من درس: إقامة العقوبات على المبتدعة في الدنيا
عندما تقابلت جيوش الإيمان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مع جيوش الكفر والضلال من مشركي العرب ومن الروم والفرس، فإننا لا نجزم أن كلَّ واحد من أعيان تلك الجيوش قد قامت عليه الحجة واتضحت له المحجة؛ لكن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا كبراءهم، كما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وإلى كسرى، ثم قبل القتال دعا قادة الإسلام أمثال: سعد وخالد وأبي عبيدة وغيرهم رضي الله تعالى عنهم؛ دعوا قادة الكفرة إلى الإسلام، أو الجزية، أو القتال، وهذا غاية ما يمكن فعله، لكن قد يُقتل من يكون معذوراً، فقد لا يفقه ولا يفهم، ولم يبلغه شيء من الدين ولا من الحق، وإنما سيق إلى المعركة كالبهيمة، وهذا يقع، ولكن لا يعني ذلك أنه لا يقاتل في الدنيا أو لا تقام عليه الحدود إن كان من أهل الحدود، ثم مصيره إلى الله سبحانه وتعالى: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49] .
فنحن في الدنيا نعتقد أنهم كفار، ونستحلُّ دماءهم وأموالهم، وإذا كان فيهم من هو عند الله تبارك وتعالى معذور؛ فأمره إلى الله. وما قرَّرناه من أن رحمة الله سبقت غضبه لا يتنافى مع هذا؛ لأن أحكام الدنيا لابد أن تقام، ودين الله لابد أن يُنصر، ولا بد أن تُقام الحدود، ولو أننا لا نجاهد ولا نقيم الحد إلا على من علمنا يقيناً أنه في باطنه عرف الحق وبلغه، لكان هذا من تكليف ما لا يطاق، والله سبحانه وتعالى لم يكلفنا ما لا طاقة لنا به: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] ، وإنما أمرنا أن نتخذ الأسباب، ثم بعد ذلك هؤلاء أمرهم إلى الله سبحانه.
من درس: إقامة العقوبات على المبتدعة في الدنيا
ثم ذكر المصنف رحمه الله الحكمة من عقاب المبتدع فقال: [لمنع بدعته] ، أي: يُعاقب لمنع بدعته.
ثم قال: [أو أن نستتيبه فإن تاب وإلا قتلناه] .