القبر ولو تأخر عنهم العذاب إلى انقضاء الدنيا لما صح أن يقال لهم: {الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} (1) .
وقوله سبحانه: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (101) } [التوبة: 101] .
فالمراد بقوله: {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} عذاب الدنيا بالمصائب، وعذاب القبر، وأما عذاب الآخرة فقد ذكره بقوله: {ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} (2) .
وقال عز وجل: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) } [غافر: 45 - 46] .
فالعذاب الحاصل لآل فرعون إنما كان بعد موتهم وهو عذاب القبر، وأما عذاب الآخرة فهو مذكور بعده في قوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} ، ولهذا فإن"هذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور" (3) .
وأما السُّنَّة: فقد تواترت الأحاديث الدالة على عذاب القبر، وتعدد رواتها فبلغوا تسعة وثلاثين صحابيًّا (4) ، ونص على ذلك جماعة من أهل العلم (5) .
(1) انظر: الروح (1/ 337) .
(2) انظر: تفسير ابن جرير (6/ 456) ، تفسير ابن كثير (2/ 423) .
(3) تفسير ابن كثير (4/ 85) ، وانظر: الروح (1/ 337) .
(4) ذكر البيهقي في كتابه إثبات عذاب القبر رواياتهم بطرق متعددة.
(5) انظر: مجموع الفتاوى (4/ 285) ، الروح (1/ 284) ، مفتاح دار السعادة لابن القيم (1/ 43) ، أهوال القبور لابن رجب (ص 45) ، شرح العقيدة الطحاوية (2/ 578) ، لوامع الأنوار البهية (2/ 5) ، نظم المتناثر من الحديث المتواتر (ص 125) ، سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 295) .