فهرس الكتاب
الصفحة 50 من 93

وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [النَّمْلُ:47] .

وَقَوْلِهِ: {قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَإِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} [يَس:19] .

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ ) )أَخْرَجَاهُ.

زَادَ مُسْلِمٌ: (( وَلاَ نَوْءَ وَلاَ غُولَ ) ).

وَلَهُمَا عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (( لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ ) )قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: (( الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ ) ).

وَلأَِبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (( أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ وَلاَ تَرُدَّ مُسْلِمًا، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ، وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلاَّ أَنْتَ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِكَ ) ).

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: (( الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، وَمَا مِنَّا إِلاَّ وَلَكِنَّ اللهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ ) )رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَجَعَلَ آخِرَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ.

وَلأَِحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو: (( مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ عَنْ حَاجَتِهِ فَقَدْ أَشْرَكَ ) )قَالُوا: فَمَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: (( أَنْ تَقُولَ: اللهُمَّ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُكَ، وَلاَ طَيْرَ إِلاَّ طَيْرُكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ ) ).

وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ رَضِي اللهُ عَنْهُ: (( إِنَّمَا الطِّيَرَةُ مَا أَمْضَاكَ أَوْ رَدَّكَ ) ).

فِيهِ مَسَائِلُ:

الأُولَى: التَّنْبِيهُ عَلَى قَوْلِهِ: {أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللهِ} مَعَ قَوْلِهِ: {طَائِرُكُم مَّعَكُمْ} .

الثَّانِيَةُ: نَفْيُ الْعَدْوَى.

الثَّالِثَةُ: نَفْيُ الطِّيَرَةِ.

الرَّابِعَةُ: نَفْيُ الْهَامَةِ.

الْخَامِسَةُ: نَفْيُ الْصَفَرِ.

السَّادِسَةُ: أَنَّ الْفَأْلَ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ مُسْتَحَبٌّ.

السَّابِعَةُ: تَفْسِيرُ الْفَأْلِ.

الثَّامِنَةُ: أَنَّ الْوَاقِعَ فِي الْقُلُوبِ مِنْ ذَلِكَ مَعَ كَرَاهَتِهِ لاَ يَضُرُّ، بَلْ يُذْهِبُهُ اللهُ بِالتَّوَكُّلِ.

التَّاسِعَةُ: ذِكْرُ مَا يَقُولُ مَنْ وَجَدَهُ.

الْعَاشِرَةُ: التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الطِّيَرَةَ شِرْكٌ.

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: تَفْسِيرُ الطِّيَرَةِ الْمَذْمُومَةِ.

قال في (فتح المجيد) ص345: (ما كانت الطيرة من الشرك المنافي لكمال التوحيد الواجب، لكونها من إلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته ـ ذكرها المصنف في(كتاب التوحيد) تحذيراً مما ينافي كمال التوحيد الواجب) .

والتَّطَيُّرِ في اللُّغَةِ: تَفَعُّلٌ، مصدرُ تَطَيَّرَ، وأصلُهُ مأخوذٌ مِن الطَّيْرِ؛ لأنَّ العربَ يتشاءمونَ أوْ يتفاءلونَ بالطيورِ على الطريقةِ المعروفةِ عندَهم بزَجْرِ الطيرِ، ثمَّ يُنْظَرُ هَلْ يذهبُ يمينًا أوْ شمالاً، أوْ ما أشَبْهَ ذلِكَ، فإنْ ذهبَ إلى الجهةِ التي فيها التيامُنُ أقْدَمَ، أوْ فيها التشاؤمُ أحجمَ.

أمَّا في الاصطلاحِ:

فهيَ التشاؤمُ بمَرْئِيٍّ أوْ مسموعٍ،

وهذا مِن الأمورِ النادرةِ؛ لأنَّ الغالبَ أنَّ اللغةَ أوسعُ مِن الاصطلاحِ؛ فالاصطلاحَ يُدْخِلُ على الألفاظِ قيودًا تخصُّها مثلَ: الصلاةُ لغةً: الدعاءُ.

وفي الاصطلاحِ: أخصُّ مِن الدعاءِ، وكذلِكَ الزكاةُ وغيرُها.

وإنْ شِئْتَ فقُل: التطَيُّرُ: هوَ التشاؤمُ بمَرْئِيٍّ أوْ مسموعٍ أوْ معلومٍ.

فالمرئيّ مثلَ: لوْ رأى طيرًا فتشاءمَ لكونِهِ مُوحِشًا.

والمسموع مثلَ: مَنْ هَمَّ بأمرٍ فسمِعَ أحدًا يقولُ لآخرَ: يا خسرانُ، أوْ يا خائبُ، فيتشاءمُ.

والمعلوم: كالتشاؤمِ ببعضِ الأيَّامِ أوْ بعضِ الشهورِ أوْ بعضِ السنواتِ، فهذهِ لا تُرى ولا تُسْمَعُ.

واعلمْ أنَّ التَّطَيُّرَ يُنَافِي التوحيدَ، ووَجْهُ مُنَافاتِهِ لهُ منْ وجهيْنِ:

الأوَّلُ: أنَّ المُتَطَيِّرَ قطعَ توكُّلَهُ على اللهِ واعتمدَ على غَيْرِ اللهِ.

الثاني: أنَّهُ تعَلَّقَ بأمرٍ لا حقيقةَ لهُ، بلْ هوَ وهمٌ وتخييلٌ، فأيُّ رابطةٍ بينَ هذا الأمرِ وبينَ ما يحْصُلُ لَهُ، وهذا لا شكَّ أنَّهُ يُخِلُّ بالتوحيدِ؛ لأنَّ التوحيدَ عبادةٌ واستعانةٌ، قالَ تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ، وقالَ تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} ، فالطِّيَرَةُ مُحَرَّمَةٌ، وهيَ منافيةٌ للتوحيدِ كَمَا سَبَقَ، والمُتَطَيِّرُ لا يخْلُو مِنْ حالَيْنِ:

الأوَّلُ: أنْ يُحْجِمَ ويستجيبَ لهذهِ الطِّيَرَةِ ويدَعَ العملَ، وهذا مِنْ أعظمِ التَّطَيُّرِ والتشاؤمِ.

الثاني: أنْ يمضيَ لكنْ في قَلَقٍ وهمٍّ وغمٍّ يَخْشَى مِنْ تأثيرِ هذا المتطيَّرِ بِهِ، وهذا أهونُ.

وكلا الأمرَيْنِ نقصٌ في التوحيدِ وضررٌ على العبيدِ، بَل انْطَلِقْ إلى ما تُرِيدُ بانشراحِ صدرٍ وتيسيرٍ واعتمادٍ على اللهِ عزَّ وجلَّ، ولا تُسِئ الظنَّ باللهِ عزَّ وجلَّ.

قولُهُ تعالى: {أَلاَ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ} هذهِ الآيةُ نَزَلَتْ في قومِ موسى كما حكى اللهُ عنهم في قوْلِهِ: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} ، قالَ اللهُ تعالى: {أَلاَ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ} .

ومعنى {يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} أنَّهُ إذا جاءَهُم البلاءُ والجَدْبُ والقحطُ قالوا: هذا مِنْ موسى وأصحابِهِ، فأبطلَ اللهُ هذهِ العقيدةَ بقولِهِ: {أَلاَ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ} .

قولُهُ: {أَلاَ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ} المعنى: إنَّ ما يُصِيبُهم مِن الجدبِ والقحطِ لَيْسِ مِنْ موسى وقومِهِ، ولكنَّهُ مِن اللهِ، فهوَ الذي قدَّرَهُ، ولا علاقةَ لموسى وقومِهِ بِهِ، بَلْ إنَّ الأمرَ يقتضي أنَّ موسى وقومَهُ سببٌ للبركةِ والخيرِ، ولكنْ هؤلاءِ والعياذُ يُلَبِّسونَ على العوامِّ ويُوهِمُونَ الناسَ خلافَ الواقعِ.

قولُهُ: {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} فَهُم في جهلٍ فلا يعلمونَ أنَّ هناكَ إلهًا مُدَبِّرًا، وأنَّ ما أصابَهم مِن اللهِ، ولَيْسَ مِنْ موسى وقومِهِ.

قولُهُ تعالى: {قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} أيْ: قالَ الذينَ أُرْسِلُوا إلى القريةِ في قولِهِ تعالى: {وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ القَرْيَةِ} الآياتِ، فقالوا ذلكَ رَدًّا على قولِ أهلِ القريةِ: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} أيْ: تشاءَمْنا بِكُمْ، وإنَّنا لا نرى أنَّكُم تَدُلُّونَنَا على الخيرِ، بَلْ على الشرِّ وما فيهِ هلاكُنا، فأجابهم الرسلُ بقوْلِهِم: {طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ} أيْ: مُصَاحِبٌ لَكُمْ، فما يحْصُلُ لَكُمْ فإنَّهُ مِنْكُم ومِنْ أعمالِكُم.

ويُسْتَفَادُ مِن الآيتيْنِ المذكورتيْنِ في البابِ: أنَّ التَّطَيُّرَ كانَ معروفًا مِنْ قِبَلِ العربِ وفي غَيْرِ العربِ؛ لأنَّ الأولى في فرعونَ وقومِهِ، والثانيةَ في أصحابِ القريةِ.

-وقولُهُ: {أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} ينبغِي أنْ تَقِفَ علىقولِهِ: {ذُكِّرْتُمْ} لأنَّها جملةٌ شرطيَّةٌ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ تقديرُهُ: أئِنْ ذُكِّرْتُمْ تطيَّرْتُم، وعلى هذا فلا تَصِلْها بما بعدَها.

-وقولُهُ: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} ، {بَلْ} هنا للإضرابِ الإبطالِيِّ، أيْ: ما أصابَكُم لَيْسَ مِنْهُم، بَلْ هُوَ منْ إسرافِكُم.

-وقولُهُ: {مُسْرِفُونَ} أيْ: متجاوزونَ للحدِّ الذي يجبُ أنْ تكونوا عليهِ.

قولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( لاَ عَدْوَى ) )لا نافيةٌ للجنسِ، فَنَفَى الرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ العدوى كُلَّها.

والعدوى: انتقالُ المرضِ مِن المريضِ إلى الصحيحِ.

فقولُهُ: (( لا عَدْوَى ) )يشملُ الحسِّيَّةَ والمعنوِيَّةَ، وإنْ كانَتْ في الحسِّيَّةِ أظهرَ.

قولُهُ: (( وَلاَ طِيَرَةَ ) )اسمُ مصدرِ تَطَيَّرَ؛ لأنَّ المصدرَ منهُ (تَطَيُّرٌ) مثلُ الْخِيَرَةِ اسمُ مصدرِ اخْتَارَ، قالَ تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} أي: الاختيارُ، أيْ: أنْ يختاروا خلافَ ما قضَى اللهُ ورسولُهُ من الأمرِ.

قولُهُ: (( وَلاَ هَامَةَ ) )الهامَةُ بتخفيفِ الميمِ، فُسِّرَتْ بتفسيريْنِ:

الأوَّلُ:

أنَّها طَيْرٌ معروفٌ يُشْبِهُ البومةَ، أوْ هيَ البُومَةُ، تَزْعُمُ العربُ أنَّهُ إذا قُتِلَ القتيلُ صارتْ عظامُهُ هامَةً تطيرُ وتَصْرُخُ حتَّى يُؤْخَذَ بثأرِهِ، ورُبَّما اعتقدَ بعضُهم أنَّها رُوحُهُ.

التفسيرُ الثاني: أنَّ بعضَ العربِ يقولونَ: الهامَةُ هيَ الطيرُ المعروفُ، لكنَّهُم يتشاءمونَ بِها، فإذا وقَعَتْ على بيتِ أحدِهِم ونعَقَتْ قالُوا: إنَّها تَنْعِقُ بهِ ليمُوتَ، ويعتقدونَ أنَّ هذا دليلُ قُرْبِ أجلِهِ، وهذا كلُّهُ بلا شكٍّ عقيدةٌ باطلةٌ.

قولُهُ: (( ولا صَفَرَ ) ).

قيلَ: إنَّهُ شهرُ صَفَرٍ، كانَت العربُ يتشاءمونَ بهِ، ولا سيَّمَا في النكاحِ.

وقيلَ: إنَّهُ داءٌ في البطنِ يُصِيبُ الإِبِلَ وينتقلُ مِنْ بعيرٍ إلى آخرَ.

قال ابن الأثير: (يقصد بذلك حبة تقع في بطن الإنسان، تؤذيه عند الجوع، فكان الجاهليون يعتقدون ذلك ويخشونه، ويظنون أن المرء إذا وقعت في بطنه تلك الحبة عند الجوع، فإن عدواه عظيمة فتنتقل إلى غيره) .

وعلى هذا فيكونُ عطْفُهُ على العدوى مِنْ بابِ عطفِ الخاصِّ على العامِّ.

وقيلَ: إنَّهُ نَهْيٌ عَن النَّسِيئَةِ، وكانوا في الجاهليَّةِ يَنْسِئُونَ؛ فإذا أرادوا القتالَ في شهرِ المحرَّمِ استحلُّوهُ وأخَّروا الحُرْمَةَ إلى شهرِ صَفَرٍ، وهذهِ النسيئةُ التي ذكَرَها اللهُ بقولِهِ تعالى: {فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ} وهذا القولُ ضعيفٌ، ويُضَعِّفُهُ أنَّ الحديثَ في سياقِ التَّطَيُّرِ، ولَيْسَ في سياقِ التغييرِ، والأقربُ أنَّ صَفَرًا يعني الشهرَ، وأنَّ المُرَادَ نفيُ كوْنِهِ مشْئُومًا، أيْ: لا شُؤْمَ فيهِ، وهوَ كغيْرِهِ من الأزمانِ يُقَدَّرُ فيهِ الخيرُ، ويُقَدَّرُ فيهِ الشرُّ.

وهذا النفيُ في هذهِ الأمورِ الأربعةِ ليسَ نفيًا للوجودِ؛

لأنَّها موجودةٌ، ولكنَّهُ نفيٌ للتأثيرِ، فالمُؤَثِّرُ هوَ اللهُ، فما كانَ سببًا معلومًا فهوَ سببٌ صحيحٌ، وما كانَ منها سببًا مَوْهُومًا فهوَ سببٌ باطلٌ، ويكونُ نفيًا لتأثيرِهِ بنفسِهِ إنْ كانَ صحيحًا، ولكَوْنِهِ سببًا إنْ كانَ باطلاً.

فقولُهُ: (( لا عَدْوى ) )العدوى موجودةٌ، ويَدُلُّ لوجودِها قولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( لاَ يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ ) )أيْ: لا يُورِدُ صاحبُ الإبِلِ المريضةِ على صاحبِ الإبلِ الصحيحةِ؛ لِئَلاَّ تَنْتَقِلَ العدوى.

وقولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الأَسَدِ ) )والجُذَامُ مَرَضٌ خبيثٌ مُعْدٍ بسرعةٍ ويُتْلِفُ صاحبَهُ، حتَّى قيلَ: إنَّهُ الطاعونُ.

فالأمرُ بالفرارِ؛ لكَيْ لا تقعَ العدوى مِنْهُ إِليكَ، وفيهِ إثباتٌ لتأثيرِ العدوى، لكنَّ تأثيرَها لَيْسَ أمرًا حَتْمِيًّا بحيثُ تكونُ عِلَّةً فاعلةً، وأمْرُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بالفرارِ وأنْ لا يُورِدَ مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ مِنْ بابِ تجَنُّبِ الأسبابِ، لا مِنْ بابِ تأثيرِ الأسبابِ بنفسِها، فالأسبابُ لا تُؤَثِّرُ بنفسِها، لكنْ ينبغِي لنا أنْ نتجَنَّبَ الأسبابَ التي تكونُ سببًا للبلاءِ؛ لقولِهِ تعالى: {وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ولا يُمْكِنْ أنْ يُقالَ: إنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُنْكِرُ تأثيرَ العدوى؛ لأنَّ هذا أمْرٌ تُبْطِلُهُ الأحاديثُ الأخرى والواقعُ المشاهد.

فإنْ قيلَ:

إنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لمَّا قالَ: (( لا عَدْوى ) )قالَ رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، الإبِلُ تكونُ صحيحةً مثلَ الظِّبَاءِ فيَدْخُلُها الجملُ الأجْرَبُ فتَجْرَبُ؟ فقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ؟ ) ).

يعني:

أنَّ المرضَ نَزلَ على الأوَّلِ بدونِ عدْوَى، بَلْ نزلَ منْ عندِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فكذلِكَ إذا انتقلَ بالعدوى فَقَد انتقلَ بأمرِ اللهِ، والشيءُ قَدْ يكونُ لهُ سببٌ معلومٌ وقدْ لا يكونُ لهُ سببٌ معلومٌ، فجَرَبُ الأوَّلِ ليسَ سببُهُ معلومًا، إلاَّ أنَّهُ بتقديرِ اللهِ تعالى، وجَرَبُ الذي بعدَهُ لهُ سببٌ معلومٌ، لكنْ لوْ شاءَ اللهُ تعالى لمْ يَجْرَبْ، ولهذا أحيانًا تُصَابُ الإِبِلُ بالجَرَبِ، ثمَّ يرتفعُ ولا تموتُ، وكذلِكَ الطاعونُ وَالْكُولِيرَا أمراضٌ مُعْدِيَةٌ، وقدْ تدخلُ البيتَ فتُصِيبُ البعضَ فيموتونَ ويَسْلَمُ آخرونَ ولا يُصَابونَ.

فعلى الإنسانِ أنْ يعتمدَ على اللهِ ويتوكَّلَ عليهِ،

وقدْ رُوِيَ: (( أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ جاءهُ رجلٌ مجذومٌ؛ فأخذَ بيدِهِ وقالَ لهُ: (( كُلْ ) )مِن الطَّعامِ الذي كانَ يأكُلُ منهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليهِ وسلَّمَ لقُوَّةِ توَكُّلِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ )) فهذا التَّوَكُّلُ مُقَاوِمٌ لهذا السببِ المُعْدِي.

وهذا الجمعُ الذي أشَرْنا إليهِ هوَ أحسنُ ما قيلَ في الجمعِ بينَ الأحاديثِ.

وادَّعى بعضُهم النَّسْخَ:

فَمِنْهُمْ مَنْ قالَ: إنَّ الناسِخَ قولُهُ: (( لاَ عَدْوَى ) ).

والمنسوخَ قولُهُ: (( فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ ) (( وَلاَ يُوْرِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ ) ).

-وبعضُهم عَكَسَ، والصحيحُ أنَّهُ لا نَسْخَ؛ لأنَّ مِنْ شروطِ النسخِ تعَذُّرَ الجمعِ، وإذا أمْكَنَ الجمعُ وجَبَ الرجوعُ إليهِ؛ لأنَّ في الجمعِ إعمالَ الدليلَيْنِ، وفي النسخِ إبطالَ أحدِهما، وإعمالُهما أَوْلى مِنْ إبطالِ أحدِهما؛ لأنَّنا اعتبرْنَاهُما وجعَلْناهُما حُجَّةً، وأيضًا الواقعُ يشهدُ أنَّهُ لا نَسْخَ.

وقولُهُ: (( ولا صَفَرَ ) )فيهِ ثلاثةُ أقوالٍ سَبَقَتْ، وبيانُ الراجحِ منها.

والأزمنةُ لا دَخْلَ لها في التأثيرِ ولا في تقديرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فَصَفَرٌ كغيرِهِ مِن الأزمنةِ يُقَدَّرُ فيهِ الخيرُ والشرُّ، وبعضُ الناسِ إذا انتهى مِنْ شيءٍ في صَفَرٍ أرَّخَ ذلِكَ وقالَ: انتهى في صفرِ الخيرِ، فهذا مِنْ بابِ مُدَاوَاةِ البدعةِ ببدعةٍ والجهلِ بالجهلِ، فهوَ ليسَ شهرَ خيرٍ ولا شهرَ شرٍّ.

أمَّا شهرُ رمضانَ، وقوْلُنا: (إنَّهُ شهرُ خيرٍ، فالمرادُ بالخيرِ العبادةُ، ولا شكَّ أنَّهُ شهرُ خيرٍ) .

وقولُهم: رجبٌ المُعَظَّمُ، بناءً على أنَّهُ مِن الأشْهُرِ الحُرُمِ.

ولهذا أنكَرَ بعضُ السَلَفِ على مَنْ إذا سَمِعَ البومةَ تَنْعِقُ قالَ: خيرًا إنْ شاءَ اللهُ، فلا يُقالُ: خيرٌ ولا شرٌّ، بَلْ هيَ تَنْعِقُ كبقيَّةِ الطيورِ.

فهذهِ الأربعةُ التي نفاها الرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تُبَيِّنُ وجوبَ التوكُّلِ على اللهِ وصِدْقِ العزيمةِ، ولا يَضْعُفُ المسلمُ أمامَ هذِهِ الأشياءِ؛ لأنَّ الإنسانَ في هذهِ الأمورِ لا يخْلُو مِنْ حاليْنِ:

إمَّا أنْ يستجيبَ لها: بأنْ يُقْدِمَ أوْ يُحْجِمَ أوْ ما أشَبْهَ ذلِكَ، فيكونُ حينئذٍ قدْ علَّقَ أفعالَهُ بما لا حقيقةَ لهُ، ولا أصْلَ لهُ، وهو نوعٌ من الشركِ.

وإمَّا أنْ لا يستجيبَ: بأنْ يكونَ عندَهُ نوعٌ مِن التوكُّلِ ويُقْدِمُ ولا يُبَالِي، لكنْ يبقى في نفسِهِ نوعٌ مِن الهمِّ أو الغمِّ، وهذا وإنْ كانَ أهونَ مِن الأوَّلِ، لكنْ يَجِبُ ألاَّ يستجيبَ لداعِي هذهِ الأشياءِ التي نفاها الرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مُطْلَقًا، وأنْ يكونَ معتمدًا على اللهِ عزَّ وجلَّ.

وبعضُ الناسِ قدْ يَفْتَحُ المصحفَ لطلبِ التفاؤلِ؛ فإذا نظَرَ ذِكْرَ النارِ تشاءمَ، وإذا نَظَرَ ذِكْرَ الجنَّةِ قالَ: هذا فَأْلٌ طَيِّبٌ، فهذا مِثْلُ عملِ الجاهليَّةِ الذينَ يستقْسِمُونَ بالأَزْلاَمِ.

فالحاصلُ أنَّنا نقولُ: لا تجعلْ على بالِكَ مثلَ هذهِ الأمورِ إطلاقًا،

فالأسبابُ المعلومةُ الظاهرةُ تَقِي أسبابَ الشرِّ، وأمَّا الأسبابُ المَوْهُومَةُ التي لمْ يجْعَلْها الشرعُ سببًا بَلْ نفاها، فلا يجوزُ لَكَ أنْ تتَعَلَّقَ بها، بلِ احْمَدِ اللهَ على العافيةِ، وقُلْ ربَّنا عليكَ توَكَّلْنا.

(5) قولُهُ: (( وَلاَ نَوْءَ ) )واحدُ الأنواءِ، والأنواءُ هيَ منازلُ القمرِ، وهيَ ثمانٌ وعشرونَ منزلةً؛ كلُّ منزلةٍ لها نَجْمٌ تدورُ بمدارِ السَّنةِ.

فالعربُ كانوا يتشاءمونَ بالأنواءِ ويتفاءَلُونَ بِها، فبعضُ النجومِ يقولونَ: هذا نجمُ نَحْسٍ لا خيرَ فيهِ، وبعضُها بالعكسِ يتفاءلونَ بهِ فيقولونَ: هذا نجمُ سُعُودٍ وخيرٍ؛ ولهذا إذا أُمْطِرُوا قالوا: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كذا، ولا يقولونَ: مُطِرْنا بفضلِ اللهِ ورحمتِهِ، ولا شكَّ أنَّ هذا غايةُ الجهْلِ.

قولُهُ: (( وَلاَ غُولَ ) )جَمْعُ غَوْلَةٍ أوْ غُولَةٍ.

والعربُ كانوا إذا سافَرُوا أوْ ذهَبُوا يمينًا أوشمالاً تلَوَّنَتْ لهم الشياطينُ بألْوَانٍ مُفْزِعَةٍ مُخِيفةٍ، فتُدْخِلُ في قلوبِهِم الروعَ والخوفَ، فتجدُهم يكْتَئِبُونَ ويستَحْسِرُونَ عَن الذهابِ إلى هذا الوجهِ الذي أرادوا، وهذا لا شكَّ أنَّهُ يُضْعِفُ التوَكُّلَ على اللهِ، والشيطانُ حريصٌ على إدخالِ القلقِ والحزنِ على الإنسانِ بقَدْرِ ما يستطيعُ، قالَ تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِن الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ} .

وهذا الذي نفاهُ الرسولُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ هوَ تأثيرُها، ولَيْسَ المقصودُ بالنفيِ نفيَ الوجودِ، وأكثرُ ما يُبْتَلَى الإنسانُ بهذهِ الأمورِ إذا كانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا بِها؛ أمَّا إنْ كانَ مُعْتَمِدًا على اللهِ غيرَ مُبَالٍ بِها، فلا تضرُّهُ ولا تمنعُهُ عَنْ جِهةِ قصْدِهِ.

(6) قولُهُ في حديثِ أنسٍ: (( لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ ) )تقدَّمَ الكلامُ على ذلِكَ.

قولُهُ: (( وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ ) )أيْ: يسرُّني، والفألُ بَيَّنَهُ بقولِهِ: (( الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ ) ).

فَـ (الكَلمَةُ الطَّيِّبةُ) تُعْجِبُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لِمَا فيها مِنْ إدخالِ السرورِ على النفسِ والانبساطِ، والمضيِّ قُدُمًا لِمَا يَسعى إليهِ الإنسانُ، ولَيْسَ هذا مِن الطِّيَرَةِ، بَلْ هذا ممَّا يُشَجِّعُ الإنسانَ؛ لأنَّها لا تُؤَثِّرُ عليهِ بَلْ تَزِيدُهُ طُمَأْنِينَةً وإقدامًا وإقبالاً.

وظاهرُ الحديثِ: الكلمةُ الطيِّبَةُ في كلِّ شيءٍ؛

لأنَّ الكلمةَ الطَّيِّبَةَ في الحقيقةِ تفتحُ القلبَ وتكونُ سببًا لخيراتٍ كثيرةٍ، حتَّى إنَّها تُدْخِلُ المرءَ في جُمْلَةِ ذَوِي الأخلاقِ الحسنةِ.

وهذا الحديثُ جمعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فيهِ بَيْنَ مَحْذُورَيْنِ ومرغوبٍ؛ فالمحذورانَ هما العدوى والطِّيَرَةُ، والمرغوبُ هوَ الفَأْلُ، وهذا مِنْ حُسْنِ تعليمِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.

فَمَنْ ذَكَرَ المرهوبَ ينبغِي أنْ يَذْكُرَ معهُ ما يكونُ مرغوبًا، ولهذا كانَ القرآنُ مثانيَ؛ إذَا ذَكَرَ أوْصافَ المؤمنينَ ذكَرَ أوصافَ الكافرينَ، وإذا ذكَرَ العقوبةَ ذكَرَ المثوبةَ، وهكذا.

(7) قولُهُ: (عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ) صوابُهُ عَنْ عُرْوَةَ بنِ عامرٍ، كما ذكَرَهُ في (التَّيْسِيرِ) . وقد اخْتُلِفَ في نسبِهِ وصُحْبَتِهِ.

(8) وقولُهُ:

(( ذُكِرَت الطِّيَرَةُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ ) )وهذا الذِّكْرُ إمَّا ذِكْرُ شأنِها، أوْ ذِكْرُ أنَّ الناسَ يفعلونَها، والمرادُ: تحدَّثَ الناسُ بها عندَ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.

(9) قولُهُ: (( أَحْسَنُهَا الْفَأْلُ ) )سَبَقَ أنَّ الفألَ لَيْسَ مِن الطِّيَرَةِ، لكنَّهُ شبيهٌ بالطِّيَرَةِ مِنْ حيثُ الإقدامُ، فإنَّهُ يزيدُ الإنسانَ نشاطًا وإقدامًا فيما تَوَجَّهَ إليهِ، فهوَ يُشْبِهُ الطِّيَرَةَ مِنْ هذا الوجْهِ، وإلاَّ فبينَهُما فَرْقٌ؛ لأنَّ الطِّيَرَةَ تُوجِبُ تَعَلُّقَ الإنسانِ بالمُتَطَيَّرِ بهِ، وضَعْفَ تَوَكُّلِهِ على اللهِ، ورُجُوعَهُ عمَّا همَّ بِهِ مِنْ أجلِ ما رأى، لكنَّ الفألَ يَزِيدُهُ قوَّةً وثباتًا ونشاطًا، فالشبَهُ بَيْنَهُما هوَ التأثيرُ في كلٍّ منها.

قولُهُ: (( وَلاَ تَرُدُّ مُسْلِمًا ) )يُفْهَمُ مِنْهُ أنَّ مَنْ ردَّتْهُ الطِّيَرَةُ عَنْ حاجتِهِ فليسَ بمسلمٍ.

(10) قولُهُ: (( فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ ) )فحينئذٍ قدْ تَرِدُ على قلْبِهِ الطِّيَرَةُ ويبتعدُ عمَّا يُريدُ ولا يُقْدِمُ عليهِ، وقدْ ذكَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ دواءً لذلِكَ وقالَ: (( فَلْيَقُل: اللهُمَّ لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ... ) )إلخ.

قولُهُ: (( اللهُمَّ لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ ) )وهذا هوَ حقيقةُ التَّوَكُّلِ، وقولُهُ: (( اللهمَّ ) )يعني: يا اللهُ، ولهذا بُنِيَتْ على الضمِّ؛ لأنَّ المُنَادَى عَلَمٌ؛ بَلْ هوَ أَعْلَمُ الأعلامِ وأعرفُ المعارفِ على الإطلاقِ، والميمُ عوضٌ عَن الياءِ المحذوفةِ، وصارَتْ في آخرِ الكلمةِ تبَرُّكًا بالابتداءِ باسمِ اللهِ سُبْحَانَهُ وتعالى، وصارَتْ ميمًا؛ لأنَّها تدُلُّ على الجمعِ؛ فكأنَّ الداعيَ جمعَ قلبَهُ على اللهِ.

قولُهُ: (( لاَ يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إِلاَّ أَنْتَ ) )أيْ: لا يُقَدِّرُها ولا يخْلُقُها ولا يُوجِدُها للعَبْدِ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، وهذا لا يُنَافِي أنْ تكونَ الحسناتُ بأسبابٍ؛ لأنَّ خالقَ هذه الأسبابِ هوَ اللهُ، فإذا وُجِدَتْ هذه الحسناتُ بأسبابٍ خلقَها اللهُ، صارَ المُوجِدُ حقيقةً هوَ اللهَ.

والمرادُ بالحسناتِ: ما يَسْتَحْسِنُ المرءُ وُقُوعَهُ، ويَحْسُنُ في عَيْنِهِ.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام