فهرس الكتاب
الصفحة 114 من 775

لذلك ولا تكلم به أحد من الصحابة بكلمة واحدة فما فوقها من هذا النمط من طريق تواتر ولا آحاد من طريق صحيح ولا سقيم؟ علم أنه - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عدلوا إلى ما هو أبين للفهم ليستبقوا إليه بأوائل العقل وهو ما أمر الله به من الاعتبار بمخلوقاته في غير ما آية" (1) ."

ويؤكد رحِمهُ الله ذلك بقوله:"لا حجة في إثبات التوحيد وما يجب له تعالى أو يجوز أو يستحيل بما سوى ما أنزل في كتابه وبيّنه على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم - وما نبّه عليه من الاعتبار، فقال: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (21) } [الذاريات: 21] ، وقوله تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) } [الغاشية: 17] ، {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ} [آل عمران: 190] ، {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) } [الواقعة: 58] ، الآيات."

وشبه ذلك من المجادلة الواضحة التي يدركها كافة العقلاء وعامة المخاطبين، وهي أكثر من أن تحصى، فيتعين بها وجوده، ثم يتيقن وحدانيته وعلمه وقدرته ..." (2) ."

ويصرح رحِمهُ الله بأن الاستدلال بما عليه المخلوقات من تمام الخلقة وبديع الصنعة أصح وأوفق في الدلالة على وجود الله تعالى وربوبيته من الاستدلال عليها بالنظر العقلي الذي سلكه المتكلمون من الأشاعرة وغيرهم.

حيث يقول:"فالاستدلال بهذا [يعني: الاستدلال بالمخلوقات على الخالق] أصح وأوضح في التوصل إلى المقصود، وعليه عوَّل سلف الأمة؛ لأنه نظر عقلي بديهي مركب على مقدمات من العقل والعلم، والتوصل إليه بطريق الأشاعرة فهو وإن صح إلا أنه لا يؤمن على صاحبه الفتنة؛ ولهذا تركها السلف لا لعجزهم عنها فهم أعقل وأفهم ممن بعدهم، ولم يأت آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أوائلها" (3) .

(1) الفتاوى الحديثية (ص 274) .

(2) المصدر السابق (ص 273 - 274) .

(3) المصدر السابق (ص 274) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام