بعد ذلك نأتي إلى الذين يثبتون الأسماء ويثبتون بعض الصفات، لكنهم ينفون بعض الصفات ولا يثبتون الصفات جميعاً، وهم الأشاعرة، وهم لا يُكَفَّرون، لكنهم -كفرقة- يعدون من فرق الضلال، وأما الأفراد فأحكامهم تختلف وتتفاوت، حتى إن من أوائل الأشعرية من كان أقرب إلى السنة، ومن أواخرهم من أصبح قريباً من الفلاسفة، كما بين ذلك شيخ الإسلام رحمه الله.
والخوارج في درجة المعتزلة، لكن من غلا من الخوارج وأنكر بعض القرآن أصبح في درجة الروافض.
ولو قارنت بين الرافضة وبين الخوارج، أيّ الطائفتين أخف وأقل شراً وضرراً، لعلمت أنها الخوارج بلا شك، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على ذكرهم، وأنهم على ضلالة، لكنهم إذا قورنوا مع الروافض يظلون أقل ضرراً من جهتين: أولاهما أن الخوارج لم يكفروا أبا بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، وإنما تكلموا في من بعدهم؛ فهم إذن أخف ممن يكفر الشيخين، ولا شك أن من يكفر عثمان أو علياً رضي الله تعالى عنهما هو على خطر عظيم، لكنه ليس كمن كفر الشيخين أو كفر جميع الصحابة.
ثانيهما: أن الخوارج أعلى رتبة من الرافضة في عبادتهم، فلو ألحقنا كل طائفة من الطائفتين بمن هو شبيه بها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فإننا نلحق الخوارج -جزئياً- بالثلاثة الذين تقالّوا العبادة، قال أولهم: أصوم ولا أفطر ... إلخ، بينما الرافضة يلحقون بالمنافقين.
وإذا أردنا أن نمد المقارنة وأن نطبق صفات هذه الفرق على ما نقوله في صلاتنا في كل ركعة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] كيف نصنف هذه الفرق؟ ومن نجعله مع المغضوب عليهم؟ ومن نجعله مع الضالين؟