15 -بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سَبَأٌ:23] .
فِي (الصَّحِيحِ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (( إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خَضَعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُ السَّمْعِ، وَمُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذَا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ، وَصَفَهُ سُفْيَانُبِكَفِّهِ، فَحَرَفَهَا وَبَدَّدَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَيَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، ثُمَّ يُلْقِيهَا الآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ، حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوِ الْكَاهِنِ، فَرُبَّمَا أَدْرَكَهُ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا، وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ، فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ، فَيُقَالُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا: كَذَا وَكَذَا؟ فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ ) ).
وَعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (( إِذَا أَرَادَ اللهُ تَعَالَى أَنْ يُوحِيَ بِالأَمْرِ، تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ أَخَذَتِ السَّمَاوَاتِ مِنْهُ رَجْفَةٌ، أَوْ قَالَ: رِعْدَةٌ شَدِيدَةٌ، خَوْفًا مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صَعِقُوا وَخَرُّوا للهِ سُجَّدًا، فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جِبْرِيلُ، فَيُكَلِّمُهُ اللهُ مِنْ وَحْيِهِ بِمَا أَرَادَ، ثُمَّ يَمُرُّ جِبْرِيلُ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ، كُلَّمَا مَرَّ بِسَمَاءٍ سَأَلَهُ مَلاَئِكَتُهَا: مَاذَا قَالَ رَبُّنَا يَاجِبْرِيلُ؟
فَيَقُولُ: قَالَ الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ، فَيَقُولُونَ كُلُّهُمْ مِثْلَ مَا قَالَجِبْرِيلُ،فَيَنْتَهِي جِبْرِيلُبِالْوَحْيِ إِلَى حَيْثُ أَمَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ )) .
فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى:
تَفْسِيرُ الآيَةِ.
الثَّانِيَةُ:
مَا فِيهَا مِنَ الْحُجَّةِ عَلَى إِبْطَالِ الشِّرْكِ خُصُوصًا مَنْ تَعَلَّقَ عَلَى الصَّالِحِينَ، وَهِيَ الآيَةُ الَّتِي قِيلَ: إِنَّهَا تَقْطَعُ عُرُوقَ شَجَرَةِ الشِّرْكِ مِنَ الْقَلْبِ.
الثَّالِثَةُ:
تَفْسِيرُ قَوْلِهِ: {قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} .
الرَّابِعَةُ:
سَبَبُ سُؤَالِهِمْ عَنْ ذَلِكَ.
الْخَامِسَةُ:
أَنَّ جِبْرِيلَ يُجِيبُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:
(( قَالَ: كَذَا وَكَذَا ) ).
السَّادِسَةُ:
ذِكْرُ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جِبْرِيلُ.
السَّابِعَةُ:
أَنَّهُ يَقُولُ لأَِهْلِ السَّمَاوَاتِ كُلِّهِمْ؛
لأَِنَّهُمْ يَسْأَلُونَهُ.
الثَّامِنَةُ:
أَنَّ الْغَشْيَ يَعُمُّ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ كُلَّهُمْ.
التَّاسِعَةُ:
ارْتِجَافُ السَّمَاوَاتِ لِكَلاَمِ اللهِ.
الْعَاشِرَةُ:
أَنَّ جِبْرِيلَ هُوَ الَّذِي يَنْتَهِي بِالْوَحْيِ
إِلَى حَيْثُ أَمَرَهُ اللهُ.
الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ:
ذِكْرُ اسْتِرَاقِ الشَّيَاطِينِ.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ:
صِفَةُ رُكُوبِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا.
الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ:
إِرْسَالُ الشُّهُبِ.
الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ:
أَنَّهُ تَارَةً يُدْرِكُهُ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا
وَتَارَةً يُلْقِيهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ مِنَ الإِنْسِ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ.
الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ:
كَوْنُ الْكَاهِنِ يَصْدُقُ بَعْضَ الأَحْيَانِ.
السَّادِسَةَ عَشْرَةَ:
كَوْنُهُ يَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ.
السَّابِعَةَ عَشْرَةَ:
أَنَّهُ لَمْ يُصَدَّقْ كَذِبُهُ إِلاَّ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ.
الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ:
قَبُولُ النُّفُوسِ الْبَاطِلَ:
كَيْفَ يَتَعَلَّقُونَ بِوَاحِدَةٍ وَلاَ يَعْتَبِرُونَ بِمِائَةٍ.
التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ:
كَوْنُهُمْ يَتَلَقَّى بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ تِلْكَ الْكَلِمَةَ ويَحْفَظُونَهَا وَيَسْتَدِلُّونَ بِهَا.
الْعِشْرُونَ:
إِثْبَاتُ الصِّفَاتِ خِلاَفًا لِلأَشْعَرِيَّةِ الْمُعَطِّلَةِ.
الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ:
التَّصْرِيحُ بِأَنَّ تِلْكَ الرَّجْفَةَ وَالغَشْيَ خَوْفًا مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ.
الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ:
أَنَّهُمْ يَخِرُّونَ للهِ سُجَّدًا.
مناسبةُ الترجمةِ:
أنَّ هذا مِن البراهينِ الدَّالَّةِ على أنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ أحدٌ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا مَعَ اللهِ؛
لأنَّ الملائكةَ وَهُمْ أَقْرَبُ ما يكونُ من الخلقِ للهِ عزَّ وجلَّ، مَا عدا خَوَاصَّ بَنِي آدمَ، يَحْصُلُ مِنْهم عِندَ كَلاَمِ اللهِ سُبْحَانَهُ الفزَعُ.
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله في (شرح التوحيد) ص265:
(أراد
المصنف رحمه الله بهذه الترجمة بيان حال الملائكة الذين هم أقوى وأعظم من عُبد من دون الله، فإذا كان هذا حالهم مع الله تعالى، وهيبتهم منه، وخشيتهم له، فكيف يدعوهم أحد من دون الله؟
ففيه الرد على جميع فرق المشركين الذين يدعون مع الله من لا يداني الملائكة، ولا يساويهم في صفة من صفاتهم)
قولُهُ تَعَالَى:
{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} قالَ ذلكَ ولَمْ يَقُلْ: فَزِعَتْ قُلُوبُهم؛ إذْ عنْ تُفِيدُ المُجَاوَزَةَ.
والمعْنَى: جَاوَزَ الفَزَعُ قُلُوبَهُم؛ أيْ: أُزِيلَ الفَزَعُ عنْ قُلُوبِهِم.
والفَزَعُ:
الخوفُ المُفَاجِئُ؛ لأنَّ الخوفَ المُسْتَمِرَّ لا يُسمَّى فَزَعًا.
وأصْلُهُ:
النُّهوضُ مِن المَخُوفِ.
وقولُهُ: {عَنْ قُلُوبِهِمْ} أيْ: قُلُوبِ المَلاَئكةِ؛ لأنَّ الضميرَ يَعودُ عليهم؛ بدليلِ ما سَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرةَ، وَلاَ أَحَدَ مِن الخَلْقِ أَعْلَمَ بتَفْسيرِ القرآنِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ. قال ابن عطية: (وهذا الذي تظاهرت عليه الأحاديث الصحيحة) .
وقال ابن كثير: (هذا هو الحق الذي لا مرية فيه، وتظاهرت عليه الأحاديث والآثار)
قولُهُ: {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} جَوابُ الشَّرْطِ.
والمعنَى: قالَ بعضُهم لبعضٍ.
وإنَّما قُلْنا ذلكَ؛ لأنَّ في الكلامِ قائلاً ومَقُولاً لهُ، فلوْ جَعَلْنا الضميرَ في {قَالُوا} عَائدًا عَلَى الجَمِيعِ، فأينَ المقولُ لهُ؟
والمعنَى: أيُّ شيءٍ قالَ رَبُّكم؟
وقولُهُ: {قَالُوا الْحَقَّ} أيْ: قالَ المَسْئُولُونَ.
و {الحقَّ} صِفَةٌ لمصدرٍ مَحْذُوفٍ مَعَ عامِلِهِ، والتقديرُ: قالَ القولَ الحقَّ.
والمعنى: أنَّ اللهَ سُبْحانَهُ قالَ القولَ الحقَّ؛ لأنَّهُ سُبْحانَهُ هوَ الحقُّ، ولا يَصْدُرُ عنهُ إلاَّ الحقُّ، ولا يقولُ ولا يَفْعَلُ إلاَّ الحقَّ.
والحقُّ في الكلامِ
: هوَ الصِّدقُ في الأخبارِ، والعدلُ في الأحكامِ، كما قالَ اللهُ تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} .
ولا يُفْهَمُ منْ قولِهِ: {قَالُوا الْحَقَّ} أنَّهُ قدْ يكونُ قولُهُ باطلاً، بلْ هوَ بيانٌ للواقعِ.
فإنْ قيلَ: ما دامَ بيانًا للواقعِ ومَعْرُوفًا عندَ الملائِكَةِ أنَّهُ لا يَقُولُ إلاَّ الحقَّ، فلماذا الاستفهامُ؟
أُجِيبُ:
أنَّ هذا مِنْ بابِ الثناءِ عَلَى اللهِ بِمَا قالَ،
وأنَّهُ سبحانَهُ لا يقولُ إلاَّ الحقَّ.
قولُهُ تَعَالَى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} أي: العَلِيُّ في ذاتِهِ وصفاتِهِ.
والكبيرُ: ذُو الكِبْرِياءِ،
وهيَ العَظَمَةُ التي لا يُدانِيها شَيءٌ؛ أي: العَظِيمُ الذي لاَ أعَظَمَ منهُ.
والعُلُوُّ قسمانِ:
الأوَّلُ:
عُلُوُّ
الصفاتِ.
وقَدْ أَجْمَعَ عليهِ كلُّ مَنْ يَنْتَسِبُ للإسلامِ حتَّى الجَهْمِيَّةُ ونَحْوُهم.
الثاني:
عُلُوَّ الذاتِ.
وقَدْ أنكرَهُ كثيرٌ مِن المُنْتَسِبينَ للإسلامِ مثلُ الجَهْمِيَّةِ وبَعْضِ الأشاعرةِ غيرِ المُحَقِّقينَ منهم؛ فإنَّ المُحَقِّقينَ منهم أَثْبَتُوا عُلُوَّ الذاتِ.
وعُلُوُّهُ لا يُنَافِي كونَهُ معَ الخلقِ يَعلَمُهُم ويَسْمَعُهُم ويَرَاهُم؛
لأنَّهُ لَيْسَ كمثلِهِ شيءٌ في جميعِ صفاتِهِ.
ومناسبةُ الآيَةِ للتوحيدِ: أنَّهُ إذا كانَ مُنْفَرِدًا في العَظَمَةِ والكِبْرِياءِ
فَيَجِبُ أنْ يكونَ مُنْفرِدًا في العبادةِ.
قولُهُ:
(( قَضَى اللهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ) )المُرادُ بالأمرِ الشأنُ، ويكونُ القَضاءُ بالقَوْلِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا قَضَى اللهُ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكونُ} .
قولُهُ: (( خُضْعَانًا ) )أيْ: خُضُوعًا لِقَوْلِهِ.
قولُهُ:
(( صَفْوَانٍ ) )هوَ الحَجَرُ الأمْلَسُ الصُّلْبُ، والسِّلْسِلَةُ عليهِ يكونُ لها صَوْتٌ عظيمٌ.
قولُهُ:
(( يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ ) )النفوذُ: هوَ الدخولُ في الشَّيءِ، ومنهُ: نَفَذَ السَّهْمُ الرَّمِيَّةَ؛ أيْ: دخَلَ فيها.
والمعنَى: أنَّ هذا الصوتَ يَبْلُغُ مِنْهم كُلَّ مَبْلَغٍ.
قَوْلُهُ:
{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} أيْ: أُزيلَ عنها الفزعُ.
قولُهُ: {قَالُوا} أيْ: قالَ بعضُهُم لبعضٍ.
قولُهُ: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ} أيْ: قالُوا: قالَ الحقَّ؛ أيْ: قالَ القولَ الحقَّ، فالحقُّ صفةٌ لمصدرٍ محذوفٍ معَ عاملِهِ، تقديرُهُ: قالَ القولَ الحقَّ.
وهذا القولُ الذِي يَقُولُونَهُ هلْ هُمْ يَقُولُونَهُ لأنَّهم سَمِعُوا ما قالَ وعَلِمُوا أنَّهُ حقٌّ، أوْ أنَّهم كانُوا يَعْلَمُونَ أنَّهُ لا يَقُولُ إلاَّ الحقَّ؟
يَحْتَمِلُ أنْ يَكُونُوا قَدْ عَلِمُوا ما قالَ
، وقَالُوا: إنَّهُ الحقُّ، فيكونُ هذا عائدًا إلى الوَحْيِ الذِي تَكَلَّمَ اللهُ بهِ.
ويَحْتَمِلُ أنَّهم قَالُوا ذلكَ لعِلْمِهم أنَّ اللهَ سبحانَهُ لا يقولُ إلاَّ الحقَّ
، فلذلكَ قَالُوا هذا؛ لأنَّ ذلكَ صِفَتُهُ سبحانَهُ وتَعَالَى.
وهذا الحديثُ مُطَابِقٌ للآيَةِ تمامًا.
وعَلَى هذا يَجِبُ أنْ يَكُونَ هذا تفسيرَ الآيَةِ، ولا يُقْبَلُ لأَيِّ قَائلٍ أنْ يُفَسِّرَها بغيرِهِ؛ لأنَّ تَفْسِيرَ القرآنِ إذا كانَ بالقرآنِ أو السُّنَّةِ فإنَّهُ نَصٌّ لاَ يُمْكنُ لأحدٍ أنْ يَتَجَاوَزَهُ.
قولُهُ:
(( فَيَسْمَعُهَا مُستَرِقُ السَّمْعِ ) )أيْ: هذِهِ الكلمةَ التي تكلَّمَتْ بِها الملائكةُ.
و (( مُسْتَرِقُ ) )مُفْرَدٌ مضافٌ، فَيَعُمُّ جَمِيعَ المُسْتَرِقينَ.
وتأمَّلْ كلمةَ: (يَسْتَرِقُ) ففيها دليلٌ عَلَى أنَّهُ يُبادِرُ فيَخْتَلِسُها اخْتِلاَسًا بِسُرْعَةٍ.
ويُؤيِّدُهُ قولُهُ: {إلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} .
قولُهُ:
(( وَمُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذَا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ ) )يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ هذا مِنْ كَلامِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ، أوْ مِنْ كَلاَمِ أَبِي هُرَيْرةَ، أوْ مِنْ كلامِ سُفْيَانَ، والأصل كونها من كلامه صلى الله عليه وسلم.
قولُهُ:(وَصَفَهُ
سُفْيَانُ بِكَفِّهِ)أيْ: أنَّها واحدٌ فَوْقَ الثاني؛ أي: الأَصَابِعُ، فَالْجِنُّ يَتَرَاكَبُونَ واحدًا فوقَ الآخرِ، إلى أنْ يَصِلُوا إلى السَّماءِ فَيَقْعُدُونَ، لكلِّ واحدٍ مَقْعَدٌ خاصٌّ، قالَ تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا} .
قولُهُ:
(( فَيَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ ) )أيْ: يَسْمَعُ أعْلَى المُسْتَرِقِينَ الكَلِمَةَ فَيُلْقِيها إلى مَنْ تحتَهُ؛ ويُخْبِرُهُ بِها.
و (( مَن ) )اسمٌ مَوْصولٌ، وقولُهُ: (( تَحْتَهُ ) )شِبْهُ جُمْلَةٍ صلةُ الموصولِ؛ لأنَّهُ ظَرْفٌ.
قولُهُ:
(( ثُمَّ يُلْقِيهَا الآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ حَتَّى يُلْقِيَهَا ) )أيْ: يُلْقِيَ الكَلِمَةَ آخِرُهُم الذي في الأرضِ عَلَى لسانِ السَّاحرِ أو الكاهنِ.
والسَّحَرةُ قَدْ يكونُ لَهُمْ مِن الْجِنِّ مَنْ يَسْتَرِقُ لَهُم السَّمْعَ.
ولا يَصِلُ هؤلاءِ المُسْتَرِقُونَ إلاَّ إلى السَّماءِ الدُّنيا؛
لقولِهِ تعالى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا} ، فلا يُمْكِنُ نُفُوذُهُ إلى مَا فَوْقَ.
قولُهُ:
(( فَرُبَّمَا أَدْرَكَهُ الشِّهَابُ ) )إلخ.
الشِّهابُ:
جُزْءٌ مُنْفَصِلٌ مِن النُّجومِ ثاقبٌ قَوِيٌّ يَنْفُذُ فيما يَصْطَدِمُ بهِ
قالَ العلماءُ في تفسيرِ قولِهِ تعالى: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ} أيْ: جَعَلْنا شِهَابَهَا الذي يَنْطَلِقُ منها. فهذا مِنْ بابِ عَوْدِ الضميرِ إلى الجُزْءِ لا إلى الكُلِّ.
فالشُّهُبُ:
نَيَازِكُ تَنْطَلِقُ مِن النُّجومِ.
وهيَ كمَا قالَ أهلُ الفَلَكِ: تَنْزِلُ إلى الأرضِ، وقدْ تُحدِثُ تصدُّعًا فيها.
أمَّا النَّجْمُ فَلَوْ وَصَلَ إلى الأرضِ لأَحْرَقَها.
واخْتَلَفَ العلماءُ، هل المُسْتَرِقُونَ انقَطَعُوا عن الاسْتِرَاقِ بَعْدَ بَعْثَةِ الرسولِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ إلى الأبدِ، أو انْقَطَعُوا في وَقْتِهِ فقطْ؟
والثاني:
هوَ الأقربُ، أنَّهم انْقَطَعُوا في وقتِ البعثةِ فقطْ،
حتَّى لا يَلْتَبِسَ كلامُ الكُهَّانِ بالوَحْيِ. ثمَّ بعدَ ذلكَ زالَ السببُ الذي مِنْ أجْلِهِ انقَطَعوا.
قولُهُ:
(( فَيَكْذِبُ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ ) )هلْ هذا على سبيلِ التَّحْدِيدِ؟
أو المُرَادُ المبالغةُ؛ أيْ: أنَّهُ يَكْذِبُ مَعَها كَذَبَاتٍ كثيرةً؟
الثاني:
هوَ الأقربُ، وقدْ تزيدُ عنْ ذلكَ وقدْ تَنْقُصُ.
(( فَيُقَالُ: أليسَ قدْ قالَ لنا يومَ كذا وكذا: كذا وكذا؟ ) )
والنَّاسُ في هذهِ الأمورِ الغَرِيبةِ عَلَى حَسَبِ ما أَخْبَرَ بهِ المُخْبِرُ، يَأْخُذُونَ كلَّ ما يقولُهُ صِدْقًا، فإذا أَخْبَرَ بشيءٍ فوقَعَ، ثُمَّ أَخْبَرَ بشيءٍ قَالُوا: إذنْ لا بُدَّ أنْ يَصْدُقَ.
قولُهُ:(وعَن
النَّوَّاسِ...)هذا الحديثُ لمْ يُخَرِّجْهُ المُؤَلِّفُ، لكنْ ذَكَرَهُ ابنُ كثيرٍ مِنْ رِوايَةِ ابنِ أَبِي حَاتِمٍ، وذَكَرَ فيهِ عِلَّةً، وهيَ أنَّ في سَنَدِهِ الوليدَ بنَ مسلمٍ وهوَ مُدَلِّسٌ، وقَدْ رَواهُ عنْ شَيْخِهِ بِالْعَنْعَنَةِ، فيكونُ في الحديثِ ضَعْفٌ.
إلاَّ أنَّهُ قدْ رَوَى مُسْلِمٌ وأحمدُ مِنْ حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ حديثًا قدْ يكونُ شَاهِدًا لهُ؛ حيثُ أَخْبَرَ أنَّ اللهَ إذا تَكَلَّمَ بالوحيِ سَمِعَهُ حملةُ العرشِ فسبَّحُوا، ثمَّ سَمِعَهُ أهلُ كلِّ سماءٍ فيُسَبِّحُونَ كَمَا سَبَّحَ أهلُ السماءِ السابعةِ، حَتَّى يَصِلَ إلى السماءِ الدُّنيا فَتَخْطَفُهُ الجنُّ أو الشياطينُ.
وهذَا وإنْ لَمْ يَكُنْ فيهِ ذِكْرُ رَجْفَةِ السَّماءِ أو السجودِ، لكنْ يَدُلُّ عَلَى أنَّ لهُ أصلاً.
قولُهُ:
(( إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوحِيَ بِالأَمْرِ ) )أيْ: بالشَّأْنِ.
قولُهُ:
(( تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ ) )جملةٌ شرطيَّةٌ تَقْتَضِي تأَخُّرَ المشروطِ عن الشرطِ، فالإرادةُ سابقةٌ، والكلامُ لاحقٌ، فيكونُ فيهِ ردٌّ عَلَى الأشاعرةِ الذينَ يَقُولونَ: إنَّ اللهَ لا يَتَكَلَّمُ بإرادةٍ، وأنَّ كَلامَهُ أَزَلِيٌّ كالسَّمْعِ والبَصَرِ، ففيهِ إثباتُ الكلامِ الحادِثِ، ولا يَنْقُصُ كمالُ اللهِ إذا قُلْنا: إنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَا شَاءَ، كيفَ شاءَ، مَتَى شاءَ.
بلْ هوَ صفةُ كمالٍ،
لكنَّ النقصَ أنْ يُقالَ: إنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ بِحَرْفٍ وصَوْتٍ، إنَّما الكلامُ معنًى قائمٌ بنفسِهِ.
قولُهُ:
(( أَوْ قَالَ: رِعْدَةٌ شَدِيدَةٌ ) )شَكٌّ مِن الرَّاوِي، وإنَّما تَأْخُذُ السَّماوَاتِ الرَّجْفَةُ أو الرِّعْدَةُ؛ لأنَّهُ سُبحانَهُ عظيمٌ يَخَافُهُ كُلُّ شَيْءٍ، حَتَّى السَّماواتُ.
قولُهُ:
(( فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صُعِقُوا وَخَرُّوا للهِ سُجَّدًا ) )فإنْ قيلَ: كَيْفَ يُمْكِنُ أنْ يُصْعَقُوا وَيَخِرُّوا سُجَّدًا؟
فالجوابُ:
أنَّ الصَّعْقَ هنا -واللهُ أعْلَمُ- يكونُ قبلَ السجودِ،
فإذا أَفَاقُوا سَجَدُوا.
قولُهُ:
(( فَيَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جِبْرِيلُ ) ).
أَوَّلَ )) بالنَّصْبِ خبرٌ مُقَدَّمٌ، وَ (( جِبْرِيلُ ) )بالرَّفْعِ اسمُ يكونُ مُؤَخَّرٌ.
قولُهُ:
(( بِمَا أَرَادَ ) )أيْ: بِمَا شَاءَ؛ لأنَّ اللهَ تعالى يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئةٍ.
قولُهُ:
(( ثُمَّ يَمُرُّ جِبْرِيلُ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ ) )لأنَّهُ يُرِيدُ النُّزُولَ مِنْ عندِ اللهِ إلى حيثُ أَمَرَهُ اللهُ أنْ يَنْتَهِيَ إليهِ بالوَحْيِ.
قولُهُ:
(( قَالَ الْحَقَّ، وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) )سَبَقَ في تَفْسِيرِ ذلكَ: أنَّهُ يَحْتَمِلُ قالَ الحقَّ في هذهِ القَضِيَّةِ المُعَيَّنَةِ، أوْ قالَ الحقَّ؛ لأنَّ مِنْ عَادَتِهِ سبحانَهُ ألاَّ يقولَ إلاَّ الحقَّ.
وأيًّا كانَ فإنَّ جبريلَ لا يُخْبِرُ الملائكةَ بِمَا أَوْحَى اللهُ إليهِ، بَلْ يَقُولُ: قَالَ الحقَّ مُبْهَمًا؛ ولهذا سُمِّيَ عليهِ السلامُ بالأَمِينِ.
والأمينُ:
هوَ الذي لاَ يَبُوحُ بالسِّرّ
قولُهُ: (( وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ) )تَقَدَّمَ الكلامُ عليهِ.
قولُهُ:
(( فَيَقُولُونَ كُلُّهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ جِبْرِيلُ ) )أيْ: قالَ الحقَّ وهوَ العليُّ الكبيرُ.
قولُهُ:
(( فَيَنْتَهِي جِبْرِيلُ بِالْوَحْيِ إِلَى حَيْثُ أَمَرَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ) )أيْ: يَصِلُ بالوحيِ إلى حَيْثُ أمرَ اللهُ مِن الأنبياءِ والرُّسلِ.
فيهِ مسائلُ:
الأُولَى:
(تفسيرُ الآيَةِ)
أيْ: قولِهِ تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ} الآيَةَ، وقَدْ سَبَقَ تفسيرُها.
الثانيَةُ: (ما فيهِ مِن الحُجَّةِ عَلَى إبطالِ الشركِ) وذلكَ أنَّ الملائكةَ وهُمْ مَنْ هُم في القوَّةِ والعظمةِ يُصْعَقُونَ ويَفْزَعُونَ مِنْ تَعْظِيمِ اللهِ، فكيفَ بالأصنامِ التي تُعْبَدُ مِنْ دونِ اللهِ، وهيَ أقلُّ منهم بكثيرٍ، فكيفَ يتعلَّقُ الإنسانُ بها؟!
ولذلكَ قيلَ:
إنَّ هذِهِ الآيَةَ هيَ التي تَقْطَعُ عُرُوقَ الشركِ
مِن القلبِ؛ لأنَّ الإنسانَ إذا عَرَفَ عَظَمَةَ الرَّبِّ سبحانَهُ حيثُ تَرْتَجِفُ السماواتُ ويُصْعَقُ أهلُهَا بمجرَّدِ تَكَلُّمِهِ بالوحيِ، فكيفَ يُمْكِنُ للإنسانِ أنْ يُشْرِكَ باللهِ شيئًا مخلوقًا رُبَّمَا يَصْنَعُهُ بيدِهِ؟!
حتَّى كانَ جُهَّالُ العربِ يَصْنَعُونَ آلهةً مِن التَّمْرِ إذا جاعَ أحَدُهُم أَكَلَها، ويَنْزِلُ أحدُهم بالوادِي فيأخذُ أربعةَ أحجارٍ؛ ثلاثةً يجعلُها تحتَ القِدْرِ، والرابعُ وهوَ أحسنُها يجعلهُ إلهًا لهُ!
الثالثةُ:(تفسيرُ قولِهِ: {قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}
)وسَبَقَ تفسيرُها.
الرابعةُ: (سببُ سُؤَالِهم عنْ ذلكَ) .
فالسُّؤَالُ: ماذا قالَ ربُّكم؟
وسببُهُ شدَّةُ خوفِهم منهُ وفزعُهم خوفًا منْ أنْ يكونَ قدْ قالَ فيهم ما لا يُطِيقُونَهُ مِن التَّعْذِيبِ.
الخامسةُ:
(أنَّ جِبْرِيلَ يُجِيبُهُم بعدَ ذلكَ بقولِهِ: قَالَ كذا وكذا) أيْ: يقولُ: قالَ الحقَّ.
السادسةُ: (ذُكِرَ أنَّ أوَّلَ مَنْ يَرْفَعُ رأْسَهُ جبريلُ) لحديثِ النَّوَّاسِ بنِ سَمْعانَ.
وفيهِ: فضيلةُ جبريلَ.
السابعةُ: (أنَّهُ يقولُ لأهلِ السماواتِ كُلِّهِم) لأنَّهم يَسْأَلُونَهُ، وفي هذا دليلٌ عَلَى عَظَمَتِهِ بيْنَهم.
الثامنةُ: (أنَّ الغَشْيَ يَعُمُّ أهلَ السماواتِ كُلَّهَم)
تُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: (( فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صُعِقُوا وَخَرُّوا للهِ سُجَّدًا ) ).
التاسعةُ: (ارْتِجَافُ السَّماواتِ لكلامِ اللهِ)
لقولِهِ: (( أَخَذَتِ السَّمَاوَاتِ مِنْهُ رَجْفَةٌ ) )أيْ: لأجْلِهِ؛ تعظيمًا للهِ.
العاشرةُ: (أنَّ جبريلَ هوَ الذِي يَنْتَهِي بالوحيِ إلى حيثُ أمرَهُ اللهُ)
أيْ: لا أحدَ يَتَوَلَّى إِيصَالَ الوحيِ بعدَ جبريلَ حتَّى يُوصِلَهُ إلى حيثُ أَمَرَهُ بهِ؛ لأنَّهُ الأمينُ عَلَى الوحيِ.
الحاديَةَ عشرةَ: (ذكْرُ استراقِ الشياطينِ)
أي: الذينَ يَسْتَرِقُونَ ما يُسْمَعُ في السماواتِ فَيُلْقُونَهُ على الكُهَّانِ، فَيَزِيدُ فيهِ الكُهَّانُ ويَنْقُصُونَ.
الثانيَةَ عشرَةَ: (صفةُ رُكُوبِ بعضهِم بعضًا)
وصفَها سفيانُ رَحِمَهُ اللهُ بأنْ حَرَّفَ يَدَهُ وَبَدَّدَ بينَ أصابعِهِ.
الثالثةَ عشرَةَ: (إرسالُ الشُّهُبِ)
يعني التي تُحْرِقُ مُسْتَرِقِي السَّمعِ، قالَ تعالى: {إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ} .
الرابعةَ عشرةَ: (أنَّهُ تَارَةً يُدْرِكُهُ الشِّهَابُ قبلَ أنْ يُلْقِيَهَا)
وتارةً يُلْقِيهَا في أُذُنِ وَلِيِّهِ مِن الإنْسِ قبلَ أنْ يُدْرِكَهُ.
الخامسةَ عشرةَ: (كونُ الكاهنِ يصدُقُ بعضَ الأحيانِ)
لأنَّهُ يأتي بما سَمِعَ مِن السَّماءِ ويزيدُ عليهِ، وإذا وقعَ ما في السَّماءِ صارَ صادقًا.
فإن قيل: كيفَ يسمعُ المسترقونَ الكلمَةَ وعندَما يَسْأَلُ الملائكةُ
جبريلَ يُجابونَ بِـ (( قَالَ الْحَقَّ ) )فقطْ؟
فالجوابُ:
أنَّ الوحيَ لا يعلمُهُ أهلُ السماءِ،
بلْ هوَ من اللهِ إلى جبريلَ إلى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
أمَّا الأمورُ القدرِيَّةُ التي يتَكَلَّمُ اللهُ بها فَلَيْسَتْ خَاصَّةً بجبريلَ، بلْ رُبَّما يعْلَمُها أهلُ السماءِ مُفَصَّلةً، ثمَّ يَسْمَعُها مُسْتَرِقُو السمعِ.
السادسةَ عشرةَ: (كَوْنُهُ يَكْذِبُ معها مائةَ كَذْبَةٍ)
أيْ: يَكْذِبُ مَعَ الكلمةِ التي تلقَّاها مِن المُسْتَرِقِ، وقولُهُ: (( مِائَةَ كَذْبَةٍ ) )هذا على سبيلِ المبالغةِ ليسَ على سبيلِ التَّحديدِ.
السابعةَ عشرةَ: (أنَّهُ لمْ يَصْدُقْ إلاَّ بتلكَ الكلمةِ التي سُمِعَتْ مِن السماءِ)
وأمَّا ما قالَهُ مِنْ عِنْدِهِ فهوَ تخرُّصٌ، فالكلمةُ التي سَمِعَها تَصْدُقُ، والذي يُضِيفُهُ كُلُّهُ كذِبٌ يُمَوِّهُ بهِ على الناسِ.
الثامنةَ عشرةَ: (قبولُ النفوسِ للباطلِ)