فهرس الكتاب
الصفحة 78 من 93

بابٌ لا يُقالُ: السَّلامُ عَلَى اللهِ

فِي (الصَّحيحِ) عَنِ ابنِ مسْعودٍ رضي الله عنه قال: كُنَّا إِذا كُنّا مَعَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في الصَّلاةِ قُلْنا: السَّلامُ عَلى اللهِ مِنْ عِبادِه، السَّلام على فُلانٍ وفلانٍ، فَقالَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: (( لا تَقُولوا السَّلامُ عَلى اللهِ فإنَّ اللهَ هُوَ السَّلامُ ) ).

فيهِ مسائل:

الأولى:

تَفسيرُ السَّلامِ.

الثَّانِيةُ:

أنّهُ تحِيَّةٌ.

الثَّالِثَةُ:

أنَّها لا تَصْلُحُ للهِ.

الرّابعةُ:

العِلَّةُ في ذلِكَ.

الخامِسَةُ:

تَعليمُهُم التَّحِيَّةَ الّتي تصْلُحُ للهِ.

هذهِ التَّرجمةُ أتَى بها المُؤَلِّفُ بصيغةِ النَّفي،

وهوَ مُحْتَمِلٌ للكراهةِ والتَّحريمِ، لكنَّ استدلالَهُ بالحديثِ يَقْتَضِي أنَّهُ للتَّحريمِ. وهوَ كذلكَ.

والسَّلامُ

لهُ عِدَّةُ معانٍ:

الأول: التَّحيَّةُ، كما يُقالُ: سَلَّمَ على فلانٍ؛ أيْ: حيَّاهُ بالسَّلامِ.

الثاني: السَّلامةُ من النَّقصِ والآفاتِ، كقَوْلِنَا: (السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ) .

الثالث: أنه اسمٌ منْ أسماءِ اللهِ تعالى، قالَ تعالى: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ} .

قولُهُ: (لا يُقالُ: السَّلامُ عَلَى اللهِ) أيْ: لا تَقُل: السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَبِّ؛ لأِمرين:

الأول: أنَّ مثلَ هذا الدُّعَاءِ يُوهِمُ النَّقصَ في حقِّهِ،

فَتَدْعُو اللهَ أنْ يُسَلِّمَ نفسَهُ منْ ذلكَ؛ إذْ لا يُدْعَى لشيءٍ بالسَّلامِ منْ شيءٍ إلاَّ إذا كانَ قابلاً أنْ يَتَّصِفَ بهِ، واللهُ سبحانَهُ مُنَزَّهٌ عنْ صِفاتِ النَّقصِ.

الثاني: أنك إذا دَعَوْتَ اللهَ أنْ يُسَلِّمَ نفسَهُ فقدْ خالفْتَ الحقيقةَ؛

لأنَّ اللهَ يُدَعَى ولا يُدْعَى لهُ، فهوَ غَنِيٌّ عنَّا، لكنْ يُثْنَى عليهِ بصفاتِ الكمالِ، مثلِ: غَفُورٍ، سميعٍ، عليمٍ....

ومُنَاسَبَةُ البابِ لتوحيدِ الصِّفَاتِ ظاهرةٌ:

لأنَّ صفاتِهِ عُلْيَا كَامِلَةٌ، كما أنَّ أسماءَهُ حُسْنَى.

-والدَّليلُ على أنَّ صفاتِهِ عُلْيَا قولُهُ تعالى: {لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} .

-وقولُهُ تعالى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} والمَثَلُ الأعلى: الوَصْفُ الأَكْمَلُ.

فإذا قُلْنَا: (السَّلامُ على اللهِ) أَوْهَمَ ذلكَ أنَّ اللهَ سبحانَهُ قدْ يَلْحَقُهُ النَّقصُ، وهذا يُنافِي كمالَ صفاتِهِ.

ومناسبةُ هذا البابِ لِمَا قبلَهُ ظاهرةٌ:

لأنَّ موضوعَ البابِ الَّذي قبلَهُ إثباتُ الأسماءِ الحسنى للهِ المتضمِّنَةِ لصفاتِهِ.

وموضوعُ هذا البابِ:

سلامةُ صفاتِهِ منْ كلِّ نقصٍ، وهذا يتضمَّنُ كمالَهَا، ولا يَتِمُّ الكمالُ؛ إلاَّ بإثباتِ صفاتِ الكمالِ ونفيِ ما يُضَادُّهَا، والرَّبُّ سبحانَهُ وتعالى يَتَّصِفُ بصفاتِ الكمالِ، ولكنَّهُ إذا ذُكِرَ ما يُضادُّ تلكَ الصِّفةَ صارَ ذلكَ أكملَ.

ولهذا أَعْقَبَ المؤلِّفُ يَرْحمُهُ اللهُ البابَ السَّابقَ بهذا البابِ؛ إشارةً إلى أنَّ الأسماءَ الحسْنَى والصِّفاتِ العُلَى لا يَلْحَقُهَا نقصٌ.

والسَّلامُ: اسمٌ ثُبُوتِيٌّ سَلْبِيٌّ.

فَسَلْبِيٌّ: أيْ: أنَّهُ يُرادُ بهِ نفيُ كلِّ نقصٍ، أوْ عَيْبٍ يَتَصَوَّرُهُ الذِّهنُ، أوْ يَتَخَيَّلُهُ العقلُ؛ فلا يَلْحَقُهُ نقصٌ في:

-ذاتِهِ.

-أوْ صفاتِهِ.

-أوْ أفعالِهِ.

-أوْ أحكامِهِ.

وثُبُوتِيٌّ: أيْ يُرَادُ بهِ ثبوتُ هذا الاسمِ لهُ والصِّفَةِ الَّتي تضَمَّنَهَا، وهيَ السَّلامةُ.

قولُهُ: (فِي الصَّحيحِ) هذا أعمُّ مِنْ أنْ يكونَ ثابتًا في (الصَّحيحَيْنِ) أوْ أحدِهِمَا، أوْ غيرِهِمَا.

قولُهُ: (كُنَّا إِذا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ في الصَّلاةِ) الغالبُ أنَّ المَعِيَّةَ معَ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ في الصَّلاةِ لا تكونُ إلاَّ في الفرائضِ؛ لأنَّها هيَ الَّتي يُشْرَعُ لها صلاةُ الجماعةِ، ومشروعيَّةُ صلاةِ الجماعةِ في غيرِ الفرائضِ قليلةٌ؛ كالاستسقاءِ.

قولُهُ: (قُلْنا: السَّلامُ عَلى اللهِ مِنْ عِبادِهِ) أيْ: يَطْلُبونَ السَّلامةَ للهِ مِن الآفاتِ، يَسْأَلونَ اللهَ أنْ يُسَلِّمَ نفسَهُ من الآفاتِ، أوْ أنَّ اسمَ السَّلامِ على اللهِ منْ عبادِهِ؛ لأنَّ قولَ الإنسانِ: (السَّلامُ عليكُمْ) لهُ معنيانِ:

أحدهما: اسمُ السَّلامِ عليكَ؛ أيْ: عليكَ بَرَكَاتُهُ باسمِهِ.

والآخر:

السَّلامةُ من اللهِ عليكَ، فهوَ سلامٌ بمعنى تسليمٍ، ككلامٍ بمعنى تكليمٍ.

قولُهُ: (السَّلامُ على فُلانٍ وفلانٍ) أيْ: جبريلَ وميكائيلَ.

وكلمةُ فلانٍ يُكَنَّى بها عن الشَّخصِ، وهيَ مصروفةٌ؛ لأنَّهَا ليْسَتْ عَلَمًا ولا صفةً، كصَفْوَانٍ في قولِهِ تعالى: {كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ} .

وقدْ جاءَ في لفظٍ آخَرَ: (السَّلامُ عَلَى جِبريلَ وَمِيكَالَ) كانُوا يقولونَ هكذا في السَّلامِ، فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسلَّمَ: (( لاَ تَقُولُوا: السَّلاَمُ عَلَى اللهِ؛ فَإِنَّ اللهَ هُوَ السَّلاَمُ ) ).

وهذا نهيُ تحريمٍ، والسَّلامُ لا يحتاجُ إلى سلامٍ، إذ هوَ نفسُهُ عزَّ وجلَّ سلامٌ سالمٌ منْ كلِّ نقصٍ، ومنْ كلِّ عيبٍ.

فيهِ مسائلُ:

الأولى:

(تَفسيرُ السَّلامِ)

فبالنِّسبةِ لكونِهِ اسمًا منْ أسماءِ اللهِ معناهُ: السَّالمُ منْ كلِّ نقصٍ وعيبٍ.

وبالنِّسْبَةِ لكونِهِ تَحِيَّةً لهُ معنَيَانِ:

الأوَّلُ: تقديرُ مضافٍ؛

أي: اسمُ السَّلامِ عليكَ؛ أي: اسمُ اللهِ الَّذي هوَ السَّلامُ عليكَ.

الثَّاني: أنَّ السَّلامَ بمعنى التَّسليمِ،

اسمُ مصدرٍ كالكلامِ بمعنى التَّكليمِ؛ أيْ: تُخْبِرُ خبرًا يُرادُ بهِ الدُّعَاءُ أنَّ السَّلامَ على فلانٍ، ولكنَّهُ خبرٌ لفظًا، إنشاءٌ معنًى؛ أيْ: أَسْأَلُ اللهَ أنْ يُسَلِّمَكَ تسليمًا.

الثَّانِيَةُ: (أنَّهُ تحِيَّةٌ) وسبقَ ذلكَ.

الثَّالِثَةُ: (أنَّها لا تَصْلُحُ للهِ) وإذا كانَتْ لا تَصْلُحُ لهُ كانَتْ حَرَامًا.

الرَّابعةُ: (العِلَّةُ في ذلِكَ) أنَّ اللهَ هوَ السَّلامُ، وقدْ سبقَ بيانُهَا.

الخامِسَةُ: (تَعليمُهُم التَّحِيَّةَ التي تصْلُحُ للهِ)

وتُؤْخَذُ منْ تكملةِ الحديثِ: (( التَّحِيَّاتُ للهِ... ) ).

ويُستفادُ من الحديثِ:

أنَّهُ لا يَجُوزُ الإقرارُ على المحرَّمِ؛ لقولِهِ: (( لاَ تَقُولُوا: السَّلاَمُ عَلَى اللهِ ) )وهذا واجبٌ على كلِّ مسلمٍ.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام