فالمقصود أنهم خرجوا وكانت المعركة التي أشرنا إليها ثم تطور حالهم فيما بعد، وبعد عام الجماعة بقي الأمر في مدة خلافة معاوية رضي الله تعالى عنه هادئاً، وكانت تلك العشرون سنة التي تولى فيها معاوية رضي الله تعالى عنه من أفضل وأصلح العصور، هدأت فيها الأحوال وسكنت فيها الفتن وانصرف الناس إلى العلم، وكثير من الأحاديث والآثار إنما رويت في هذه الفترة، وأراد الله سبحانه وتعالى أن يأتي بعده يزيد ومع يزيد ظهرت الفتن واستشرت، ومنها انتشار الخوارج، ثم بعد ذلك في أيام عبد الملك بن مروان والحجاج كان ظهورهم أشد، فالخوارج أشد ما ظهروا وقويت شوكتهم في زمن بني أمية، مع أنهم خرجوا في أيام علي رضي الله تعالى عنه، واستمرت فتنتهم حتى قتلوه رضي الله تعالى عنه، لكن ما تطوروا وتفرقوا وحكموا بعض الأقطار إلا في آخر زمن صغار الصحابة، كعبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه وعبد الله بن عمر وأبي سعيد الخدري وأمثالهم.
ونستطيع على سبيل الإجمال أن نصنف الخوارج بحسب غلوهم إلى ثلاثة أصناف رئيسية، وإلا فهم فرق كثيرة:
الأزارقة
الأزارقة هم أعظم الخوارج غلواً وأبعدهم عن السنة -وقد ظهر الأزارقة بعد المحكمة الأولى وهم أصحاب النهروان - وترأسهم نافع بن الأزرق الذي هو شيخهم وإمامهم وهو مشهور في كتب التفسير كما تجدون في الدر المنثور مثلاً أو في الطبري وحتى في البخاري لكن لم يسمه، وهو الذي عرف بسؤالاته لابن عباس عندما كان يسأل ابن عباس ويجيبه، ولا يقبل، ويجادل، وهذا شأن الخوارج وأساس ضلالهم أنهم يعتقدون أن العبد متعبد بعين الحق في كل مسألة، وهذا مخالف لما نحن مأمورون به من الاجتهاد لبلوغ الحق والتسديد والمقاربة في حدود الاستطاعة.