فهرس الكتاب
الصفحة 202 من 359

ما تقدم ذكره كان في أحكام الآخرة، وأما أحكام الدنيا فإنها كما ذكر المصنف رحمه الله بعد ذكره للحديث قال:"وكان يظن أن الله لا يقدر على جمعه وإعادته، أو شك في ذلك، لكن هذا التوقف في أمر الآخرة لا يمنعنا أن نعاقبه في الدنيا لمنع بدعته، وأن نستتيبه، فإن تاب وإلا قتلناه".

أي: أنه كان يظن أن الله لا يقدر عليه أو شك في ذلك كما تقدَّم إيضاحه، يقول: [لكن] وهي هنا للاستدراك"لكن هذا التوقف في أمر الآخرة لا يمنعنا أن نعاقبه في الدنيا"فالكلام السابق هو في حقِّه في الآخرة، أي: لا نقطع ولا نجزم بكفره أو ردته أو خلوده في النار .. إلى آخره، ومع أننا نقول ذلك بالنسبة لما يتعلق بالآخرة؛ لكن ذلك لا يمنعنا من معاقبته في الدنيا، وربما يُعاقب في الدنيا وهو عند الله تعالى معذور، لكن بالنسبة لأحكام الدنيا لابد من العقاب إذا أقمنا عليه الحجة وأوضجنا له الدليل، ولم يقبل ولا اهتدى، ونحن معذورون عند الله إذا عاقبناه؛ لأننا اجتهدنا وتحرينا ألا نقيم الحد والعقوبة إلا على من يستحقها، فهذا غاية اجتهادنا، وهو قد يكون معذوراً.

تقام الحجة على المبتدع قدر الإمكان ثم يعامل حسب الظاهر منه

عندما تقابلت جيوش الإيمان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مع جيوش الكفر والضلال من مشركي العرب ومن الروم والفرس، فإننا لا نجزم أن كلَّ واحد من أعيان تلك الجيوش قد قامت عليه الحجة واتضحت له المحجة؛ لكن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعا كبراءهم، كما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وإلى كسرى، ثم قبل القتال دعا قادة الإسلام أمثال: سعد وخالد وأبي عبيدة وغيرهم رضي الله تعالى عنهم؛ دعوا قادة الكفرة إلى الإسلام، أو الجزية، أو القتال، وهذا غاية ما يمكن فعله، لكن قد يُقتل من يكون معذوراً، فقد لا يفقه ولا يفهم، ولم يبلغه شيء من الدين ولا من الحق، وإنما سيق إلى المعركة كالبهيمة، وهذا يقع، ولكن لا يعني ذلك أنه لا

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام