يورد البعض سؤالاً حول قصة هذا الرجل فيقولون: هل وقعت المسائلة لهذا الرجل من الله على الحقيقة في قبره، أم أنه حكاية لما سيقع في يوم القيامة؟
فالظاهر أنه وقع قبل يوم القيامة، وإن كان بعض العلماء يقول: إن هذا ذكر لما سيكون يوم القيامة.
وعلى أية حال: إن كان ذلك قد وقع -وهو الظاهر الذي نراه- فهو ظاهر الحديث، وإذا لم يقع، فهو -كما ذكرنا- من باب أن الله سبحانه -وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم- قد يخبر عن أشياء مستقبلية لم تقع على أنها قد وقعت؛ لتيقن وتحقق وقوعها كما أخبر الله تعالى وكما أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم. {قال: كن، فإذا رجلٌ قائم، ثم قال: أي عبدي! ما حملك على ما فعلت؟ فقال: مخافتك، أو قال: فرقٌ منك} ، والفرق: هو الخوف، قال: يا رب! مخافتك والفرق منك.
من درس: حديث الرجل الذي قال لبنيه (إذا مت فاسحقوني)
هذا الحديث متفق عليه، رواه الإمام البخاري والإمام مسلم، ورواه غيرهما من الأئمة، فهو حديث صحيح ثابت، ومن رده فقد ردَّ حديثاً صحيحاً ثابتاً من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا دليل له على رده، ولم يرده أحد أولم يعمل به بناءً على دليل علمي أو شبهة، وإنما غاية ما عندهم أن يقولوا: إنه مخالف للقطعيات أو للكليات، أو مخالف للأصول، أو ما أشبه ذلك، وهذا كله من معارضة الحق بالباطل؛ لأن الأصول والقطعيات عندنا هي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهناك فرق بين القواعد العقلية والقواعد الشرعية: فالقواعد العقلية لا تقبل التخصيص، فإذا وُجدت جزئية واحدة، أو مثال واحد لا تنطبق عليه القاعدة؛ بطلت القاعدة.
أما القواعد الشرعية: فإنها وإن كانت قطعية فإنها تقبل التخصيص وتقبل التقييد.
فهذا الحديث وأمثاله هو أصل برأسه، إذْ قد قاله النبي صلى الله عليه وسلم وصحّ عنه، ولا يقال: إنه عارض الأصول.