وكذلك في الربا، فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى مستدلاً على كفر التتار، أن أناساً من ثقيف امتنعوا عن تحريم الربا، مع أنه من آخر ما نزل من المحرمات -ومعنى قوله رحمه الله: مع أن الربا من آخر المحرمات: أنه أي قد يخفى تحريمه بالنسبة لمن كانوا حديثي عهدٍ بالإسلام- ومع ذلك أنزل الله سبحانه وتعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة:279] ، فدل ذلك على وجوب قتال الطائفة إذا اجتمعت على فعل محرم أوترك واجب، وهذا القتال ليس من جنس قتال البغاة، ولكن من جنس قتال أهل الردة، كما قاتل أبو بكر رضي الله عنه مانعي الزكاة، وذلك لأن الطائفة اجتمعت لتدافع عن هذه القضية بالسيف، فمعنى ذلك: أنها أصبحت لديها عقيدة ومبدأ، وليست مجرد معصية، ولو أن رجلاً واحداً في ذاته شرب الخمر فيحمل في الأصل على أنه عاصٍ، لكن إذا كانت قبيلة -أو مدينة أو دولة- أعلنت أن الخمر من روافد اقتصادها، وأنها تعصر الخمر وتبيعه وتصدره، فكتب إليها المسلمون وناصحوها، فقالت: لا نمتنع أبداً! ونحن مستعدون أن نقاتل دون هذا الشيء، وتجمعوا وحملوا السلاح، وجاءوا لقتال من يقاتلهم من أجل هذا الحرام، فهؤلاء يقاتلون قتال ردة وليس قتال بغاة؛ لأن الباغي أو قاطع الطريق يُقَاتل مع اعتقاد أنه مسلم، أما هؤلاء فقتالهم قتال ردة؛ لأنهم اجتمعوا على هذا الأمر.