التقويم:
ما ذكره ابن حجر - غفر الله له - من كون نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - خلق من نور منقول عن جماعة من غلاة الصوفية (1) ، وهو قول باطل من وجوه:
1 -أن القول بذلك ينافي بشرية نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإن البشر مخلوقون من التراب لا من النور، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) } [الروم: 20] . وقال - صلى الله عليه وسلم:"خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم" (2) .
فهذا خبر عام في جميع البشر، فتخصيص نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - بأنه خلق من نور يحتاج إلى مخصص، ولا مخصص (3) .
2 -أن القول بذلك يفضي إلى بعض العقائد الفاسدة كاعتقاد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مخلوق من نور الله تعالى، وأن العالم كله خلق من نوره، وأنه أول المخلوقات، وأن خلقه متقدم على العرش والقلم، وقد التزم جماعة من القائلين بذلك بهذه العقائد (4) ، ومنهم ابن حجر.
3 -أن القول بذلك مأخوذ من بعض الفلسفات القديمة، والنظريات الفاسدة (5) .
4 -أن ما استدل به القائلون بذلك - ومنهم ابن حجر- لا يصح، وبيان ذلك فيما يلي:
(1) انظر: الفتوحات المكية لابن عربي (1/ 119) ، الإنسان الكامل للجيلي (2/ 46) ، الإبريز للدباغ (ص 252) .
(2) سبق تخريجه (ص 361) .
(3) انظر: مجموع الفتاوى (11/ 94 - 95) ، فتاوى اللجنة الدائمة (1/ 309) ، فتاوى ابن عثيمين (1/ 333) .
(4) انظر: الفتوحات المكية (1/ 119) ، الإنسان الكامل (2/ 46) ، الإبريز (ص 252) .
(5) انظر: الجواب الصحيح (3/ 384) ، حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ لعبد الرؤوف القاسم (ص 280) ، التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق لزكي مبارك (1/ 210، 279، 201) ، الانحرافات العقدية عند الصوفية لإدريس محمود إدريس (1/ 393) ، خصائص المصطفى بين الغلو والجفاء (ص 100 - 109) .