهِ ضُرًّا لا تستطيعُ أنْ تَكْشِفَهُ، وإنْ أرَادَهُ برحمةٍ لا تستطيعُ أنْ تُمْسِكَ الرحمةَ عنهُ، فهِي لا تَكْشِفُ الضُّرَّ، ولا تَمْنَعُ النفْعَ، فَلِمَاذَا تُعْبَدُ؟!

(7) قولُهُ: {كاشِفَاتُ} يشْمَلُ الدَّفْعَ والرَّفْعَ، فهيَ لا تَكْشِفُ الضُّرَّ بدَفْعِهِ وإبعادِهِ، ولا تَكْشِفُهُ برفعِهِ وإزالَتِهِ.قولُهُ: {قُلْ حَسْبِيَ اللهُ} أيْ: كافِينِي، والحَسْبُ الكفايةُ، ومِنهُ قولُهُ تعالى: {جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا} ، مِن الحَسْبِ، وهُوَ الكفايةُ.قولُهُ: {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} قدَّمَ الجارَّ والمجرورَ لإفادةِ الحصْرِ؛ لأنَّ تقديمَ ما حقُّهُ التأخيرُ يُفِيدُ الحصْرَ.

والمعنى:إنَّ المُتَوَكِّلَ حقيقةً هُوَ المُتَوَكِّلُ على اللهِ، أمَّا الذي يَتَوَكَّلُ على الأصنامِ والأولياءِ والأضْرِحَةِ فليسَ بِمُتَوَكِّلٍ.وهذا لا يُنَافي أنْ يُوَكِّلَ الإنسانُ إنسانًا في شيءٍ ويَعْتَمِدَ عليهِ؛لأنَّ هناكَ فَرْقًا بينَ التوكُّلِ على الإنسانِ الذي يفعلُ لكَ شيئًا بأمرِكَ، وبينَ تَوَكُّلِكَ على اللهِ؛ لأنَّ توَكُّلَكَ على اللهِ اعْتِقَادُكَ أنَّ بِيَدِهِ النفعَ والضُّرَّ، وأنَّكَ مُتَذَلِّلٌ مُعْتَمِدٌ عليهِ، مُفْتَقِرٌ إليهِ.والشاهِدُ مِنْ هذهِ الآيةِ: أنَّ هذهِ الأصنامَ لا تنْفَعُ أصحابَها،لا بِجَلْبِ نَفْعٍ ولا بِدَفْعِ ضُرٍّ، فليسَتْ أسبابًا لذلكَ، فيُقاسُ عليها كلُّ ما لَيْسَ بسَبَبٍ شَرْعِيٍّ أوْ قَدَرِيٍّ، فيُعْتَبَرُ اتِّخاذُهُ سببًا إشراكًا باللهِ.وهذا يدلُّ على حِذْقِ المُؤَلِّفِ رَحِمَهُ اللهُ وقُوَّةِ اسْتِنْباطِهِ، وإلاَّ فالآيةُ بلا شكٍّ في الشِّركِ الأكبرِ، الذي تُعْبَدُ فيهِ الأصنامُ، ولكنَّ القياسَ واضِحٌ جدًّا؛ لأنَّ هذهِ الأصنامَ ليسَت أسْبَابًا تَنْفَعُ، فيُقاسُ عليها كلُّ ما ليسَ بسببٍ،فيُعْتَبَرُ إِشراكًا باللهِ.وهُناكَ شاهِدٌ آخَرُ في قولِهِ: {حَسْبِيَ اللهُ} فإنَّ فيهِ تفويضَ الكفايةِ إلى اللهِ دونَ الأسبابِ الوهمِيَّةِ، وأمَّا الأسبابُ الحقيقيَّةُ فلا يُنَافِي تَعَاطِيها تَوَكُّلَ العبدِ على اللهِ تعالى وتفويضَ الأمرِ إليهِ؛ لأنَّها مِنْ عندِهِ.

(8) قولُهُ في حديثِ عِمْرَانَ: (رَأَى رَجُلاً) لمْ يُبَيِّن اسْمَهُ؛ لأنَّ المُهِمَّ بيانُ القضيَّةِ وحُكْمِهَا، لكنْ وردَ ما يدُلُّ على أنَّهُ عِمْرَانُ نفْسُهُ، لكنَّهُ أبْهَمَ نفْسَهُ.والحلْقَةُ والصُّفْرُ معروفانِ.

-وأمَّا الواهِنَةُ:فَوَجَعٌ في الذِّرَاعِ أوْ في العَضُدِ. قوله: (ما أَفْلَحْتَ) الفلاحُ: هوَ النجاةُ من المَرْهُوبِ وحُصُولُ المطلوبِ. وهذا الحديثُ مُنَاسِبٌ للبابِ مُنَاسَبَةً تامَّةً؛ لأنَّ هذا الرجلَ لَبِسَ حَلْقَةً مِنْ صُفْرٍ إمَّا لدَفْعِ البلاءِ أوْ لرَفْعِهِ. والظاهِرُ أنَّهُ لرَفْعِهِ؛ لقولِهِ: (( لاَ تَزِيدُكَ إِلاَّ وَهْنًا ) )والزيادةُ تَكونُ مَبْنِيَّةً على أَصْلٍ.وهذا الذي لَبِسَ الحَلْقَةَ مِن الوَاهِنَةِ لن تزيدُهُ إلاَّ وَهْنًا؛ لأنَّهُ سوْفَ يَعْتَقِدُ أنَّها ما دامَتْ عليهِ فهوَ سالِمٌ، فإذا نزَعَها عادَ عَليه الوَهْنُ، وهذا بِلا شكٍّ ضَعْفٌ في النفسِ، لأنَّ الأسبابَ التي لا أثرَ لها بِمُقْتَضَى الشَّرعِ أو العادةِ أو التَّجْرِبَةِ لا ينْتَفِعُ بها الإنسانُ.ولبْسَ الحَلْقَةِ وشِبهِهَا لدفعِ البلاءِ أوْ رفعِهِ مِن الشِّركِ؛ لقولِهِ: (( لَوْ مُتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أفْلَحْتَ أبدًا ) )وانتفاءُ الفلاحِ دليلٌ على الخَيْبَةِ والخُسْرانِ.ولكنْ هلْ هذا شِرْكٌ أكبرُ أوْ أصغرُ؟سبَقَ لنا عِندَ التَّرْجَمَةِ أنَّهُ يَخْتَلِفُ بحسَبِ اعْتِقَادِ صاحِبِهِ.

(9) قولُهُ: (مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً) أيْ: عَلِقَ بها قلبُهُ واعْتَمَدَ عليها في جلْبِ النفعِ ودفْعِ الضَّرَرِ، والتَّمِيمَةُ شيءٌ يُعَلَّقُ على الأولادِ منْ خَرَزٍ أوْ غيرِهِ يَتَّقُونَ بهِ العينَ. والتمائم كما قال ابن الأثير: (هي خرزات، كانت العرب تعلقها على أولادهم، يتقون بها العين في زعمهم) قولُهُ: (فَلاَ أَتَمَّ اللهُ لَهُ) الجملةُ خبريَّةٌ بمعْنَى الدعاءِ، ويَحْتَمِلُ أنْ تكونَ خَبَرِيَّةً مَحْضَةً. وكِلا الاحتماليْنِ دالٌّ على أنَّ التميمةَ مُحَرَّمَةٌ، سواءٌ نفَى الرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنْ يُتِمَّ اللهُ لهُ، أوْ دَعا بأنْ لا يُتِمَّ اللهُ لهُ، فإنْ كانَ الرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أرادَ بهِ الخبرَ فإنَّنا نُخْبِرُ بما أَخْبَرَ بهِ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وإلاَّ فإنَّنا نَدْعُو بِمَا دَعا بهِ الرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.

(10) قولُهُ: (ودَعَةً) واحِدَةُ الوَدَعِ، وهيَ أحْجَارٌ تُؤْخَذُ من البَحْرِ يُعَلِّقونَها لدفعِ العينِ، ويزعُمُونَ أنَّ الإنسانَ إذا علَّقَ هذهِ الوَدَعَةَ لم تُصِبْهُ العينُ، أوْ لا يُصِيبُهُ الجِنُّ. قال ابن الأثير: (هو شيء أبيض، يجلب من البحر، يعلق في حلوق الصبيان وغيرهم) .

وقال السهيلي: (أنها مشتقة من(ودعته) أي: تركته؛ لأن البحر ينضب عن تلك الخرزات ويدعها، فسميت ودعاً، من باب ما سمي بالمصدر)

قولُهُ: (لاَ وَدَعَ اللهُ لَهُ) أيْ: لا تَركَهُ اللهُ في دَعَةٍ وسُكونٍ، وضِدُّ الدَّعَةِ والسكونِ القَلَقُ والأَلَمُ.وقيلَ:لا تَركَ اللهُ لهُ خيرًا، فَعُومِلَ بنقيضِ قَصْدِهِ.

(11) قولُهُ: (مِن الحُمَّى) مِنْ هنا للسبَبِيَّةِ، أيْ: في يدِهِ خيطٌ لَبِسَهُ مِنْ أجلِ الحُمَّى لِتَبْرُدَ عليهِ، أوْ يَشْفَى مِنها.

(12) قولُهُ: (فَقَطَعَهُ) أيْ: قطَعَ الخيْطَ، وفِعْلُهُ هذا مِنْ تَغْيِيرِ المنكَرِ باليدِ، وهذا يدلُّ على غَيْرَةِ السلَفِ الصالحِ وقُوَّتِهِم في تغييرِ المنكَرِ باليدِ وغيرِها.

قال في (تيسير العزيز الحميد) ص161: قوله: (فقطعه) (فيه إنكار هذا، وإن كان يعتقد أنه سبب، فإن الأسباب لا يجوز منها إلا ما أباحه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، مع عدم الاعتماد عليه، فكيف مما هو شرك كالتمائم، والخيوط، والخرز، والطلاسم، ونحو ذلك مما يعلقه الجهال؟)

وفيه:إزالة المنكر باليد بغير إذن الفاعل، وإن كان يظن أن الفاعل يزيله

(13) قولُهُ: (وَتَلاَ قولَهُ تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} ) أيْ: وتلا حُذَيْفَةُ هذهِ الآيةَ، والمرادُ بها المشرِكونَ الذينَ يُؤْمِنُونَ بتوحيدِ الرُّبُوبِيَّةِ ويَكْفُرونَ بتوحيدِ الأُلُوهيَّةِ.وقولُهُ: {وَهُمْ يُشْرِكُونَ} في مَحَلِّ نَصْبٍ على الحالِ مِنْ (أكثرُ) أيْ: وهمْ مُتَلَبِّسونَ بالشِّركِ، وكلامُ حُذَيْفَةَ في رَجُلٍ مسلِمٍ لَبِسَ خَيْطًا لتبريدِ الحُمَّى أو الشفاءِ منها.وفيهِ دليلٌ على أنَّ الإنسانَ قدْ يَجْتَمِعُ فيهِ إيمانٌ وشِركٌ، ولكن ليْس شِركًا أكبرَ؛ لأنَّ الشِّركَ الأكبرَ لا يَجْتَمِعُ معَ الإيمانِ، ولكِنَّ المرادَ الشركُ الأصغرُ، وهذا أمرٌ معلومٌ.

(14) قولُهُ: فيهِ مسائِلُ:

الأولى: (التغليظُ في لُبْسِ الحلْقةِ والخيطِ ونحوِهِما لمثلِ ذلكَ)

لقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (( انْزِعْهَا؛ فَإِنَّهَا لاَ تَزِيدُكَ إِلاَّ وَهْنًا، فَإِنَّكَ لَوْ مُتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا ) )وهذا تغليظٌ عظيمٌ في لُبْسِ هذهِ الأشياءِ والتعلُّقِ بها.

(15) الثانيةُ: (أنَّ الصحابيَّ لوْ ماتَ وهيَ عليهِ ما أفلَحَ) هذا وهوَ صحابيٌّ، فكيفَ بمَنْ دُونَ الصحابيِّ؟! فهوَ أبعدُ عن الفلاحِ.

قالَ المُؤَلِّفُ: (فيهِ شاهِدٌ لكلامِ الصحابةِ: أنَّ الشِّركَ الأصغرَ أكبرُ مِن الكبائرِ) .

قولُهُ: (لكلامِ الصحابةِ) أيْ لقولِهِم، وهوَ كذلِكَ، فالشِّركُ الأصغرُ أكبرُ مِن الكبائِرِ، قالَ ابنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ: (لأََنْ أَحْلِفَ باللهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادقًا) وذلكَ لأنَّ سيِّئَةَ الشِّركِ أعظمُ مِنْ سيِّئَةِ الكبيرةِ؛ لأنَّ الشِّركَ لا يُغْفَرُ ولوْ كانَ أَصْغَرَ، بخلافِ الكبائرِ فإنَّها تحتَ المَشِيئَةِ.

(16) الثالثةُ: (أنَّهُ لم يُعْذَرْ بالجَهَالَةِ) هذا فيهِ نَظَرٌ؛ لأنَّ قولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (( لَوْ مُتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا ) )ليسَ بصريحٍ أنَّهُ لوْ ماتَ قبْلَ العِلْمِ.

بلْ ظاهِرُهُ: (( لَوْ مُتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ مَا أفْلَحْتَ أَبَدًا ) )أيْ: بَعدَ أنْ عَلِمْتَ وأُمِرْتَ بنَزْعِها.

وهذهِ المسألةُ فيها شيءٌ من النظرِ، فنقولُ: الجهلُ نوعانِ:

-جهلٌ يُعْذَرُ فيهِ الإنسانُ.

-وجَهْلٌ لا يُعْذَرُ فيهِ.

فما كانَ ناشِئًا عَن تفريطٍ وإهمالٍ معَ قيامِ المُقْتَضِي للتعلُّمِ فإنَّهُ لا يُعْذَرُ فيهِ، سواءٌ في الكفرِ أوْ في المعاصي.

وما كانَ ناشِئًا عنْ خلافِ ذلكَ، أيْ: أنَّهُ لم يُهْمِلْ ولم يُفَرِّطْ ولم يَقُم المُقْتَضِي للتعلُّمِ، بأنْ كانَ لم يَطْرَأْ على بالِهِ أنَّ هذا الشيءَ حرامٌ، فإنَّهُ يُعْذَرُ فيهِ، فإنْ كانَ مُنْتَسِبًا إلى الإسلامِ لم يَضُرَّهُ، وإن كانَ منْتَسِبًا إلى الكفرِ فهوَ كافِرٌ في الدُّنيا، لكنْ في الآخِرةِ أمْرُهُ إلى اللهِ، وعلى القولِ الراجِحِ يُمْتَحَنُ، فإنْ أطاعَ دخَلَ الجنَّةَ، وإنْ عَصَى دخَلَ النَّارَ.فمَنْ نشَأَ بباديةٍ بعيدةٍ ليسَ عندَهُ علماءُ، ولمْ يَخْطُرْ ببالِهِ أنَّ هذا الشيءَ حرامٌ، أوْ أنَّ هذا الشيءَ واجِبٌ، فهذا يُعْذَرُ، كمنْ بلَغَ وهوَ صغيرٌ، في باديةٍ ليسَ عندَهُ عَالِمٌ، ويظُنُّ أنَّ الإنسانَ لا تَجِبُ عليهِ العباداتُ إلاَّ إذا بلَغَ خَمْسَ عشْرةَ سنةً، فبقِيَ بعدَ بُلُوغِهِ حتَّى تَمَّ لهُ خمسَ عشرةَ سنةً وهوَ لا يصومُ ولا يُصَلِّي ولا يتَطَهَّرُ مِنْ جَنَابَةٍ، فهذا لا نأْمُرُهُ بالقضاءِ؛ لأنَّهُ معذورٌ بِجَهْلِهِ الذي لَم يُفَرِّطْ فيهِ بالتعلُّمِ، ولم يطْرَأْ لهُ على بالٍ.

وأمَّا الساكِنِ في المدنِ ممَّنْ يستطيعُ أنْ يسألَ، لكنْ عِندَهُ تهاونٌ وغَفْلَةٌ، فهذا لا يُعْذَرُ؛لأنَّ الغالِبَ في المُدُنِ أنَّ هذهِ الأحكامَ لا تَخْفَى عليهِ، ويُوجَدُ فيها علماءُ يستطيعُ أنْ يَسْألَهُم بكلِّ سُهُولَةٍ، فهوَ مُفَرِّطٌ، فيلزمُهُ القضاءُ ولا يُعْذَرُ بالجَهْلِ.

(17) الرابعةُ: (أنَّها لا تَنْفَعُ في العاجِلَةِ بلْ تَضُرُّ؛ لقولِهِ:(( لاَ تَزِيدُكَ إِلاَّ وَهْنًا ) )) والمُؤَلِّفُ اسْتَنْبَطَ المسألةَ وأَتَى بِوَجْهِ اسْتِنْبَاطِها.

(18) الخامسةُ: (الإنكارُ بالتغليظِ على مَنْ فَعَلَ مثلَ ذلكَ) أيْ: يَنْبَغِي أنْ يُنْكِرَ إنْكارًا مُغَلَّظًا على مَنْ فعلَ مِثْلَ هذا، ووجهُ ذلكَ: سياقُ الحديثِ الذي أشارَ إليهِ المُؤَلِّفُ، وأيضًا قولُهُ: (( مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلاَ أَتَمَّ اللهُ لهُ ) ).

(19) السادسةُ: (التصريحُ بأنَّ مَنْ تَعَلَّقَ شيئًا وُكِلَ إِليهِ) تُؤخذُ مِنْ قولِهِ: (( مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمةً فَلاَ أَتَمَّ اللهُ لَهُ ) )إذا جَعَلْنَا الجملةَ خَبَرِيَّةً، وأنَّ مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فإنَّ اللهَ لا يُتِمُّ لهُ، فيكونُ مَوْكولاً إلى هذهِ التميمةِ، ومَنْ وُكِلَ إلى مخلوقٍ فقدْ خُذِلَ، ولكنَّها في البابِ الذي بعدَهُ صَرِيحَةٌ: (( مَنْ تَعلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ ) ).

(20) السابعةُ: (التصريحُ بأنَّ مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فقدْ أشركَ) وهو إِحْدَى الروايتيْنِ في حديثِ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ.

(21) الثامنةُ: (أنَّ تَعليقَ الخيطِ مِن الحُمَّى مِنْ ذلكَ) يُؤْخَذُ مِنْ فِعْلِ حُذَيْفَةَ أنَّهُ رأَى رجلاً في يدِهِ خَيْطٌ مِن الْحُمَّى فَقَطَعَهُ، وتَلا قولَهُ تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} .

(22) التاسعةُ: (تلاوةُ حُذَيْفَةَ الآيةَ دَليلٌ على أنَّ الصحابةَ يَسْتَدِلُّونَ بالآياتِ التي في الشِّركِ الأكبرِ على الأصغرِ، كما ذَكَرَ ابنُ عبَّاسٍ في آيةِ البَقَرَةِ) أيْ: أنَّ قولَهُ تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُم مُشْرِكُونَ} في الشركِ الأكبرِ، لكنَّهمْ يستدلُّونَ بالآياتِ الواردةِ في الشِّركِ الأكبرِ على الأصغرِ؛ لأنَّ الأَصْغَرَ شِرْكٌ في الحقيقةِ وإنْ كانَ لا يُخْرِجُ مِن الملَّةِ، ولهذا نقولُ: الشركُ نوعانِ: أصغرُ وأكبرُ.

وقولُهُ: (كمَا ذَكَرَ ابنُ عبَّاسٍ في آيةِ البقرَةِ) هيَ قولُهُ تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ...} الآيةَ. فجَعَلَ المحبَّةَ التي تكونُ كمحبَّةِ اللهِ بمنزلة اتِّخاذِ النِّدِّ للهِ عزَّ وجلَّ.

(23) العاشرةُ: (أنَّ تعليقَ الوَدَعِ من العيْنِ مِنْ ذلكَ) أيْ: مِنْ تعليقِ التَّمَائِمِ الشِّرْكِيَّةِ؛ لأنَّهُ لا أثرَ لها ثابِتٌ شرْعًا ولا قَدَرًا.

(24) الحاديةَ عشرةَ: (الدعاءُ على مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً أنَّ اللهَ لا يُتِمُّ لهُ، ومَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فلا وَدَعَ اللهُ لهُ) تُؤْخَذُ منْ دعاءِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ على هؤلاءِ الذينَ اتَّخَذُوا تَمائِمَ وَوَدَعًا.ولكنَّ الحديثَ إنَّما قالَهُ الرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ على سبيلِ العُمُومِ، فلا نُخَاطِبُ هذا بالتصريحِ ونقولُ لشخصٍ رأَيْنا عليهِ تَمِيمَةً: لا أتَمَّ اللهُ لكَ؛ وذلكَ لأنَّ مُخَاطَبَتَنَا الفاعِلَ بالتصريحِ والتَّعْيِينِ سوفَ يكونُ سببًا لنُفُورِهِ، ولكنْ نقولُ: دع التمَائِمَ أو الوَدَعَ؛ فإنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: (( مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلاَ أَتَمَّ اللهُ لَهُ، وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلاَ وَدَعَ اللهُ لَهُ ) ).

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام