ففي الحديث الثاني علل النبي صلى الله عليه وسلم نهيه عن لعن شارب الخمر بقوله: {إنه يحب الله ورسوله} أي أنه وجد في هذا الشخص بعينه مانع يمنع لحوق الوعيد العام به، ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم اللعن في العموم؛ لأنه هو الذي قاله وأطلقه؛ فلو أنك سمعت أن رجلاً شرب الخمر، فقلت: لعن الله شاربها وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها، فما عليك شيء؛ لأنك لم تلعنه هو بعينه؛ بل أطلقت اللعن بعمومه؛ فإن كان هذا الرجل يستحق اللعن شمله اللعن، وإن لم يكن مستحقاً للعن، فأنت حينئذ ما أخطأت وما أثمت، لكن إن قلت: فلان ملعون، فقد يقال: هناك مانع يمنع من إطلاق هذا الحكم.
وربما لو انتفى هذا المانع في حق ذلك الرجل، لسكت النبي صلى الله عليه وسلم وأقر اللاعن له على لعنه، لكن وجد المانع وهو حب الله ورسوله، يقول:"فنهى عن لعن هذا المعين، وهو مدمن خمر؛ لأنه يحب الله ورسوله، وقد لعن شارب الخمر على العموم".
من درس: التكفير وضوابطه (الحلقة التاسعة)
ضوابط أهل السنة في تكفيرهم لأهل البدع والأهواء
ثم يقول:"فصل، إذا ظهرت هذه المقدمات في اسم المؤمن والكافر والفاسق الملّي، وفي حكم الوعد والوعيد، والفرق بين المطلق والمعين، وما وقع في ذلك من الاضطراب؛ فـ (مسألة تكفير أهل البدع والأهواء) متفرعة على هذا الأصل".
فهذه المسألة هي موضوع بحثنا، والتي بناءً عليها ذكر ابن أبي العز رحمه الله حديث الرجل الذي أمر أبناءه، وأوصاهم بحرقه بعد الموت وذر رماده في البحر؛ يبين شيخ الإسلام رحمه الله أن هذه المسألة متفرعة عن هذه القضايا.