فهرس الكتاب
الصفحة 17 من 359

ثم ظهر بعد ذلك عبد الله بن إباض زعيم الإباضية، فخفف من غلو الطائفتين، فخالف نافعاً ونجدة وقال: إنما هو كفر دون كفر، أو كفر النعمة -كما يسميه البعض- وهم المؤمنون قطعاً وغيرهم مؤمنون لكنهم كفار كفر نعمة، إلا السلطان وعسكره فقط، أي: الذين يخرجون من الملة، فالقضية المهمة عند الخوارج في جميع فرقهم ومقالاتهم هي السلطة أو الحاكم أو الخليفة، وكأنه إذا صلح صلح كل شيء وإذا فسد فسد كل شيء، وليس عندهم إيمان يزيد وينقص، فإذاً ليس عندهم في الحاكم إلا أن يكون مثل أبي بكر وعمر أو يكون كافراً، ولهذا استحل الخوارج دماء المسلمين المخالفين لهم وقالوا: دارهم دار كفر، إما كفر مخرج من الملة، كما هو رأي الأزارقة والنجدات، أو كفر دون كفر كما هو رأي الإباضية، لكن في الآخرة كلهم مجمعون على أنه خالد مخلد في النار ... إلخ، وقضيتهم الأساسية مع الأمة هي بماذا تكفر -حتى لو كان كفراً أصغر-؟!، وبأي شيء يمتحن الناس؟! وعلى أي شيء يوالى ويعادى الناس؟! وكل ذلك مبني على موقفهم من السلطان وعسكره، فهذا هو عندهم أصل الإيمان والدين والولاء والبراء، فإن قال رجل: عبد الملك بن مروان خليفتنا وأمير المؤمنين كفروه؛ لأنه يواليه؛ وهكذا لو كان من جنده فهذا كافر، وإن تبرأ منه فهو مسلم مؤمن، هذا هو الإيمان عندهم، ولذلك استحلوا أن يغزوا وأن يهاجموا العوام من المسلمين، وانتشار هؤلاء الخوارج ملاحظ في أواسط نجد خاصة، ثم في بلاد فارس ثم في عمان ثم انتشروا في المغرب وأنشئوا دولاً في بلاد الفرس ... وكلهم يستحلون دماء المسلمين، ويقولون: هؤلاء كفار لأنهم لم يعينونا ولم يخرجوا معنا على حكام الجور وسلاطين الظلم.

من درس: التكفير وضوابطه (الحلقة الأولى)

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام