ويذكر شيخ الإسلام رحمه الله في ضمن الفتوى أن بعض أهل العلم قال بقتال من عطل شيئاً من الشعائر، وحتى ما هو أقل من الشعائر مثل ركعتي الفجر أو صلاة الاستسقاء، أو ما أشبه ذلك، وإذا امتنعت أمة عن الجهاد في سبيل الله وقالت: لا نجاهد في سبيل الله، ولا نضرب الجزية على أهل الكتاب، فإنها أيضاً تقاتل؛ لأنها تركت أمراً معلوماً من الدين بالضرورة وهو الجهاد وفرض الجزية. وهذا من باب الامتناع عن أداء واجبات معلومة من الدين بالضرورة، ويشهد لهذا الحديث الصحيح الذي ذكرناه فيما سبق، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل السرية، فإن سمعوا الآذان وإلاَّ أغاروا؛ لأن سماع الأذان يعني أن هذه دار إسلام، فهم معصومون، وإن لم يسمعوا أذاناً أغاروا عليهم، فهم ليسوا بمعصومي الدم والمال؛ لأنهم لو كانوا مسلمين لأذنوا للصلاة، وهذا هو الفرق بين الدارين.
إذاً: المثال الأول على أن بعض أهل القبلة كفار: هم المنافقون، والمثال الثاني: هم الممتنعون عن الالتزام بالشريعة. ولا يستطيع المرجئة إنكار ذلك؛ فدل ذلك على خطأ دعواهم في عدم تكفير أحد من أهل القبلة.
من درس: اختلاف الناس في إطلاق التكفير وعدمه
والواجبات التي يكفر منكرها هي الظاهرة المتواترة، وهناك واجبات ليست ظاهرة متواترة، وهناك فرق بين هذه الواجبات وشعب الإيمان عموماً، فمثلاً: إذا نكح رجل امرأة أبيه، أو تزوج من محارمه كأخته -عياذاً بالله- فإنه يكفر؛ لأن هذا ظاهر متواتر، لكن قد يغفل بعض الناس عن بعض أحكام الرضاعة، فيتزوج أخته من الرضاعة مثلاً، فهذا لا يكفر؛ لأن هذا الأمر غير ظاهر، فيمكن أن تخفى الأخوة من الرضاعة، لكن لا تخفى الأخوة من النسب.