فهرس الكتاب
الصفحة 7 من 93

-وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النَّحْل: 120] .

-وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ} [الْمُؤْمِنُون:59] .

وَعَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: (كُنْتُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ رَأَى الْكَوْكَبَ الَّذِي انْقَضَّ الْبَارِحَةَ؟

فَقُلْتُ: أَنَا.ثُمَّ قُلْتُ: أَمَا إِنِّي لَمْ أَكُنْ فِي صَلاَةٍ وَلَكِنِّي لُدِغْتُ.

قَالَ: فَمَا صَنَعْتَ؟

قُلْتُ: ارْتَقَيْتُ.قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟

قُلْتُ: حَدِيثٌ حَدَّثَنَاهُ الشَّعْبِيُّ، قَالَ: وَمَا حَدَّثَكُمْ؟قُلْتُ: حَدَّثَنَا عَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ أَنَّهُ قَالَ: (( لاَ رُقْيَةَ إِلاَّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ ) )

قَالَ: قَدْ أَحْسَنَ مَنِ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ؛ وَلَكِنْ حَدَّثَنَاابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (( عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّهْطُ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلاَنِ، وَالنَّبِيَّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، إِذْ رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي.فَقِيلَ لِي: هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا سَوَادٌ عَظِيمٌ.فَقِيلَ لِي: هَذِهِ أُمَّتُكَ، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلاَ عَذَابٍ ) ). ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ، فَخَاضَ النَّاسُ فِي أُولَئِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم.وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فَلَعَلَّهُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلاَمِ فَلَمْ يُشْرِكُوا بِاللهِ شَيْئًا، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ. فَخَرَجَ عَلَيْهِم رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: (( هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَكْتَوُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) ).فَقَامَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ.فَقَالَ: (( أَنْتَ مِنْهُمْ ) ). ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ.فَقَالَ: (( سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ ) )

فِيهِ مَسَائِلُ:

الأُولَى: مَعْرِفَةُ مَرَاتِبِ النَّاسِ فِي التَّوْحِيدِ.

الثَّانِيَةُ: مَا مَعْنَى تَحْقِيقِهِ؟

الثَّالِثَةُ:ثَنَاؤُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بِكَوْنِهِ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

الرَّابِعَةُ: ثَنَاؤُهُ عَلَى سَادَاتِ الأَوْلِيَاءِ بِسَلاَمَتِهِمْ مِنَ الشِّرْكِ.

الْخَامِسَةُ: كَوْنُ تَرْكِ الرُّقْيَةِ وَالْكَيِّ مِنْ تَحْقِيقِ التَّوْحِيدِ.

السَّادِسَةُ: كَوْنُ الْجَامِعِ لِتِلْكَ الْخِصَالِ هُوَ التَّوَكُّلَ.

السَّابِعَةُ: عُمْقُ عِلْمِ الصَّحَابَةِ لِمَعْرِفَتِهِمْ أَنَّهُمْ لَمْ يَنَالُوا ذَلِكَ إِلاَّ بِعَمَلٍ.

الثَّامِنَةُ: حِرْصُهُمْ عَلَى الْخَيْرِ.

التَّاسِعَةُ: فَضِيلَةُ هَذِهِ الأُمَّةِ بِالْكَمِّيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ.

الْعَاشِرَةُ: فَضِيلَةُ أَصْحَابِ مُوسَى.

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: عَرْضُ الأُمَمِ عَلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ.

الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ كُلَّ أُمَّةٍ تُحْشَرُ وَحْدَهَا مَعَ نَبِيِّهَا.

الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قِلَّةُ مَنِ اسْتَجَابَ لِلأَنْبِيَاءِ.

الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ مَنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ يَأْتِي وَحْدَهُ.

الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: ثَمَرَةُ هَذَا الْعِلْمِ وَهُوَ عَدَمُ الاِغْتِرَارِ بِالْكَثْرَةِ وَعَدَمُ الزُّهْدِ فِي الْقِلَّةِ.

السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: الرُّخْصَةُ فِي الرُّقْيَةِ مِنَ الْعَيْنِ وَالْحُمَةِ.

السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: عُمْقُ عِلْمِ السَّلَفِ لِقَوْلِهِ: (قَدْ أَحْسَنَ مَنِ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعَ، وَلَكِنْ كَذَا وَكَذَا) فَعُلِمَ أَنَّ الْحَدِيثَ الأَوَّلَ لاَ يُخَالِفُ الثَّانِيَ.

الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: بُعْدُ السَّلَفِ عَنْ مَدْحِ الإِنْسَانِ بِمَا لَيْسَ فِيهِ.

التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ:قَوْلُهُ: (( أَنْتَ مِنْهُمْ ) )عَلَمٌ مِنْ أَعْلاَمِ النُّبُوَّةِ.

الْعِشْرُونَ:فَضِيلَةُ عُكَّاشَةَ.

الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: اسْتِعْمَالُ الْمَعَارِيضِ.

الثَّانِيةُ وَالْعِشْرُونَ: حُسْنُ خُلُقِهِ صلى الله عليه وسلم.

1)هذا البابُ كالمُتمِّمِ للبابِ الذي قبلَه؛ لأنَّ الذي قبلَه: (بابُ فضلِ التوحيدِ، وما يُكَفِّرُ من الذنوبِ)

فمِن فضلِه هذا الفضلُ العظيمُ الذي يسعَى إليه كلُّ عاقلٍ، وهو دخولُ الجنَّةِ بغيرِ حسابٍ.

(2) قولُه: (مَن) شرطيةٌ، وفعلُ الشرطِ (حقَّقَ) وجوابُه: (دخَلَ) .

قولُه: (بلا حسابٍ) أيْ: لا يُحاسَبُ، لا على المعاصي، ولا على غيرِها.

وتحقيقُ التوحيدِ: تخليصُه من الشِّركِ، ولا يكونُ إلا بأمورٍ ثلاثةٍ:

الأوَّلُ: العِلْمُ،فلا يمكنُ أن تحقِّقَ شيئاً قبل أنْ تعلَمَه، قالَ اللهُ تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ} .

الثاني:الاعتقادُ، فإذا علِمْتَ ولم تعتقدْ واستكبرْتَ لم تحقِّق التوحيدَ، قالَ اللهُ -تعالى- عن الكافرين: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} فلم يعتقدوا انفرادَ اللهِ بالألوهيَّةِ.

الثالثُ: الانقيادُ،فإذا علِمْتَ واعتقدتَ ثم لم تَنْقَدْ فإنك لم تحقَّق التوحيدَ، قالَ تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ} .فإذا حَصَلَ هذا وحقَّق التوحيدَ فإنَّ الجنَّةَ مضمونةٌ له بغيرِ حسابٍ، ولا نقولُ: إنْ شاءَ اللهُ؛ لأنّ هذا حكايةُ حكمٍ ثابتٍ شرعاً، ولهذا جزَمَ المؤلِّفُ - رحِمَه اللهُ تعالى - بذلك في الترجمةِ دونَ أن يقولَ: إنْ شاءَ اللهُ، أما بالنسبةِ للرجلِ المعيَّنِ فإننا نقولُ: إن شاءَ اللهُ.

وقد ذكَرَ المؤلِّفُ في هذا البابِ آيتين، ومناسبتُهما للبابِ الإشارةُ إلى تحقيقِ التوحيدِ، وأنه لا يكونُ إلا بانتفاءِ الشركِ كلِّهِ.

(3) قولُه تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً...} الآيةَ.

وهذا ثناءٌ من اللهِ -سبحانَه وتعالَى- على إبراهيمَ بأنه إمامٌ متبوعٌ؛ لأنه أحدُ الرسلِ الكِرامِ من أُولي العَزْمِ، ثم إنَّه -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قدوةٌ في أعمالِه وأفعالِه وجهادِه، فإنَّه جاهَدَ قومَهُ وحصَلَ منهم عليهِ ما حصلَ، وأُلقي في النارِ فصبَرَ، ثم ابتلاهُ اللهُ -بحانَه وتعالى- بالأمرِ بذبحِ ابنِهِ، وهو وحيدُه، وقد بلَغَ معه السعيَ، أيْ: شبَّ وترَعْرَعَ، فليس كبيراً قد طابتِ النَّفْسُ منه، ولا صغيراً لم تتعلَّقْ به النفسُ كثيراً، فصارَ على مُنْتَهَى تعلُّقِ النفسِ به.

فجاءَ الفرجُ من اللهِ تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ أَن يا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} ولا يصحُّ ما ذكرَه بعضُهم من أنَّ السكينَ انقلَبَتْ، أو أن رقبتَه صارَتْ حديداً. ونحوَ ذلك.

(4) قولُه: {قانِتاً} القنوتُ: دوامُ الطاعةِ، والاستمرارُ فيها عَلَى كُلِّ حالٍ، فهو مُطِيعٌ للهِ ثابِتٌ على طَاعَتِه، مُدِيمٌ لَهَا في كُلِّ حالٍ.

(5) قولُه: {حَنِيفاً} أيْ: مائِلاً عن الشركِ، مُجَانِبًا لكلِّ ما يخالِفُ الطاعةَ، فوُصِفَ بالإثباتِ والنَّفْيِ، أيْ: بالوصفيْنِ الإيجابيِّ والسلبيِّ.وأصل الكلمة الإقبال ولازمها الميل، قال ابن القيم: (أصل الحنف: الإقبال، ثم وصف بلا زمه، وهو الميل؛ لأن المقبل على شيء مائل عن غيره)

(6) قولُه: {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} تأكيدٌ، أيْ: لم يكنْ مُشرِكاً طولَ حياتِه، فقد كانَ -عليه الصلاةُ والسلامُ- معصوماً عن الشركِ، مع أن قومَه كانوا مشركين، فوصَفَه اللهُ بامتناعِ الشركِ استمراراً في قولِه: {حنيفاً} وابتداءً في قولِه: {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} والدليلُ على ذلك: أنَّ اللهَ جعلَه إماماً، ولا يجعلُ اللهُ للناسِ إماماً مَن لم يحقِّقِ التوحيدَ أبداً.

(7) قولُه: {وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ} هذه الآيةُ سبقتها آيةٌ، وهي قولُه: {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ} .لكنَّ المؤلِّفَ ذكرَ الشاهِدَ، وقولُه: {مِنْ خَشْيةِ رَبِّهِمْ} أي: مِن خوفِهِم منه على علمٍ، و {مُشْفِقُونَ} أي: خائفون من عذابِه إن خالفوه.فالمعاصي بالمعنى الأعمِّ -هيَ- شركٌ؛ لأنَّها صادرةٌ عن هَوًى مخالفٍ للشرعِ، وقد قالَ اللهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} .

-أمَّا بالنسبةِ للمعنى الأخصِّ، فيُقَسِّمُها العلماءُ إلى قسميْن:

الأول: شركٍ.

الثاني: فسوقٍ.

وقولُه: {يُشْرِكُونَ} يُرادُ به الشركُ بالمعنى الأعمِّ؛ إذ تحقيقُ التوحيدِ لا يكونُ إلا باجتنابِ الشِّركِ بالمعنى الأعمِّ، ولكن ليسَ معنى هذا ألا تقعَ منهم المعاصي؛ لأنَّ كلَّ بني آدَمَ خطَّاءٌ، ولكن هؤلاء إذا عَصَوْا فإنهم يتوبون، ولا يصرون عليها كما قالَ تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} .

(8) قولُه: (عن حُصيْنِ بنِ عبدِ الرحمنِ قالَ: كنتُ عندَ سعيدِ بنِ جُبيْرٍ) : وهما رجلان من التابعين.

(9) قولُه: (انْقَضَّ البارحةَ) أي: سقَطَ.

(10) قولُهُ: (فقلتُ: أنا) أي: حُصَيْنٌ.

(11) قولُهُ: (أمَا إِني لَمْ أكُن في صَلاةٍ) أمَا: أداةُ استفتاحٍ.

وقيلَ: إنَّها بمعنى حقًّا، وعلى هذا فتُفْتَحُ هَمزةُ (إنَّ) فيقالُ: أما أني لَم أكنْ في صلاةٍ، أي: حقّاً لم أكنْ في صلاةٍ.وقد قالَ هذا رحِمَه الله؛ لئلاَّ يُظَنَّ أنه قائمٌ يصلِّي فيُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ، وهذا خِلافُ ما عليه بعضُهم، يفرحُ بتوهم الناسَ أنه قائم يصلي، وهذا مِن نقْصِ التوحيدِ.وقولُ حصينٍ-رحمه اللهُ- ليسَ مِن بابِ المراءاةِ، بل هو مِن بابِ الحسناتِ، وليسَ كمَن يتْرُكُ الطاعاتِ خوفاً من الرياءِ؛ لأن الشيطانَ قد يلعبُ على الإنسانِ، ويُزيِّنُ له تركَ الطاعةِ خشيَةَ الرياءِ، بل افْعَلِ الطاعةَ، ولكن لا يكنْ في قلبِكَ أنَّك تُرائي الناسَ.

(12) قولُه: (لُدغتُ) أي: لدغَتْهُ عَقْربٌ أو غيرُها، والظاهِرُ أنها شديدةٌ؛ لأنه لم ينَمْ منها.

(13) قولُه: (ارتقَيْتُ) أي:استرقَيْتُ؛ لأنَّ افتعلَ الشيءَ مثلُ استفعلَ، وفي روايةِ مسلمٍ: (( استرقيتُ ) )أي: طلبتُ الرقيةَ.

(14) قولُه: (فَما حَمَلَك عَلَى ذلك) أي: قالَ سعيدٌ: (ما السببُ أنَّكَ استرقيتَ؟)

(15) قولُه: (لا رُقْيَةَ) أي: لا قراءةَ على مريضٍ، أو مصابٍ.

(16) قولُه: (مِن عينٍ) ويسَمِّيها العامَّةُ الآن

(النحاتةَ) ، وبعضُهم يسمِّيها (النفسَ) ، وبعضُهم يسميها (الحَسَدَ) ، وهي نظرَةٌ من حاسدٍ نَفْسُهُ خبيثةٌ، تتكَيَّفُ بكيْفِيَّةٍ خاصَّةٍ، فينبعثُ منها ما يؤثِّرُ على المصابِ.

(17) قولُه: (حُمَة) بضمِّ الحاءِ وفتحِ الميمِ مع تخفيفِها،وهي كلُّ ذاتِ سمٍّ، والمعنى لدَغَته إحدْى ذواتِ السمومِ، والعقربُ منها.

(18) فقالَ سعيدُ بنُ جبيْرٍ: (قدْ أحسَنَ مَن انتهى إلى ما سَمِعَ، ولكنْ حدَّثَنَا ابنُ عبَّاسٍ..) إلخ.

فيه:أن حصيناً أخذ بحديثِ: (( لا رُقْيَةَ إلا مِن عينٍ أو حُمَةٍ ) )وهذا يدلُّ على أنَّ الرُّقْيَةَ مِن العينِ أو الحُمَةِ مفيدةٌ، وهو أمرٌ واقعٌ؛ فإنَّ الرُّقى تنفَعُ - بإذنِ اللهِ - مِن العينِ، ومِن الحُمَةِ أيضاً، وكثيرٌ من الناسِ يقرؤُونَ على الملدوغِ، فيَبْرَأُ حالاً، (ويدلُّ لهذا قصةُ الرجلِ الذي بعثَه النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، في سَرِيَّةٍ فاستضافوا قوماً فلَم يُضَيِّفُوهم، فلُدِغَ سيِّدُهم، فقالوا: مَن يَرْقِي؟فقالوا: لعلَّ هؤلاء الرَّكْبَ عندهم راقٍ فجاؤُوا إلى السَّرِيَّةِ.

قالوا: هل فيكم مِن راقٍ؟قالوا: نعم، ولكن لا نرْقي لكم إلا بشيءٍ من الغنَمِ.

فقالوا: نُعْطِيكُم، فاقْتَطَعُوا لَهم مِن الغَنَمِ، ثُمَّ ذهَبَ أحدُهم يقرأُ عليه الفاتِحَةَ، فقامَ كأنما نشِطَ من عِقالٍ، فانْتَفَعَ اللديغُ بقراءتِها، ولهذا قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (( ومَا يُدْرِيكَ أنها رُقيةٌ ) )يعني الفاتحةَ.

وكذا:القراءةُ مِن العينِ مفيدةٌ.

ويُستعمَلُ للعينِ طريقةٌ أُخرى غيرُ الرقْيَةِ، وهو الاسْتِغْسَالُ، وهي أنْ يُؤْتَى بالعائنِ، ويُطلَبَ منه أنْ يتوضأَ، ثم يُؤخذَ ما تناثرَ من الماءِ مِن أعضائهِ، ويُصَبَّ على المُصَابِ، ويَشْرَبَ منه، ويبرأَ بإذنِ اللهِ.

وهناك طريقةٌ أخرى،ولا مانِعَ منها أيضاً، وهي أن يُؤْخَذَ شيءٌ مِن شِعارِهِ أي: ما يلي جسْمَه من الثيابِ، كالثوبِ، والطاقيَّةِ، والسِّروالِ وغيرِها، أو الترابِ إذا مشَى عليه وهو رَطْبٌ، ويُصَبُّ على ذلك ماءٌ يُرَشُّ به المصابُ، أو يشْرَبُهُ، وهو مُجرَّبٌ.

وأما العائِنُ،فينبغي إذا رأَى ما يُعْجِبُه أن يُبَرِّكَ عليه؛ لقولِ النبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لعامِرِ بنِ ربيعةَ لما عانَ سهْلَ بنَ حنيفٍ: (( هلاّبرَّكْتَ عليه ) )أي: قلتَ: بارَكَ اللهُ عليكَ.

قولُه: (ولكنْ حدَّثنا) القائِلُ: سعيدُ بنُ جبيْرٍ.

(19) قولُه: (عُرِضَت عليَّ الأممُ) العارِضُ لها هو اللهُ سبحانَه وتعالى، وهذا في المنامِ فيما يظْهَرُ.

و (الأممُ) : جمعُ أمَّةٍ، وهي أممُ الرُّسُلِ.

(20) قولُه: (الرَّهْطُ) مِن الثلاثةِ إلى التسعةِ.

(21) قولُه: (والنَّبيَّ ومعه الرجلُ والرَّجُلانِ) الظاهرُ: أنَّ الواوَ بمعنى أو، أي: ومعه الرجلُ أو الرجلان؛ لأنَّه لو كانَ معه الرجلُ والرجلان صارَ يُغْنِي أن يقولَ: ومعه ثلاثةٌ، لكنَّ المعنى: والنبيَّ ومعه الرجلُ، والنبيَّ ومعه الرجلان.

(22) قولُه: (والنبيَّ وليسَ معهُ أَحَدٌ) أي: يُبْعَثُ، ولا يكونُ معه أحدٌ، لكنْ يبعثُه اللهُ لإقامةِ الحجَّةِ، فإذا قامَتِ الحُجَّةُ حينئذٍ يُعذَرُ اللهُ من الخلقِ، ويُقيمُ عليهم الحجَّةَ.

(23) قولُه: (إذ رُفِع لي) هذا على تقديرِ محذوفٍ، أي: بيْنَمَا أنا كذلكَ إذْ رُفِعَ لي.

(24) قولُه: (سَوَادٌ عظيمٌ) المرادُ بالسوادِ هنا الظاهِرُ: أنه الأشخاصُ، ولهذا تقولُ: ما رأيتُ سوادَه، فرأى شخْصَه، أيْ: أشخاصاً عظيمةً كانوا من كثرتِهِم سواداً؛ لأنَّ السوادَ يُطلَقُ على الشخْصِ.

(25) قولُه: (فظَنَنْتُ أَنَّهم أُمَّتي) لأنَّ الأنبياءَ عُرِضوا عليه بأمَمِهِم، فظنَّ أنَّ هذا السوادَ هم أمَّتَه عليه الصلاةُ والسلامُ.

(26) قولُه: (فَقيلَ لي: هذا مُوسى وقومُه) وهذا يدلُّ على كثرةِ أتباعِ مُوسى -عليهِ السلامُ- وقومِه الذين أُرسِلَ إليهمْ.

(27) قولُه: (فإذا سَوادٌ عَظيمٌ فقيلَ لي: هَذِه أُمَّتُكَ) وهذا أعظمُ مِن السوادِ الأولِ؛ لأنَّ أُمَّةَ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أكثرُ بكثيرٍ مِن أمَّةِ موسى عليهِ السلامُ.

(28) قولُه: (بغيرِ حِسابٍ ولا عذابٍ) أيْ: لا يُعذَّبون ولا يُحاسَبون كرامةً لهم، وظاهرُهُ: لا في قبورِهِم، ولا بعدَ قيامِ الساعةِ.

(29) قولُه: (فخاضَ الناسُ في أولئكَ) هذا الخوضُ للوصولِ إلى الحقيقةِ نظريّاً، وعمليّاً حتى يكونوا منهم.

(30) قولُه: (الذينَ صَحِبوا رسولَ اللهِ) يَحْتَمِلُ أنَّ المرادَ الصُّحْبَةُ المُطْلَقَةُ.

(31) قولُه: (الذينَ وُلِدوا في الإسلامِ) أيْ: مَن وُلِدَ بعدَ البَعْثَةِ، وأسلَمَ، وهؤلاءِ كثيرونَ، ولو قلنا: وُلِدوا في الإسلامِ مِن الصحابةِ ما بلَغوا سبعين ألفاً؛ إلا أن يكون المراد من الصحابة وغيرهم ممن يكون بعدهم من هذه الأمة.

(32) قولُه: (فَخَرجَ عليهم رسولُ اللهِ) أيْ: أخبروه بما قالوا، وما جرى بينَهم.

(33) قولُه: (لا يَسْتَرْقُون) في بعضِ رواياتِ مسلمٍ: (( لا يَرْقُون ) )ولكنَّ هذه الروايةَ خطأٌ كمَا قالَ شيخُ الإسلامِ؛ لأنَّ الرسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كانَ يَرْقِي، ورقاهُ جِبريلُ وعائشةُ، وكذلك الصَّحابةُ كانوا يَرقُونَ.

واسْتَفْعَلَ بمعنى طلَبَ الفِعلَ مِثْلَ: اسْتَغْفَرَ أيْ: طلَبَ المغْفِرَةَ، واستَجَارَ: طلَبَ الجِوارَ، وهنا اسْتَرْقَى، أيْ: طلَبَ الرُّقيةَ، فهؤلاء لا يَطلُبون مِن أحدٍ أن يقرأَ عليهم:

-لقوَّةِ اعتمادِهِم على اللهِ.

-ولعزَّةِ نفوسِهِم عن التذللِ لغيرهِ.

-ولما في ذلك مِن التعلُّقِ بغيرِهِ.

(34) قولُه: (ولا يَكْتَوُونَ) معنى اكْتَوى: طلَبَ مَن يكويه، وهذا مِثْلُ قولِه: (( ولا يسْتَرْقُون ) ).

أما بالنسبَةِ لمن أُعِدَّ للكيِّ مِن قِبَلِ الحكومةِ فطَلَبُ الكَيِّ منه ليس فيه ذلٌّ؛ لأنَّه مُعَدٌّ مِن قِبَلِ الحكومةِ يأخُذُ الأجرَ على ذلك مِن الحكومةِ، ولأنَّ هذا الطلبَ مجرَّدُ إخبارٍ من الطالِبِ بأنَّه مُحتَاجٌ إلى الكيِّ، وليس سؤالَ تذلُّلٍ.

(35) قولُه: (ولا يَتَطيَّرون) مأخوذٌ مِن الطَّيْرِ، والمصدرُ منه تَطَيُّرٌ، والطِّيَرَةُ اسمُ المصدْرِ، وأصلُه التشاؤمُ بالطَّيْرِ، ولكنَّه أعمُّ من ذلك فهو: التشاؤمُ بمرْئِيٍّ أو مَسْموعٍ، أو زمانٍ، أو مكانٍ.

وهل هذه الأشياءُ تدلُّ على أنَّ مَن لم يتَّصِفْ بها فهو مذمومٌ، أو فاته الكمالُ؟

الجوابُ: أنَّ الكمالَ فاتَه إلا بالنسْبَةِ للتطيُّرِ فإنَّه لا يجوزُ؛لأنَّه ضررٌ وليس له حقيقةٌ أصلاً.

أما بالنسبةِ لطلبِ العلاجِ، فالظاهِرُ أنه مثلُه؛ لأنَّه عامٌّ، وقد يُقالُ: إنَّه لولا قولُه: (( ولا يسْتَرْقُون ) )لقلتُ: إنَّه لا يدخلُ؛ لأنَّ الاكتواءَ ضررٌ محقَّقٌ: إحراقٌ بالنارِ، وألمٌ للإنسانِ ونفعُه مُرْتَجًى، لكن كلمةُ (( يَسْتَرْقُون ) )مُشْكِلَةٌ، فالرُّقْيَةُ ليس فيها ضَرَرٌ، إنْ لم تنفعْ لم تضرَّ، وهنا نقولُ الدواءُ مثلُها؛ لأنَّ الدواءَ إذا لم ينفعْ لم يَضُرَّ، وقدْ يَضُرُّ أيضاً؛ لأنَّ الإنسانَ إذا تناولَ دواءً، وليس فيه مرضٌ لهذا الدواءِ فقد يضُرُّه.وهذه المسألةُ تحتاجُ إلى بحثٍ.وهل نقولُ -مثلاً- ما تَأكَّدت منفعتُه ولَم يكنْ في طلبِ الإنسانِ لهُ إذلالٌ لنفسِه فهو لا يضرُّ، أيْ: لا يفوتُ المرءَ الكمالُ بِهِ، كجبرِ الكَسْرِ، وقطْعِ العُضْوِ مثلاً، أو كمَا يفْعَلُ الناسُ الآنَ في الزائِدةِ وغيرِها؟ولو قالَ قائِلٌ: بالاقْتِصَارِ على ما في هذا الحديثِ، وهو أنَّهم لا يَسْتَرْقُون ولا يكتَوُون، ولا يَتَطيَّرون، وأنَّ ما عدا ذلك لا يَمْنَعُ مِن دخولِ الجنَّةِ بلا حسابٍ ولا عذابٍ، للنصوصِ الواردةِ بالأمرِ بالتدَاوي، والثناءِ على بعضِ الأدويَةِ، كالعَسَلِ والحبَّةِ السوداءِ لكانَ لَه وَجْهٌ.

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في (فتح المجيد) (ص96) : (واعلم أن الحديث لا يدل على أنهم لا يباشرون الأسباب أصلاً، فإن مباشرة الأسباب في الجملة أمرٌ فطري ضروري، لا انفكاك لإحد عنه، بل نفس التوكل مباشرةٌ لأعظم الأسباب، كما قال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} أي: كافيه.

وإنما المراد أنهم يتركون الأمور المكروهة مع حاجتهم إليها، توكلاً على الله تعالى، كالاكتواء والإسترقاء، فتركهم له؛ لكونه سبباً مكروهاً، لا سيمّا والمريض ـ يتشبث فيما يظنه سبباً لشفائه ـ بخيط العنكبوت.

أما مباشرةُ الأسباب على وجه لا كراهية فيه؛ فغير قادح في التوكل، فلا يكون تركه مشروعاً؛ لما في (الصحيحين) عن أبي هريرة مرفوعاً: (( ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله ) ). )

وإذا طلَبَ منك إنسانٌ أن يَرْقِيَكَ فهل يَفوتُكَ كمالٌ إذا لم تَمْنَعْه؟

الجوابُ: لا يفوتُكَ؛ لأنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لم يَمْنَعْ عائِشَةَ أن تَرْقِيَه، وهو أكملُ الخلْقِ توكُّلاً على اللهِ وثقةً بِهِ؛ ولأنَّ قوله: (( لا يَسْتَرْقُون ) )إنَّما كانَ في طلَبِ هذه الأشياءِ، ولا يَخْفَى الفَرْقُ بين أنْ تَحْصُلَ هذه الأشياءُ بطلَبٍ وبينَ أنْ تحصُلَ بغَيْرِ طلَبٍ.

قال في (فتح المجيد) (ص94) : (والفرق بين الراقي والمسترقي: أنّ المسترقي سائلٌ مستعط ملتفت إلى غير الله بقلبه والراقي محسنٌ) .

(36) قولُه: (فقالَ:(( أنتَ مِنهم ) )) وقولُ الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، هذا هل هو بوحيٍ مِن اللهِ إقراريٍّ، أو وحيٍ إلهاميٍّ، أو وحيِ رسولٍ؟

مثلَ:هذه الأمورِ يَحْتَمِلُ أنَّها وحيٌ إلهامِيٌّ، أو بواسِطَةِ الرسولِ، أو وحيٌّ إقراريٌّ، بمعنى أنَّ الرسولَ يقولُها، فإذا أقرَّه اللهُ عليه صارَتْ وَحْياً إقراريًّا.

لكنَّ روايةَ البُخاريِّ: (( اللهُمَّ اجْعَلْه مِنهم ) )تدلُّ على أنَّ الجملةَ: (( أنتَ مِنهم ) )خبرٌ بمعْنَى الدُّعاءِ.

(37) قولُه: (ثم قامَ رجلٌ آخرُ فقالَ: ادْعُ اللهَ أنْ يجعَلَني منهُم، قالَ:(( سبَقَكَ بها عُكَّاشَةُ ) )) لم يُرد النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أن يقولَ له: لا، ولكن قالَ: (سَبَقَكَ بها) أيْ: بهذه الْمَنْقَبَةِ والفضيلَةِ، أو بهذه المسأَلَةِ عُكاَّشَةُ بنُ مِحْصَنٍ.

وقد اختلَفَ العلماءُ لماذا قالَ الرسولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - هذا الكلامَ؟

فقيلَ: إنَّه كانَ منافِقاً،فأرادَ الرسولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- ألاَّ يُجابِهَه بِما يَكْرَهُ تأليفاً. وقيل:خافَ أن ينفَتِحَ البابُ، فيطلبَها مَن ليس مِنهم، فقالَ هذه الكلمةَ التي أصبَحَت مَثَلاً.

(38) قولُه: (فيه مسائلُ) أيْ: في هذا البابِ مسائِلُ.

(29) المسألةُ الأولى: (معرِفةُ مراتِبِ النَّاسِ في التوحيدِ)

وهذه مأخوذةٌ من قولِه: (( يَدخلون الجنَّةَ بِغيرِ حِسابٍ ولا عَذابٍ ) )ثُمَّ قالَ: (( هُمُ الذينَ لا يَسْتَرْقونَ، ولا يكْتَوون، ولا يتَطَيَّرونَ ) ).

(30) الثانيةُ: (ما معنى تحقيقِه) أيْ: تحقيقِ التوحيدِ، وسبقَ لنا في أوَّل البابِ: أنَّ تحقيقَه: تخليصُه مِن الشِّركِ.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام