فهرس الكتاب
الصفحة 19 من 93

9-بَابُ مَا جَاءَ فِي الذَّبْحِ لِغَيْرِ اللهِ

وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأنَا أولُ المُسْلِمِينَ} [الأَنْعَام:162،163] .

وَقَوْلِهِ: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الْكَوْثَر:2] .

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: (حَدَّثَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ:(( لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ، لَعَنَ اللهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، لَعَنَ اللهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا، لَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ ) )رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

وَعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( دَخَلَ الْجَنَّةَ رَجُلٌ فِي ذُبَابٍ وَدَخَلَ النَّارَ رَجُلٌ فِي ذُبَابٍ ) ).

قَالُوا: وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟

قَالَ: (( مَرَّ رَجُلاَنِ عَلَى قَوْمٍ لَهُمْ صَنَمٌ لاَ يَجُوزُهُ أَحَدٌ حَتَّى يُقَرِّبَ لَهُ شَيْئًا.

فَقَالُوا لأَِحَدِهِمَا: قَرِّبْ.

قَالَ: لَيْسَ عِنْدِي شَيْءٌ أُقَرِّبُهُ.

قَالُوا لَهُ: قَرِّبْ وَلَوْ ذُبَابًا، فَقَرَّبَ ذُبَابًا فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ، فَدَخَلَ النَّارَ.

وَقَالُوا لِلآخَرِ: قَرِّبْ.

فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُِقَرِّبَ لأَِحَدٍ شَيْئًا دُونَ اللهِ عَزَّ وَجَلََّ، فَضَرَبُوا عُنُقَهُ، فَدَخَلَ الْجَنَّةَ )) رَوَاهُ أَحْمَدُ.

فِيهِ مَسَائِلُ:

الأُولَى:

تَفْسِيرُ { إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي} .

الثَّانِيَةُ:

تَفْسِيرُ {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} .

الثَّالِثَةُ:

الْبَدَاءةُ بِلَعْنَةِ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ.

الرَّابِعَةُ:

لَعْنُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ، وَمِنْهُ: أَنْ تَلْعَنَ وَالِدَيِ الرَّجُلِ فَيَلْعَنَ وَالِدَيْكَ.

الْخَامِسَةُ:

لَعْنُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا: وَهُوَ الرَّجُلُ يُحْدِثُ شَيْئًا يَجِبُ فِيهِ حَقُّ اللهِ، فَيَلْتَجِئُ إِلَى مَنْ يُجِيرُهُ مِنْ ذَلِكَ.

السَّادِسَةُ:

لَعْنُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ: وَهِيَ الْمَرَاسِيمُ الَّتِي تُفَرِّقُ بَيْنَ حَقِّكَ وَحَقِّ جَارِكَ مِنَ الأَرْضِ؛ فَتُغَيِّرُهَا بِتَقْدِيمٍ أَوْ تَأْخِيرٍ.

السَّابِعَةُ:

الْفَرْقُ بَيْنَ لَعْنِ الْمُعَيَّنِ وَلَعْنِ أَهْلِ الْمَعَاصِي عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ.

الثَّامِنَةُ:

هَذِهِ الْقِصَّةُ الْعَظِيمَةُ وَهِيَ قِصَّةُ الذُّبَابِ.

التَّاسِعَةُ:

كَوْنُهُ دَخَلَ النَّارَ بِسَبَبِ ذَلِكَ الذُّبَابِ الَّذِي لَمْ يَقْصِدْهُ بَلْ فَعَلَهُ تَخَلُّصًا مِنْ شَرِّهِمْ.

الْعَاشِرَةُ:

مَعْرِفَةُ قَدْرِ الشِّرْكِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، كَيْفَ صَبَرَ ذَلِكَ عَلَى الْقَتْلِ وَلَمْ يُوَافِقْهُمْ عَلَى طِلْبَتِهِم مَعَ كَوْنِهِمْ لَمْ يَطْلُبُوا إِلاَّ الْعَمَلَ الْظَّاهِرَ.

الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ:

أَنَّ الَّذِي دَخَلَ النَّارَ مُسْلِمٌ؛ لأَِنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا لَمْ يَقُلْ: (( دَخَلَ النَّارَ فِي ذُبَابٍ ) ).

الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ:

فِيهِ شَاهِدٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (( الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ ) ).

الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ:

مَعْرِفَةُ أَنَّ عَمَلَ الْقَلْبِ هُوَ الْمَقْصُودُ الأَعْظَمُ حَتَّى عِنْدَ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ.

قولُهُ: (في الذَّبْحِ) أيْ: ذَبْحِ البهائمِ.

قولُهُ: (لغيرِ اللهِ) اللامُ للتعليلِ والقصدِ، أيْ: قاصدًا بذَبْحِهِ غيرَ اللهِ.

والذبحُ لغيرِ اللهِ ينقسمُ إلى قسميْنِ:

الأول:

أنْ يذبَحَ لغيرِ اللهِ تقرُّبًا وتعظيمًا، فهذا شِرْكٌ أكبرُ مُخرِجٌ عن المِلَّةِ.

الثاني:

أنْ يذْبحَ لغيرِ اللهِ فرَحًا وإكرامًا، فهذا لا يُخْرِجُ منَ الملَّةِ، بلْ هوَ مِن الأمورِ العاديَّةِ التي قدْ تكونُ مطلُوبةً أحيانًا وغيرَ مطلوبةٍ أحيانًا، فالأصْلُ أنَّها مُبَاحَةٌ.

ومرادُ المؤَلِّفِ هنا القسْمُ الأوَّلُ.

قولُهُ: (لغيرِ اللهِ) يشملُ الأنبياءَ، والملائكةَ، والأولياءَ وغيْرَهُم، فكلُّ مَنْ ذبحَ لغيرِ اللهِ تقرُّبًا وتعظيمًا فإنَّهُ داخلٌ في هذه الكلمةِ بأيِّ شيءٍ كانَ.

وقولُهُ في الترجمةِ: (بابُ ما جاءَ في الذَّبحِ لغيرِ اللهِ) مثلُ هذهِ الترجمةِ يُتَرْجِمُ بها العلماءُ للأمورِ التي لا يَجْزِمُونَ بحُكْمِها، أو التي فيها تفصيلٌ، وأمَّا الأمورُ التي يَجْزِمُونَ بها فإنَّهُم يقولونَ: (بابُ تحريمِ الذبحِ لغيرِ اللهِ) وهكذا.

والمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ لا شكَّ أنَّهُ يَرى تحريمَ الذَّبْحِ لغيرِ اللهِ على سبيلِ التقرُّبِ والتعظيمِ، وأنَّهُ شِرْكٌ أكبرُ، لكنَّهُ أرادَ أنْ يُمَرِّنَ الطالبَ على أخْذِ الْحُكْمِ من الدليلِ، وهذا نوعٌ من التربيةِ العلميَّةِ، أنَّ المعلِّمَ أو المؤَلِّفَ يدعُ ذكر الْحُكمَ ثمَّ يأتي بالأدِلَّةِ لأجْلِ أنْ يَكِلَ الحُكْمَ إلى الطالبِ فيَحْكُمَ بهِ على حَسَبِ ما سيقَ لهُ منْ هذهِ الأدلَّةِ.

قولُهُ: { قُلْ } الخطابُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، أيْ: قُلْ لهؤلاءِ المشركينَ مُعْلِنًا لهُمْ قيامَكَ بالتوحيدِ الخالصِ؛ إذْ هذهِ السورةُ مكِّيَّةٌ.

قولُهُ: { إِنَّ صَلاَتِي } الصلاةُ في اللغةِ: الدُّعاءُ.

وفي الشَّرْعِ: عبادةٌ للهِ ذاتُ أقوالٍ وأفعالٍ معلومةٍ، مُفْتَتَحَةٌ بالتكبيرِ، مُخْتَتَمَةٌ بالتسليمِ.

قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن في (قرة عيون الموحدين) ص 69:(وقوله: {صلاتي} يشمل الفرائض والنوافل.

والصلوات كلها عبادة، وقد اشتملت على نوعي الدعاء:

-دعاء المسألة.

-ودعاء الطلب.

فما كان فيها من السؤال، والطلب فهو دعاء مسألة، وما كان فيها من الحمد، والثناء، والتسبيح، والركوع والسجود وغير ذلك من الأركان والواجبات فهو دعاء عبادة، وهذا هو التحقيق في تسميتها صلاة؛ لأنها اشتملت على نوعي الدعاء، الذي هو صلاة لغة وشرعاً)

قولُهُ: { وَنُسُكِي } : النُّسُكُ لغةً:العبادةُ.

وفي الشَّرْعِ: ذبْحُ القُرْبانِ.

فهلْ تُحْمَلُ هذهِ الآيةُ على المعنى اللغويِّ أوْ على المعنى الشرعيِّ؟

ما جاءَ في لسانِ الشرعِ يُحْمَلُ على الحقيقةِ الشَّرعيَّةِ، كما أنَّ ما جاءَ في لسانِ العُرفِ فهوَ محمولٌ على الحقيقةِ العُرفيَّةِ.

وعلى هذا فَيُحْمَلُ النُّسُكُ في الآيةِ على المعنى الشرعيِّ.

وقيلَ:

تُحْمَلُ على المعنى اللغويِّ؛

لأنَّهُ أعمُّ، فالنُّسُكُ العبادةُ، كأنَّهُ يقولُ: أنا لا أدْعُو إلاَّ اللهَ، ولا أعْبُدُ إلاَّ اللهَ، وهذا عامٌّ للدعاءِ والتعبُّدِ.

وإذا حُمِلَتْ على المعنى الشَّرعيِّ صارتْ خاصَّةً في نوعٍ من العباداتِ، وهيَ الصَّلاةُ والنُّسُكُ، ويكونُ هذا كمثالٍ؛ فإنَّ الصلاةَ أعلى العباداتِ البدنيَّةِ، والذَّبحَ أعلى العباداتِ الماليَّةِ؛ لأنَّهُ على سبيلِ التعظيمِ فلا يقَعُ إلاَّ قُرْبَةً، هكذا قرَّرَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَةَ في هذهِ المسألةِ.

ويُحْتَاجُ إلى مناقشةٍ في مسألةِ أنَّ القُرْبانَ أعلى أنواعِ العباداتِ الماليَّةِ؛ فإنَّ الزكاةَ لا شكَّ أنَّها أعظمُ، وهيَ عبادةٌ ماليَّةٌ.

وهناكَ قولٌ ثالثٌ: أنَّ الصَّلاةَ هيَ الصلاةُ المعروفةُ شرعًا،

والنُّسُكَ العبادةُ مُطْلَقًا، ويكونُ ذِكرُ الصلاةِ بخُصُوصِها مَع دُخُولِها في مُطلقِ العبادةِ مِنْ عَطْفِ العامِّ على الخاصِّ.

قولُهُ: { مَحْيَايَ وَمَمَاتِي } أيْ: حياتِي وموْتِي، أي: التصرُّفَ فِيَّ وتدبيرَ أُمُوري حيًّا وميِّتًا للهِ.

وفي قولِهِ: { صَلاَتِي وَنُسُكِي } إثباتُ توحيدِ العبادةِ.

وفي قوْلِهِ: { مَحْيَايَ وَمَمَاتِي } إثباتُ توحيدِ الربُوبيَّةِ.

قولُهُ: { للهِ } اللهُ: عَلَمٌ على الذاتِ الإلهيَّةِ.

قولُهُ: { رَبِّ الْعَالَمِينَ } المرادُ بالعالمينَ:ما سِوى اللهِ، وسُمِّيَ بذلكَ؛ لأنَّهُ علَمٌ على خالِقِهِ.

والرَّبُّ هنا: المالكُ المُتَصَرِّفُ،

وهذهِ ربوبيَّةٌ مُطْلَقَةٌ.

قولُهُ: { لاَ شَرِيكَ لَهُ } الجملةُ حاليَّةٌ منْ قوْلِهِ: {للهِ} أيْ: حالَ كوْنِهِ لا شريكَ لهُ، واللهُ سبحانَهُ لا شريكَ لهُ في عبادَتِهِ، ولا في رُبُوبيَّتِهِ، ولا أسمائِهِ وصفاتِهِ؛ ولهذا قالَ تعالى: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } .

قولُهُ: { بذَلِكَ } الجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بأُمِرْتُ، فيكونُ دالًّا على الحَصْرِ والتخصيصِ، وإنَّما خُصَّ بذلكَ؛ لأنَّهُ أعظمُ المأموراتِ وهو الإخلاصُ للهِ تعالى ونفيُ الشِّركِ فكأنَّهُ ما أمرَ إلاَّ بهذا.

ومعلومٌ أنَّ مَنْ أخلصَ للهِ تعالى فسيقومُ بعبادةِ اللهِ سبحانَهُ وتعالى في جميعِ الأمورِ.

قولُهُ: { أُمِرْتُ } إبهامُ الفاعلِ هنا مِنْ بابِ التعظيمِ والتفخيمِ، وإلاَّ فمِن المعلومِ أنَّ الآمِرَ هوَ اللهُ تعالى.

قوْلُهُ: { وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } يحتملُ: أنَّ المُرَادَ الأوَّلِيَّةُ الزمنيَّةُ، فيتعَيَّنُ أنْ يكونَ المرادُ: أنا أوَّلُ المسلمينَ مِنْ هذهِ الأُمَّةِ؛ لأنَّهُ سبَقَهُ في الزمنِ مَنْ أسْلَمُوا.

ويَحْتَمِلُ:

أنَّ المرادَ الأوَّليَّةُ المعنوِيَّةُ؛ فإنَّ أعْظَمَ الناسِ إسلامًا وأتمَّهُم انقيادًا هوَ الرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فتكونُ الأوَّليَّةُ أوَّليَّةً مُطْلَقَةً.

قولُهُ: { الْمُسْلِمِينَ } الإسلامُ عندَ الإطلاقِ يشملُ الإيمانَ؛ لأنَّ المرادَ بهِ الاستسلامُ للهِ ظاهرًا وباطنًا، ويدلُّ لذلكَ قولُهُ تعالى: { بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ } ، وهذا إسلامُ الباطنِ.

وقوْلُهُ: { وَهُوَ مُحْسِنٌ } هذا إسلامٌ للظاهرِ، وكذا قولُهُ تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } يشملُ الإسلامَ الباطنَ والظاهرَ، وإذا ذُكِرَ الإيمانُ دخلَ فيهِ الإسلامُ، قالَ تعالى: { وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } .

ومتى وُجِدَ الإيمانُ حقًّا لَزِمَ منْ وجودِهِ الإسلامُ.

وأمَّا إذا قُرِنَا جميعًا صارَ الإسلامُ في الظاهرِ، والإيمانُ في الباطنِ،

مثلَ حديثِ جبريلَ، وفيهِ: (( أَخْبِرْنِي عَن الإسْلامِ ) )فأخْبَرَهُ عنْ أعمالٍ ظاهرةٍ، و (( أخْبِرْنِي عن الإيمانِ ) )فأخْبَرَهُ عنْ أعمالٍ باطنةٍ.

وكذا:

قولُهُ تعالى: { قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } .

والشاهدُ منْ هذهِ الآيةِ التي ذكرَها المؤلِّفُ:

أنَّ الذَّبْحَ لا بُدَّ أنْ يكونَ خالصًا للهِ.

قولُهُ:

{ فَصَلِّ } الفاءُ للسببيَّةِ عاطفةٌ على قولِهِ: { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } أيْ: بسببِ إعطائِنَا لكَ ذلكَ صَلِّ لربِّكَ وانْحَرْ شُكْرًا للهِ تعالى على هذه النعمةِ.

والمرادُ بالصلاةِ هنا الصلاةُ المعروفةُ شرْعًا.

وقولُهُ: { وَانْحَرْ } المرادُ بالنَّحْرِ الذَّبْحُ، أي: اجْعَلْ نحْرَكَ للهِ كما أنَّ صلاتَكَ لهُ، فأفادتْ هذهِ الآيةُ الكريمةُ أنَّ النَّحْرَ من العبادةِ؛ ولهذا أمرَ اللهُ بهِ وقرَنَهُ بالصلاةِ.

قال ابن تيمية: (أُمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه السورة ـ يعني الكوثر ـ بأجلّ القرب إلى الله؛ إذ الصلاة أجل العبادات البدنية، والنحر أجل العبادات المالية) ا.هـ.

كذا قال أبو العباس -رحمه الله- (وفي كون النحر أجل العبادات المالية نظر؛ لمقام الزكاة في الشرع فهي أجل) .

وقولُهُ: {وَانْحَرْ} مُطْلَقٌ، فيدخلُ فيهِ كلُّ ما ثبَتَ في الشَّرعِ مشروعيَّتُهُ للنحرِ، وهيَ ثلاثةُ أشياءَ: الأضاحيُّ، والهدايا، والعقائقُ. فهذهِ الثلاثةُ يُطْلَبُ من الإنسانِ أنْ يفعلَهَا.

أمَّا الهدايا:

فمنها واجبٌ، ومنها مُسْتَحَبٌّ.

فاالواجبُ كما في التمَتُّعِ: { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } .

وكما في المُحْصَرِ:

{ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } .

وكما في حَلْقِ الرأسِ: { فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } .

هذا إنْ صحَّ أنْ نقُولَ: إنَّها هدْيٌ، ولكن الأَوْلَى أنْ نُسَمِّيَها كما سمَّاها اللهُ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّها بمنزلةِ الكَفَّارَةِ.

وأمَّا الأضاحيُّ:

فاختلفَ العلماءُ فيها:

فمِنْهُمْ مَنْ قالَ: إنَّها واجبةٌ.

ومنهمْ مَنْ قالَ: إنَّها مُستحبَّةٌ.

وأكثرُ أهلِ العلمِ على أنَّها مستحَبَّةٌ، وأنَّهُ يُكْرَهُ للقادرِ ترْكُها.

ومذهبُ أبي حنيفةَ رَحِمَهُ اللهُ أنَّها واجبةٌ على القادرِ، واختارهُ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَةَ.

والأُضْحِيَّةُ ليْسَتْ عن الأمواتِ كما يفْهَمُهُ العوامُّ،

بلْ هيَ للأحياءِ، وأمَّا الأمواتُ فليسَ مِن المشروعِ أنْ يُضَحَّى لَهُم استقلالاً، إلاَّ إنْ أَوْصَوْا بهِ فعلَى ما أَوْصَوْا بهِ؛ لأنَّ ذلكَ لم يَرِدْ عن الرسولِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.

وأمَّا العقيقةُ:

وهيَ التي تُذْبَحُ عن المولودِ في يومِ سابعِهِ، إنْ كانَ ذكرًا فاثنتانِ، وإنْ كانَت أُنْثى فواحدةٌ،

وتُجزِئُ الواحدةُ معَ الإعسارِ في الذُّكورِ، وهيَ سُنَّةٌ عندَ أكثرِ أهلِ العلمِ.

وقالَ بعضُ أهلِ العلمِ:

إنَّها واجبةٌ؛ لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: (( كُلُّ غُلاَمٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ ) ).

قوْلُهُ: (كلماتٍ) جمعُ كلمةٍ، والكلمةُ في اصطلاحِ النحوِيِّينَ: القولُ المُفْرَدُ.

أمَّا باعتبارِ اللغةِ: فهيَ لكلِّ ما أفادَ، قالَ الرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ:

(( أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ: أَلاَ كُلُّ شَيْءٍ ما خَلاَ اللهَ بَاطِلُ ) ).

وقالَ تعالى: { كَلاَّ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا } وهيَ قوْلُهُ: { رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ } .

قالَ شيخُ الإسلامِ:

(لا تُطْلَقُ الكلمةُ في اللغةِ العربيَّةِ إلاَّ على الجملةِ المفيدةِ) .

قولُهُ:

(( لَعَنَ اللهُ ) )اللعنُ مِن اللهِ: الطَّرْدُ والإبعادُ عنْ رحمةِ اللهِ.

فإذا قيلَ:لعَنَهُ اللهُ، فالمعنى: طرَدَهُ وأبْعَدَهُ عنْ رحْمَتِهِ.

وإذا قيلَ:

اللهُمَّ الْعَنْ فلانًا،

فالمعنى: أبْعِدْهُ عنْ رحْمَتِكَ، واطْرُدْهُ عنها.

وقولُهُ: (( لَعَنَ ) )يُحْتَمَلُ أنْ تكونَ الجملةُ خبريَّةً، وأنَّ الرسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُ أنَّ اللهَ لَعَنَ مَنْ ذَبَحَ لغيرِ اللهِ.

ويُحْتَمَلُ أنْ تكونَ إنشائِيَّةً بلفظِ الخبرِ، أي: اللهُمَّ الْعَنْ مَنْ ذَبَحَ لغيرِ اللهِ، والخبرُ أبْلَغُ؛ لأنَّ الدعاءَ قدْ يُسْتَجَابُ، وقدْ لا يُسْتَجَابُ.

قولُهُ: (( مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ ) )عامٌّ يشملُ مَنْ ذبح بعيرًا، أوْ بقرةً، أوْ دَجَاجةً، أوْ غيْرَهَا.

قولُهُ: (( لِغَيْرِ اللهِ ) )يشملُ كلَّ مَنْ سِوى اللهِ، حتَّى لوْ ذَبَحَ لنبيٍّ، أوْ مَلَكٍ، أوْ جِنِّيٍّ، أوْ غيْرِهِم.

قولُهُ:

(( والِدَيْهِ ) )يشملُ الأبَ والأُمَّ، ومَنْ فوْقَهُما؛ لأنَّ الجدَّ أَبٌ، كما أَنَّ أولادَ الابنِ والبنتِ أبناءٌ.

والمسألةُ هنا ليسَتْ ماليَّةً، بلْ هيَ من الحقوقِ، ولَعْنُ الأدْنَى أشدُّ منْ لعْنِ الأعلى؛ لأنَّهُ أوْلَى بالبِرِّ.

قولُهُ: (( مَنْ لَعَنَ والِدَيْهِ ) )أيْ: سبَّهُما وشتَمَهُمَا، فاللَّعْنُ مِن الإنسانِ السبُّ والشتْمُ، فإذا سَبَبْتَ إنسانًا أوْ شتَمْتَهُ فهذا لَعْنُهُ؛ لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قيلَ لهُ: كيفَ يَلْعَنُ الرجلُ والديْهِ؟

قالَ: (( يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ ) ).

وأخذَ الفقهاءُ منْ هذا الحديثِ قاعدةً وهيَ: (أنَّ السبَبَ بمنزلةِ المباشرةِ في الإثمِ، وإنْ كانَ يُخالِفُهُ في الضمانِ على تفصيلٍ في ذلكَ عندَ أهلِ العلمِ) .

قولُهُ:

(( مَنْ آوَى مُحْدِثًا ) )أيْ: ضَمَّهُ إليهِ وحمَاهُ، والإِحْدَاثُ: يشملُ الإحداثَ في الدِّينِ كالبِدَعِ التي أحْدَثَها الجَهْمِيَّةُ والمعتزِلَةُ، وغيْرُهُم.

والإحداثُ في الأمرِ:

أيْ: في شُئُونِ الأُمَّةِ، كالحدودِ وشَبَهِها، فمَنْ آوَى مُحْدِثًا فهوَ ملعونٌ، وكذا مَنْ ناصَرَهُمْ؛ لأنَّ الإيواءَ هوَ كفُّ الأذى عنْهُ، فمَنْ ناصَرَهُ فهوَ أشدُّ وأعظمُ.

والمُحْدِثُ أشدُّ منهُ؛ لأنَّهُ إذا كانَ إيوَاؤُهُ سببًا للَّعْنَةِ فإنَّ نفْسَ فعْلِهِ جُرمٌ أعظمُ.

ففيهِ التحذيرُ من البدعِ والإحداثِ في الدِّينِ،

قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (( إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثاتِ الأُمُورِ؛ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ ) )وظاهرُ الحديثِ: ولَوْ كانَ أمْرًا يسيرًا.

قولُهُ:

(( مَنَارَ الأَرْضِ ) )أيْ: علامَاتِها ومَرَاسِيمَها التي تُحَدِّدُ بينَ الجيرانِ، فمَنْ غيَّرَها ظُلْمًا فهوَ ملعونٌ، وما أكثرَ الذينَ يُغَيِّرونَ منارَ الأرضِ، لا سيَّمَا إذا زادَتْ قيمَتُها، وما عَلِمُوا أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: (( مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الأَرْضِ ظُلْمًا طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ ) )فالأمرُ عظيمٌ معَ أنَّ هذا الذي يقْتَطِعُ مِن الأرضِ ويُغَيِّرُ المنارَ ويأخذُ ما لا يستحقُّ، لا يدْرِي، قدْ يستفيدُ منها في دُنْيَاهُ، وقدْ يَمُوتُ قبْلَ ذلكَ، وقدْ يُسَلَّطُ عليهِ آفَةٌ تَأْخُذُ ما أَخَذَ.

فالحاصلُ:

أنَّ هذا دليلٌ على أنَّ تغييرَ منارِ الأرضِ مِنْ كبائرِ الذنوبِ، ولهذا قَرَنَهُ اللهُ تعالى بالشِّركِ وبالعقوقِ وبالإحداثِ، ممَّا يدلُّ على أنَّ أمْرَهُ عظيمٌ، وأنَّهُ يجِبُ على المرْءِ أنْ يَحْذَرَ منهُ، وأنْ يخافَ اللهَ سبحانَهُ وتعالى حتَّى لا يَقَعَ فيهِ.

قولُهُ:

(( فِي ذُبَابٍ ) )في للسببيَّةِ، وليسَتْ للظرْفِيَّةِ، أيْ: بسببِ ذُبابٍ. ونظيرُهُ قولُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( دَخَلَتِ النَّارَ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا... ) )الحديثَ، أيْ: بسببِ هِرَّةٍ.

قولُهُ:

(( فَدَخَلَ النَّارَ ) )معَ أنَّهُ ذبحَ شيئًا حقيرًا لا يُؤْكَلُ، لكنْ لمَّا نوى التقَرُّبَ بهِ إلى هذا الصنَمِ صارَ مُشرِكًا فدخلَ النارَ.

فيهِ مسائلُ:

الأولى:

(تفسيرُ { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي } )

وقدْ سبَقَ ذلكَ في أوَّلِ البابِ.

الثانيةُ:

(تفسيرُ { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } ) وقدْ سبقَ ذلكَ في أوَّلِ البابِ.

الثالثةُ: (البدَاءةُ بلَعْنَةِ مَنْ ذبَحَ لغيرِ اللهِ)

بدأَ بهِ؛ لأنَّهُ مِن الشركِ، واللهُ إذا ذَكَرَ الحقوقَ يَبْدَأُ أوَّلاً بالتوحيدِ؛ لأنَّ حقَّ اللهِ أعظمُ الحقوقِ، قالَ تعالى: { وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } وقالَ تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } وينْبَغِي أنْ يبْدَأَ في المناهي والعقوباتِ بالشركِ وعقوبَتِهِ.

الرابعةُ:

(لعْنُ مَنْ لَعَنَ والدَيْهِ) ولعنُ الرجُلِ للرجلِ لهُ معنيانِ:

الأوَّلُ:

الدعاءُ عليهِ باللعنِ.

الثاني:

سبُّهُ وشتْمُهُ؛

لأنَّ الرسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فسَّرَهُ بقوْلِهِ: (( يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ ) ).

الخامسةُ: (لعْنُ مَنْ آوَى مُحدِثًا)

وقدْ سبقَ أنَّهُ يشملُ الإحداثَ في الدِّينِ والحدود، فمَنْ آوى مُحْدِثًا ببدعةٍ فهو داخلٌ في ذلكَ، ومَنْ آوى محدِثًا بجريمةٍ فهو داخلٌ في ذلكَ.

السادسةُ: (لعْنُ مَنْ غيَّرَ منارَ الأرضِ)

وسواءٌ كانتْ بيْنَكَ وبينَ جارِكَ، أوْ بيْنَكَ وبينَ السُّوقِ مثلاً؛ لأنَّ الحديثَ عامٌّ.

السابعةُ:

(الفرقُ بينَ لعْنِ المُعَيَّنِ ولعْنِ أهلِ المعاصي على سبيلِ العُمومِ) فالأَوَّلُ ممنوعٌ، والثاني جائزٌ، فإذا رأَيْتَ مَنْ آوى محْدِثًا فلا تقُلْ: لعَنَكَ اللهُ، بلْ قُلْ: لعنَ اللهُ مَنْ آوى مُحدِثًا على سبيلِ العمومِ، والدليلُ على ذلكَ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لمَّا صارَ يَلْعَنُ أُنَاسًا مِن المشركينَ مِنْ أهلِ الجاهليَّةِ بقوْلِهِ: (( اللهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا ) )نُهِيَ عَن ذلكَ بقوْلِهِ تعالى: { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } .

فالمُعَيَّنُ ليسَ لكَ أنْ تَلْعَنَهُ،

وكَمْ منْ إنسانٍ صارَ على وصْفٍ يستحقُّ بهِ اللعنةَ ثمَّ تابَ فتابَ اللهُ عليهِ، إذَنْ يُؤْخَذَ هذا مِنْ دليلٍ مُنْفَصِلٍ، وكأنَّ المُؤَلِّفَ رحِمَهُ اللهُ قالَ: الأصلُ عدمُ جوازِ إطلاقِ اللعنِ، فجاءَ هذا الحديثُ لاعنًا للعمومِ، فيبقى الخصوصُ على أصْلِهِ؛ لأنَّ المسلمَ ليسَ بالطَّعَّانِ ولا باللَّعَّانِ، والرسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ليسَ طَعَّانًا ولا لعَّانًا، ولعلَّ هذا وجهُ أخْذِ الحُكْمِ مِن الحديثِ، وإلاَّ فالحديثُ لا تَفْرِيقَ فيهِ.

الثامنةُ: (هذهِ القصَّةُ العظيمةُ وهيَ قصَّةُ الذُّبابِ)

كأنَّ المؤلِّفَ رحِمَهُ اللهُ يُصَحِّحُ الحديثَ، ولهذا بَنى عليهِ حُكْمًا، والحكْمُ المأخوذُ مِنْ دليلٍ فرعٌ عنْ صِحَّتِهِ، والقصَّةُ معروفةٌ.

التاسعةُ: (كوْنُهُ دخلَ النارَ بسببِ ذلكَ الذُّبابِ الذي لمْ يَقْصِدْهُ، بلْ فَعَلَهُ تخلُّصًا مِنْ شَرِّهِمْ)

هذهِ المسألةُ ليسَتْ مُسَلَّمَةً؛ فإنَّ قولَهم: قَرِّبْ ولوْ ذبابًا، يقتضي أنَّهُ فعَلَهُ قاصدًا التقرُّبَ، أمَّا لوْ فعَلَهُ تخلُّصًا مِنْ شرِّهم فإنَّهُ لا يَكْفُرُ لعدمِ قصْدِ التقَرُّبِ؛ ولهذا قالَ الفقهاءُ: لوْ أُكْرِهَ على طلاقِ امرَأَتِهِ فطَلَّقَ تبَعًا لقولِ المُكْرِهِ لمْ يَقَع الطلاقُ، فإنْ قصدَ الطلاقَ فإنَّ الطلاقَ يقعُ، وإنْ طلَّقَ دَفْعًا للإكراهِ لم يَقَعْ، وهذا حقٌّ لقوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ) ).

وظاهرُ القصَّةِ

أنَّ الرجلَ ذَبَحَ بنيَّةِ التقرُّبِ؛ لأنَّ الأصلَ أنَّ فِعْلاً بُنِيَ عَلى طَلَبٍ يكونُ مُوافِقًا لهذا الطلبِ.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام