وحين حرم الله تعالى علينا الزنا أو الخمر أو السرقة، حرمها لكي نعتقد تحريمها، وليس لمجرد ألا نفعلها، فهي -أي العلاقة بين العلم والعمل- مرتبطة لا تنفك، فأعمال القلوب وأعمال الجوارح مرتبطة، والأصل هو أعمال القلوب، والشارع لم يكتفِ منا في العمليات بمجرد العمل؛ بل لابد أيضاً من العلم -أي الاعتقاد- فهناك ترابط قائم ولا شك في وجوده.
وقد ضربنا مثالاً لذلك، كما ذكره الله تعالى بقوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً [إبراهيم:24] الآية، فالتلازم بين الظاهر والباطن قائم وحق.
يقول المصنف:"إلا أن يُضَمَّنَ قوله: (يستحله) بمعنى يعتقده، أو نحو ذلك"فتكون العبارة صحيحة؛ لأن الاعتقاد يتضمن فعل القلب.
فالمصنف يقول: [ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله] ، أي: ما لم يعتقده حلالاً، فإن كان عملياً فالمقصود لم يعتقد حله، وإن كان علمياً فالمقصود أنه لم يعتقد صحته وصدقه.
من درس: التكفير وضوابطه (الحلقة الثالثة)
يقول المصنف: [وقوله: (ولا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله) إلى آخر كلامه: رد على المرجئة، فإنهم يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنب، كما لا ينفع مع الكفر طاعة فهؤلاء في طرف، والخوارج في طرف] أي: نحن أهل السنة والجماعة لا نقول: لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله كما لا ينفع مع الكفر طاعة.
وهذه العبارة تنسب في الأصل إلى المرجئة، ولهذا تجد من يتحدث عن المرجئة يذكر هذه العبارة، ومنهم -على سبيل المثال-: الأشعري في المقالات، والبغدادي في الفرق بين الفرق، وإن لم ينسبوه إلى قائل معين، لكنه أمر موجود في النفوس، فإنه يوجد من يقول في نفسه: نحن -والحمد لله- ما دمنا مسلمين فلا يضرنا شيء، وما علينا شيء، والله غفور رحيم؛ لكنه لا يعتقد هذه المقالة عقيدة يدافع عنها ويلتزم بها، فهناك فرق بين الأمرين.