فهرس الكتاب
الصفحة 2 من 93

كتاب التوحيد وقول الله تعالى:(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)

بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِيْمِ

الْحَمْدُ للهِ، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

كِتَابُ التَّوْحِيدِ

وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {وما خَلَقْتُ الجنَّ وَالإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدونِ} [الذَّارِيَات: 56] .

وَقَوْلُهُ: {ولقدْ بَعَثْنا فِي كلِّ أمَّةٍ رَّسولاً أنِ اعبدُوا اللهَ واجتَنِبُوا الطَّاغوتَ} [النَّحْل: 36] .

-وَقَوْلُهُ: {وَقَضَى رَبُّكَ ألاَّ تَعبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ وبالوالدَيْنِ إحْسَانًا إمَّا يَبْلُغَنَّ عندَكَ الكِبَرَ أحَدُهُمَا أوكِلاهُمَا فلا تَقُلْ لهما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وقُل لهما قولاً كَرِيمًا (23) واخْفِضْ لهما جَنَاحَ الذُّلِّ مِن الرَّحمَةِ وقُل رَّبِّ ارْحَمْهُما كَمَا رَبَّيَاني صَغِيرًا} [الإِسْرَاء:23-24] .

-وَقَوْلُهُ: {واعبُدوا اللهَ ولا تُشْرِكوا بِهِ شَيْئًا} [النِّسَاء:36] .

-وَقَوْلُهُ: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ ما حرَّم رَبُّكم عليكم ألاَّ تُشرِكوا بهِ شَيْئًا وبالوَالِدينِ إحسَانًا ولا تقتلُوا أولادَكُمْ مِنْ إمْلاقٍ نحنُ نَرْزُقُكُمْ وإيَّاهُم وَلا تَقْرَبُوا الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنها ومَا بَطَنَ وَلا تقتلُوا النَّفسَ الَّتِي حَرَّم اللهُ إلاَّ بالحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُم بهِ لَعَلَّكُمْ تَعقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إلاَّ بِالَّتي هِيَ أحسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أشُدَّهُ وَأوفُوا الكَيلَ وَالمِيزَانَ بِالقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَها وإذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَو كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعهدِ الله أَوفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُستَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأَنْعَام:151-153] .

-قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: (( مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى وَصِيَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّتِي عَلَيْهَا خَاتَمُهُ فَلْيَقْرَأْ قَوْلَهُ تَعَالَى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ ما حرَّم رَبُّكم عليكم ألاَّ تُشرِكوا بهِ شَيْئًا (إِلَى قَوْلِه:(وأَنَّ هذا صِراطي مُستَقيمًا} الآيَةَ ) ).

-وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حِمَارٍ فَقَالَ لِي:(( يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟ ) )، قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: (( حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَ مَنْ لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ) )، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلاَ أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: (( لاَ تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ) )أَخْرَجَاهُ فِي (الصَّحِيحَيْنِ) .

فِيهِ مَسَائِلُ:

الأُولَى: الْحِكْمَةُ فِي خَلْقِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ.

الثَّانِيةُ:أَنَّ الْعِبَادَةَ هِيَ التَّوْحِيدُ؛ لأَِنَّ الْخُصُومَةَ فِيهِ.

الثَّالِثَةُ: أَنَّ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ لَمْ يَعْبُدِ اللهَ، فَفِيهِ مَعْنَى قَوْلِهِ: {وَلاَ أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} .

الرَّابِعَةُ: الْحِكْمَةُ فِي إِرْسَالِ الرُّسُلِ.

الْخَامِسَةُ:أَنَّ الرِّسَالَةَ عَمَّتْ كُلَّ أُمَّةٍ.

السَّادِسَةُ:أَنَّ دِينَ الأَنْبِيَاءِ وَاحِدٌ.

السَّابِعَةُ:الْمَسْأَلَةُ الْكَبِيرَةُ: أَنَّ عِبَادَةَ اللهِ لاَ تَحْصُلُ إِلاَّ بِالْكُفْرِ بِالطَّاغُوتِ، فَفِيهِ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَمَن يَكْفُرْ بالطَّاغوت ويؤمن بالله} الآيَةَ.

الثَّامِنَةُ:أَنَّ الطَّاغُوتَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللهِ.

التَّاسِعَةُ:عِظَمُ شَأْنِ ثَلاَثِ الآيَاتِ الْمُحْكَمَاتِ فِي سُورَةِ الأَنْعَامِ عِنْدَ السَّلَفِ،وَفِيهَا عَشْرُ مَسَائِلَ: أَوَّلُهَا النَّهْيُ عَنِ الشِّرْكِ.

الْعَاشِرَةُ:الآيَاتُ الْمُحْكَمَاتُ فِي سُورَةِ الإِسْرَاءِ وَفِيهَا ثَمَانِيَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً بَدَأَهَا اللهُ بِقَوْلِهِ: {لا تجعلْ معَ الله إلهًا آخرَ فتقعدَ مذمومًا مخذولاً} ، وَخَتَمَهَا بِقَوْلِهِ: {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} .

وَنَبَّهَنَا اللهُ سُبْحَانَهُ عَلَى عِظَمِ شَأْنِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِقَوْلِهِ: {ذلكَ مما أوحَى إليكَ ربُّكَ مِنَ الحِكْمَةِ} .

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ:آيَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ الَّتِي تُسَمَّى آيَةَ الْحُقُوقِ الْعَشَرَةِ بَدَأَهَا اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ: {وَاعْبُدُوا اللهَ ولاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} .

الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ:التَّنْبِيهُ عَلَى وَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ مَوْتِهِ.

الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ:مَعْرِفَةُ حَقِّ اللهِ تَعَالَى عَلَيْنَا.

الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ:مَعْرِفَةُ حَقِّ الْعِبَادِ عَلَيْهِ إِذَا أَدَّوْا حَقَّهُ.

الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ:أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لاَ يَعْرِفُهَا أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ.

السَّادِسَةَ عَشْرَةَ:جَوَازُ كِتْمَانِ الْعِلْمِ لِلْمَصْلَحَةِ.

السَّابِعَةَ عَشْرَةَ:اسْتِحْبَابُ بَشَارَةِ الْمُسْلِمِ بِمَا يَسُرُّهُ.

الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ:الْخَوْفُ مِنَ الاِتِّكَالِ عَلَى سَعَةِ رَحْمَةِ اللهِ.

التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ:قَوْلُ الْمَسْئُولِ عَمَّا لاَ يَعْلَمُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

الْعِشْرُونَ:جَوَازُ تَخْصِيصِ بَعْضِ النَّاسِ بِالْعِلْمِ دُونَ الْبَعْضِ.

الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ:تَوَاضُعُهُ صلى الله عليه وسلم لِرُكُوبِ الْحِمَارِ مَعَ الإِرْدَافِ عَلَيْهِ.

الثَّانِيةُ وَالْعِشْرُونَ:جَوَازُ الإِرْدَافِ عَلَى الدَّابَّةِ.

الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ:فَضِيلَةُمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ.

الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ:عِظَمُ شَأْنِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

* لَم يُذْكَرْ في النُّسخِ التي بأيدينا خطبةٌ للكتابِ فإمَّا أنْ تكونَ قدْ سقَطَتْ من النُّسَّاخِ، وإما أنْ يكونَ المؤلِّفُ قد اكْتَفَى بالترجمةِ؛ لأنَّها عُنْوَانٌ على موضوعِ الكتابِ، وهوَ التَّوْحِيدُ.

والكتابُ بمعنى مكتوبٍ وهو (المجموع) منْ قولِهم: كَتِيبةٌ، وهيَ المجموعةُ مِنَ الخيلِ.

أما التوحيدُ فهوَ في اللغةِ: مصدرُ وَحَّدَ الشيءَ إذا جعَلهُ واحدًا.

وفي الشرعِ:إفرادُ اللهِ - سبحانَه - بما يَخْتَصُّ بهِ مِنَ الرُّبوبِيَّةِ والأُلُوهِيَّةِ، والأسماءِ والصِّفاتِ.

واللفظ الدال على ما يختص به في لسان الشرع هو الحق كما سيأتي في حديث معاذ رضي الله عنه.

فالصحيح أن يقال في تعريف التوحيد شرعاً: هو إفراد الله بحقوقه، ومن هنا سمى المصنف -رحمه الله- كتابه: (كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد) .

وحقوق الله عز وجل ثلاثة:

-حق ربوبية.

-وحق ألوهية.

-وحق أسماء وصفات، وبرعايتها تميز تقسيم التوحيد. ا.هـ

فهو ينقسمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:

الأول: توحيدُ الربُوبِيَّةِ.

الثاني: توحيدُ الأُلوهيَّةِ.

الثالث: توحيدُ الأسماءِ والصفاتِ.

وقد اجْتَمَعت هذه الأقسام الثلاثة في قولِهِ تعالَى:

{رَبِّ السَّمَواتِ والأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} .

فأما القسمُ الأولُ وهو:

توحيدُ الرُّبوبيَّةِ: فهو إفرادُ الله - عَزَّ وجلَّ - بالخلْقِ، والْمُلْكِ، والتَّدبيرِ.

-وإفرادُهُ بالخَلْق: هو أنْ يَعْتَقِدَ الإنسانُ أنَّهُ لا خالقَ إلاَّ اللهُ، قالَ تعالَى: {أَلا لَهُ الخَلْقُ وَالأَمْرُ} فهذه الجملةُ تفيدُ الحصرَ، لتقديمِ الخبرِ؛ إِذ إنَّ تقديمَ ما حقُّهُ التأخيرُ يُفيدُ الحصرَ.

-وقالَ تعالَى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْض} وهذه الآيَةُ أيضاً تُفيدُ اختصَاصَ الخَلقِ بِاللهِ؛ لأنَّ الاستفهامَ فيها مُشْرَبٌ معنى التَّحَدِّي.

أمَّا ما ورَدَ منْ إثباتِ خالِقٍ غيرِ الله كقولِهِ تعالَى: {فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ} .

وكقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في المُصَوِّرِين أنه يقالُ لهم: (( أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ) )؛ فهذا لَيس خلقًا حقيقةً، ولا إيجادًا بعدَ عَدَمٍ، بلْ هوَ تحويلٌ للشيءِ مِنْ حالٍ إلى حالٍ، وأيضًا ليسَ شاملاً، بلْ هو محصورٌ بدائرة ضيقة فيما يتمكَّنُ الإنسانُ منهُ، فلا يُنافي قولَنا: إفرادُ اللهِ بالخلقِ.

-وأما إفرادُ اللهِ بالْمُلْكِ: فهو أنْ نعتقدَ أنَّهُ لا يَملكُ الخلقَ إلاَّ خالقُهم، كما قال تعالَى: {وَللهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} وقال تعالَى: {قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} .

-وأما ما ورَدَ مِنْ إثباتِ المِلكيَّةِ لغيرِ اللهِ كقولِهِ تعالَى: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} ، وقال تعالَى: {أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ} فهُوَ مُلْكٌ مَحدودٌ لا يَشْمَلُ إلاَّ شيئًا يَسيرًا مِنْ هذهِ المخلوقاتِ، فالإنسانُ يمَلِكُ ما تَحْتَ يَدِهِ، ولا يَمْلِكُ ما تَحتَ يدِ غيرِهِ، وكذا هُو مُلكٌ قاصرٌ مِنْ حيثُ الوصفُ، فالإنسانُ لا يَمْلِكُ ما عندَه تمامَ الملْكِ، ولهذا لا يَتَصرَّفُ فيهِ إلاَّ عَلَى حَسَبِ ما أُذِنَ لهُ فيهِ شَرْعًا؛ فلوْ أرادَ أنْ يُحْرِقَ مالَه، أوْ يُعذِّبَ حَيوانَه، قُلنا: لا يجوزُ، أمَّا اللهُ فَهو يَملِكُ ذلِكَ كُلَّه مُلكًا عَامًّا شامِلاً.

-وأمَّا إِفرادُ اللهِ بالتدبيرِ: فهُو أنْ يعتقدَ الإنسانُ أنَّهُ لا مُدَبِّرَ إلاَّ اللهُ وحدَه، كما قال تعالَى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّماءِ والأَرْضِ أمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ...} إلى قولِهِ: {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}

-وأمَّا تدبيرُ الإنسانِ فمحصورٌ بِما تحتَ يدِهِ، ولا يتصرف إلا بما أُذِن لَه فيهِ شَرْعًا.

وهذه الأمور الثلاثة:

-الخلق.

-والملك.

-والتدبير.

هي أصول توحيد الربوبية وإليها ترجع أفراد الأفعال الإلهية، فمن قال في تعريف توحيد الربوبية:

هو إفراد الله بأفعاله فقد جمع مع الوجازة الإصابة. ا.هـ

وهَذا القِسمُ مِنَ التوحيدِ لَم يُعَارِضْ فيهِ المشركون

الذينَ بُعِثَ فيهم الرسولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بلْ كانوا مُقرِّين بِهِ، قال تعالَى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ العَزِيزُ العَلِيمُ} .

فهُم يُقِرُّون بأنَّ اللهَ هُو الذي يُدبِّرُ الأمرَ،وهُو الذي بِيدِهِ ملكوتُ السماواتِ والأرضِ.

ولَم يُنكرْهُ أَحَدٌ معلومٌ مِنْ بني آدمَ، فَما قال أحَدٌ مِنَ المخْلوقينَ: إنَّ للعالَمِ خالِقَينِ متساوِيَيْن، ولا جحد أَحدٌ توحيدَ الربوبيَّةِ لا عَلى سبيلِ التَّعطيلِ، ولا عَلَى سبيلِ التَّشريكِ، إلاَّ:

أ-ما حَصَل مِنْ فِرعَوْنَ:

فإِنَّه أنكَرَه على سبيلِ التعطيلِ مُكابرةً، فإِنه عطَّل اللهَ مِنْ ربوبيتهِ، وأنكَر وجودَه، قالَ تعالَى حِكايَةً عنه: {فَقَالَ أَنا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} ، {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} وهَذا مُكابرةٌ منهُ؛ لأنهُ يَعْلَمُ أنَّ الرَّبَّ غيرُهُ، كما قال اللهُ تعالَى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} .

-وقالَ تعالَى حِكايَةً عَنْ مُوسى وَهو يُنَاظِرُهُ: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} ، فَهو في نفسِهِ مُقِرٌّ بأنَّ الرَّبَّ هُو اللهُ عزَّ وجلَّ.

ب- وإلا ما حصلَ من المجوسِ: فإنهم أنكروا توحيدَ الربوبيَّةِ على سبيلِ التَّشريكِ حيثُ قالوا: إنَّ للعالَمِ خَالِقَينِ هُما الظُّلْمَةُ والنُّورُ، ومَع ذلكَ لَمْ يَجْعَلُوا هَذين الخالِقَين مُتساويينِ، فَهم يقولونَ: إنَّ النُّورَ خيرٌ مِنَ الظُّلْمَةِ؛ لأنَّهُ يَخْلُقُ الخيرَ، والظُّلمةَ تَخْلُقُ الشَّرَّ، والذي يَخْلُقُ الخيرَ خيْرٌ مِنَ الذي يَخْلُقُ الشَّرَّ.

وأيضًا: فإنَّ الظُّلمةَ عدَمٌ لا يُضِيءُ، والنُّورَ وجودٌ يُضِيءُ، فهُو أكْمَلُ في ذاتِهِ، ويقولونَ -أيضًا- بفرقٍ ثالثٍ، وهوَ: أنَّ النورَ قديمٌ على اصطلاحِ الفلاسِفةِ.

واختلَفوا في الظُّلمَةِ هَل هِيَ قديمةٌ، أوْ مُحْدَثَةٌ؟

علَى قولَين:

-ودلالةُ العقلِ علَى أنَّ الخالِقَ للعالَمِ واحدٌ ظاهرة جليلة، ذكرها الله عز وجل في كتابه فقال:

{مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} .

-إذْ لَو أَثْبَتْنا أن للعالَمِ خالِقَين لكانَ كلُّ خالِقٍ يريدُ أنْ ينفردَ بِما خلَق، ويَسْتَقلَّ بهِ كعادةِ الملوكِ؛ إذْ لا يَرْضَى أنْ يُشارِكَهُ أحَدٌ، وإذا استقلَّ بهِ فإنَّهُ يريدُ - أيضًا - أنْ يكونَ السلطانُ لَه لا يُشارِكُهُ فيهِ أحدٌ، وحينئذٍ إذا أراد السلطانَ غيره فإما أنْ يَعْجِزَ كُلُّ واحدٍ منهما عَن الآخرِ، أوْ يُسَيْطِرَ أحدُهُما على الآخرِ، فإن سَيْطَرَ أحدُهما على الآخرِ ثبَتَت له الربوبيَّةُ دون الآخر، وإنْ عَجَز كلٌّ منهما عن الآخرِ زالَت الربوبيَّةُ عنهُما جَميعًا؛ لأنَّ العاجِزَ لا يَصلُحُ أنْ يكونَ رَبًّا.

أما القسمُ الثاني فهو:توحيدُ الأُلوهيَّةِ.

ويقالُ لهُ: توحيدُ العبادةِ أيضاً، فباعتبارِ إضافتِهِ إلى اللهِ يُسَمَّى: توحيدَ الألوهيَّةِ، وباعتبارِ إضافتِهِ إلى الخلْق يُسَمَّى توحيدَ العِبَادةِ.

وحقيقته: إفرادُ اللهِ - عزَّ وجلَّ - بالعبادةِ،

فالْمُستَحِقُّ للعبادةِ هُو اللهُ، قالَ تعالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ} .

قال الشيخ عبد الله أبا بطين رحمه الله كما في (الدرر السنِيَّة) (1/291) : (توحيد العبادة هو:إفراد الله سبحانه بأنواع العبادة، وهو نفس العبادة المطلوبة شرعاً، ليس أحدهما دون الآخر) .

-ولهذا قال ابن عباس: (كل ما ورد في القرآن من العبادة فمعناه: التوحيد) .

وهذا هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون.

-وأما العبادة من حيث هي؛ فهي أعم من كونها توحيداً عموماً مطلقاً، فكل موحد عابد لله، وليس كل من عبد الله يكون موحداً.

ولذا يقال عن المشرك: إنه يعبد الله؛مع كونه مشركاً، كما قال الخليل: {أفرأيتم ما كنتم تعبدون (75) أنتم وآباؤكم الأقدمون (76) فإنهم عدو لي إلا رب العالمين} [الشعراء:75-77] فاستثنى الخليل ربه من معبوداتهم، فدل على أنهم يعبدون الله).

والعبادة في لسان العرب: الخضوع والذل، ومنه قول طرفة في معلقته:

إلى أن تحامتني العشيرة كلها = وأفردت إفرادالبعير المعبد

وتُطلَقُ في الشرع علَى شَيئَيْنِ:

الأولُ: التعبُّدُ بِمعنى التذلُّلِ للهِ -عَزَّ وجلَّ- بفعلِ أوامرِهِ، واجْتنابِ نواهيهِ، مَحَبَّةً وتعظيمًا.

الثاني: المُتَعَبَّدُ بهِ، ومعناها -كما قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ رحِمه اللهُ-: (اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما يُحِبُّهُ اللهُ ويَرْضَاهُ، مِنَ الأقوالِ، والأعمالِ الظاهرةِ، والباطنةِ) .

مثالُ ذلكَ: الصلاةُ، ففعلُها عبادةٌ، وهوَ التعبُّدُ، ونَفسُ الصلاةِ عبادةٌ، وهُو المُتَعَبَّدُ بهِ.

فإفرادُ اللهِ بهذا التوحيدِ حقيقة هو: أنْ تكونَ عبدًا للهِ وحدَه تُفْرِدُهُ بالتذلُّلِ محبةً وتعظيمًا، وتَعْبُدُهُ بما شرَع:

-قالَ تعالَى: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً} .

-وقال تعالَى: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ} فَوصْفُهُ -سُبحانَه- بأنَّهُ ربُّ العَالمِين كالتعليلِ لثُبوتِ الألوهيَّةِ لهُ، فهوَ الإلهُ؛ لأنّه ربُّ العَالمين.

-وقال تعالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ، فالمنفردُ بالخلق هوَ المستحقُّ للعبادةِ؛ إذْ مِن السَّفَهِ أنْ تَجْعَلَ المخلوقَ الحادِثَ الآيِلَ للفَناءِ إلهًا تَعبُدُهُ، فَهو في الحقيقةِ لَن يَنْفَعَكَ لا بإيجادٍ ولا بإعدادٍ ولا بإمدادٍ، فمِنَ السَّفَهِ أنْ تأتيَ إلى قَبْر إنسانٍ صارَ رَميمًا تدعوهُ وتَعْبُدُهُ، وهوَ بحاجةٍ إلى دعائِكَ، وأنتَ لستَ بحاجةٍ إلى أنْ تدعُوَه، فهُوَ لا يَمْلِكُ لنفسِهِ نَفعًا ولا ضَرًّا فكيفَ يَمْلِكُهُ لغيرِهِ؟

وهذا القِسمُ كَفَرَ بهِ وجَحَدَه أكثرُ الخَلْقِ، ومِنْ أجلِ ذلكَ أرسلَ اللهُ الرسلَ، وأنزلَ عليهم الكتُبَ، قالَ اللهُ تعالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنا فَاعْبُدُونِ} .

-ومَعَ هذا فأتْباعُ الرُّسُلِ قِلةٌ قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: (( رأيْتُ النَّبيَّ ومَعهُ الرَّهْطُ، والنبيَّ ومَعَهُ الرَّجُلُ والرَّجُلانِ، والنَّبيَّ وَليْسَ مَعَه أَحَدٌ ) ).

ومِنَ العجَبِ أنَّ أكثرَ المُصَنِّفِين في عِلمِ التَّوحيدِ مِنَ المتأَخِّرين تعظم عنايتهم بتوحيدِ الربوبيَّةِ، وكَأنَّما يُخاطِبون أقوامًا يُنْكِرون وجودَ الرَّبِّ -وإنْ كانَ يوجدُ مَنْ يُنكِرُ الربَّ- لكنَّ أكثَرَ المسلمينَ واقعون في شِرْكِ العبادةِ.

ولهذا ينبغي أنْ يعتنى بهذا النوعِ مِنَ التوحيدِ، حَتى نُخْرِجَ إليهِ هؤلاء المسلمين الذينَ يقولون بأنَّهم مسلمونَ، وهُم مُشركون ولا يَعْلَمُون.

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله كما في (الدرر السنية) (2/125) :(توحيد الربوبية أقر به الكافر والمسلم.

-أمّا توحيد الألوهيّة فهو الفارق بين الكفر والإسلام، فينبغي لكل مسلم أن يميز بين هذا وهذا؛ لأنّ قولك: لا يخلق ولا يرزق إلا الله؛ لا يصيرك مسلماً، حتى تقول لا إله إلا الله، مع العمل بمعناها؛ فهذه الأسماء؛ كل واحد منها له معنى يخصه)

أما القسمُ الثالثُ فهو: توحيدُ الأسماءِ والصِّفاتِ.

وهُو إفرادُ اللهِ - عَزَّ وجلَّ - بِمَا لَهُ مِن الأسماءِ والصِّفاتِ،

وَهذا يَتَضَمَّنُ شيئينِ:

الأولُ: الإثباتُ،وذلكَ بأنْ نُثْبِتَ للهِ عزَّ وجلَّ جميعَ أسمائِهِ وصفاتِهِ التي أثْبَتَها لنفسِهِ في كتابهِ أوْ سنَّةِ نبيِّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم.

الثاني: نَفْيُ المماثلةِ،وذلكَ بأنْ لا نَجْعَلَ للهِ مَثيلاً في أسمائِهِ وصفاتِهِ، كما قال تعالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} .

فدلَّت هذهِ الآيَةُ على أنَّ جميعَ صفاتِهِ لا يُماثِلُهُ فيها أحدٌ مِنَ المخلوقينَ، فهيَ وإن اشتركتْ في أصلِ المعنى، لكنْ تَخْتَلِفُ في حقيقةِ الحالِ، فمَنْ لم يُثْبِتْ ما أثْبَتَه اللهُ لنفسِهِ فهوَ مُعَطِّلٌ، وتعطيلُهُ هذا يُشْبِهُ تعطيلَ فرعونَ.

ومَنْ أثْبتَها مَع التشبيهِ صارَ مُشابِهًا للمشركين الذينَ عَبَدوا مَع اللهِ غيرَه، ومَنْ أثبتَها بدونِ مُماثلةٍ صارَ مِنَ الموحِّدِين.

وهذا القسْمُ مِنَ التوحيدِ ضَلَّتْ فيهِ طوائف من بعضِ الأُمةِ الإسلاميَّةِ، وانقسَموا إلى فِرَقٍ كثيرة، فَمِنهم مَنْ سَلَكَ مَسلكَ التَّعطيلِ فعطَّلَ ونَفَى الصفاتِ زاعِمًا أنّه مُنَزّهٌ للهِ، وقدْ ضَلَّ؛ لأنَّ المُنَزِّهَ حقيقةً هُو الذي يَنْفِي عَنه صفاتِ النَّقصِ والعيبِ، ويُنَزِّهُ كلامَه مِنْ أنْ يكونَ تعْمِيَةً وتَضْليلاً، فإذا قال: بأنّ اللهَ ليسَ لَه سَمْعٌ، ولا بَصَرٌ، ولا عِلمٌ، ولا قُدْرةٌ، لم ينَزهِ اللهَ، بَلْ وصَمَه بِأعيَبِ العيوبِ، ووصَم كلامَه بالتعميَةِ والتضليلِ؛ لأنَّ اللهَ يُكَرِّرُ ذلكَ في كلامِهِ، ويُثْبِتُهُ فيقول: {سَمِيعٌ بَصيرٌ} ويقول: {عَزيزٌ حَكِيمٌ} ويقول: {غَفُورٌ رَّحِيمٌ} .

فإِذا أثبته في كلامِهِ وهُو خالٍ منهُ، كان في غايَةِ التَّعمِيَةِ والتضليلِ والقَدْحِ في كلامِ اللهِ عزَّ وجلَّ.

-ومِنهم مَنْ سَلَكَ مسلَكَ التمثيلِ زاعِمًا بأنّه محقِّقٌ لما وصَفَ اللهُ بهِ نفسَه، وقدْ ضلُّوا؛ لأنَّهم لَم يَقْدُروا اللهَ حقَّ قَدْرِهِ؛ إذ وصَمُوهُ بالعيبِ والنقصِ؛ حيث جَعلوا الكامِلَ مِنْ كلِّ وجهٍ كالناقِصِ مِنْ كلِّ وجهٍ.

وإذا كان اقترانُ تفضيلِ الكاملِ على الناقِص يَحُطُّ منْ قدرِهِ، كما قيل:

ألَمْ تَرَ أن السيفَ يَنْقُصُ قَدْرُهُ = إذا قِيلَ إن السيفَ أمْضَى مِنَ العَصَا

فكيفَ بتمثيلِ الكامِلِ بالناقِصِ؟

وهذا أعظَمُ ما يكونُ جِنايَةً على اللهِ عزَّ وجلَّ، وإنْ كان المُعَطِّلُونَ أعظمَ جُرْمًا، لكنَّ الكلَّ لَم يَقْدُرِ اللهَ حقَّ قدْرِهِ.

فالواجبُ:

أنْ نؤمنَ بما وصَف اللهُ وسَمَّى بهِ نفسَه في كتابِهِ، وعلَى لسانِ رسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، مِنْ غيرِ تحريفٍ ولا تعطيلٍ ولا تكييفٍ ولا تمثيلٍ.

(1) قولُهُ: {إلاَّ لِيعْبُدُونِ} استثناءٌ مُفرَّغٌ مِنْ أعمِّ الأحوالِ، أيْ: ما خَلَقْتُ الجنَّ والإنسَ لأيِّ شيءٍ؛ إلاَّ للعبادةِ.

واللامُ في قولِهِ: {إلاَّ لِيَعْبُدُونِ} للتعليلِ، وهو لبيانِ الحكمةِ مِن الْخَلْقِ، وليسَ التعليلَ الملازِمَ للمعلولِ؛ إذْ لوْ كانَ كذلكَ لَلَزِمَ أنْ يكونَ الخلْقُ كلُّهم عُبَّادًا للهِ يَتَعَبَّدونَ لَه، وليسَ الأمرُ كذلكَ، فهذه العلَّةُ غائيَّةٌ، وليسَت مُوجِبةً.

-فالعلَّةُ الغائيَّةُ؛ لبيانِ الغايَةِ والمقصودِ مِنْ هذا الفعلِ، لكنَّها قدْ تَقَعُ، وقدْ لا تَقَعُ، مثلَ: بَرَيْتُ القلمَ لأكْتُبَ بهِ، فقَد تَكْتُبُ، وقدْ لا تَكْتُبُ.

-والعلَّةُ الموجِبةُ معناها: أنَّ المعلولَ مبنيٌّ عليها، فلا بدَّ أنْ تقعَ، وتكونَ سابقةً للمعلولِ، وملازمةً لهُ، مثلُ: (انْكسَرَ الزُّجاجُ لِشدَّةِ الحَرِّ) .

-وقولُهُ: {إِلاَّ لِيعْبُدُونِ} فُسِّر: إلاَّ ليوَحِّدُونِ، وَهَذا حقٌّ، وفُسِّرَ بِمَعنى: يَتَذَلَّلُون لي بالطاعةِ فعلاً للمأمورِ، وترْكًا للمحظورِ، ومِنْ طاعتِهِ أن يُوَحَّدَ سبحانَه وتعالَى، فهذه هيَ الحكمةُ مِنْ خلقِ الجنِّ والإنسِ.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام