يقول الحافظ رحمه الله:"وأظهر الأقوال: أنه قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه، حتى ذُهب بعقله لما يقول"، أي: لم يعد يعقل حقيقة ما يقول، قال:"ولم يقله قاصداً لحقيقة معناه؛ بل في حالة كان فيها كالغافل والذاهل والناسي، الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه"، فهذا الرجل عند الموت غلب عليه الخوف حتى نسي ما عدا ذلك، وقد يأتي على بعض الناس حالة يذكر فيها الرجاء المطلق وينسى الخوف، في حال الموت وفي غيره، لكن هذا لأنه في حال الموت ولإسرافه في الذنوب والمعاصي؛ كان ذلك أليق به أن يكون أكثر ذهولاً ونسياناً لقدرة الله سبحانه وتعالى، فهو لا ينكر أن الله على كل شيء قدير، ولا ينكر البعث بعد الموت، لكن لشدة خوفه من البعث أمر أبناءه أن يفعلوا به ذلك، فهو موقن أن البعث سيكون، لكنه ظن أن هذه حيلة يمكن أن ينجو بها من العذاب فيتلافى البعث.
يقول الحافظ:"وأبعد الأقوال قول من قال: إنه كان في شرعهم جواز المغفرة للكافر"، وهذا كلام بعيد؛ إذ كيف يجوز أن يغفر الله للكفار؟ وعلى هذا التأويل لن يكون للحديث معنى، لكن يظل معناه وموعظته وعبرته قائمة على الاحتمال الصحيح: أن الخوف من الله عز وجل هو الذي حمله على ذلك.
من درس: التكفير وضوابطه (الحلقة السادسة)