فهرس الكتاب
الصفحة 42 من 93

أمَّا إيمانُ القلبِ واعتقادُهُ، فهذا لا شكَّ في دُخُولِهِ في الآيةِ.

وأمَّا موافقةُ أصحابِها في العملِ معَ بُغْضِها ومعرفةِ بُطْلانِها فهذا يحْتَاجُ إلى تفصيلٍ، فإنْ كانَ وافقَ أصحابَها بناءً على أنَّها صحيحةٌ فهذا كُفْرٌ، وإنْ كانَ وافقَ أصحابَها ولا يعتقدُ أنَّها صحيحةٌ فإنَّهُ لا يَكْفُرُ، لكنَّهُ لا شكَّ على خَطَرٍ عظيمٍ يُخْشَى أنْ يُؤَدِّيَ بهِ الحالُ إلى الكُفْرِ والعياذُ باللهِ.

الخامسةُ: (( قولُهُم: إنَّ الكُفَّارَ الذينَ يعرفونَ كُفْرَهم أهْدَى سبيلاً من المؤمنينَ ) )

يعني أنَّ هذا القولَ كُفْرٌ ورِدَّةٌ؛ لأنَّ مَنْ زَعمَ أنَّ الكُفَّارَ الذينَ يُعْرَفُ كُفْرُهم أهدى سبيلاً من المؤمنينَ فإنَّهُ كافرٌ لتعْظِيمِهِ الكفرَ على الإيمانِ.

السادسةُ: (( وهيَ المقصودةُ بالترجمةِ، أنَّ هذا لا بُدَّ أنْ يُوجَدَ في هذهِ الأمَّةِ كما تَقرَّرَ في حديثِ أبي سعيدٍ ) )

السابعةُ: (( تصريحُهُ بوُقُوعِها، أعني عبادةَ الأوثانِ ) )

وقدْ سبقَ بيانُها، والترجمةُ التي أشارَ إليها رَحِمَهُ اللهُ هيَ قولُهُ: (بابُ ما جاءَ أنَّ بعْضَ هذهِ الأُمَّةِ يَعْبُدُ الأوثانَ) .

وحديثُ أبي سعيدٍ هوَ قولُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (( لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ ) )قالوا: يا رسولَ اللهِ، اليهودُ والنَّصَارى؟

قالَ: (( فَمَنْ؟ ) )أخْرَجَاهُ.

وهذا يتضَمَّنُ التحذيرَ منْ أنْ تقَعَ هذهِ الأُمَّةُ في مِثْلِ ما وقعَ فيهِ مَنْ سبَقَها.

الثامنةُ:

(( العَجَبُ العُجَابُ خُرُوجُ مَنْ يدَّعي النبوَّةَ مثلَ المختارِ معَ تكَلُّمِهِ بالشهادتينِ وتصريحِهِ بأنَّهُ منْ هذهِ الأُمَّةِ، وأنَّ الرسولَ حقٌّ وأنَّ القرآنَ حقٌّ، وفيهِ أنَّ محمَّدًا خاتَمُ النبيِّينَ، ومعَ هذا يُصَدَّقُ في هذا كُلِّهِ معَ التضادِّ الواضحِ، وقدْ خرجَ المختارُ في آخرِ عهدِ الصحابةِ وتَبِعَهُ فئامٌ كثيرةٌ ) )والمُخْتَارُ هوَ ابنُ أبي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيُّ، خَرجَ وغلَبَ على الكوفةِ في أوَّلِ خلافةِ ابنِ الزبيرِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وأظهرَ محبَّةَ آلِ البيتِ، ودعا الناسَ إلى الثَّأْرِ منْ قَتَلَةِ الحُسَيْنِ، فتَتَبَّعَهُم وقَتَلَ كثيرًا ممَّنْ باشرَ ذلكَ أوْ أعانَ عليهِ، فانْخَدَعَ بهِ العامَّةُ، ثمَّ ادَّعَى النبوَّةَ وزعَمَ أنَّ جبريلَ يأْتِيهِ.

ولا شكَّ أنَّ هذهِ المسألةَ من العجبِ العجابِ أنْ يَدَّعِيَ النبوَّةَ وهوَ مؤمِنٌ أنَّ القرآنَ حقٌّ، وفي القرآنِ أنَّ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خاتمُ النبيِّينَ، فكيفَ يكونُ صادقًا؟ وكيفَ يُصَدَّقُ معَ هذا التناقضِ؟!

ولكنْ مَنْ لمْ يَجْعَل اللهُ لهُ نورًا فما لهُ منْ نورٍ.

التاسعةُ:

(( البِشارةُ بأنَّ الحقَّ لا يزولُ بالكُلِّيَّةِ كما زالَ فيما مضى، بلْ لا تزالُ عليهِ طائفةٌ ) )يعني: مِنْ هذهِ الأُمَّةِ، منصورةٌ إلى يومِ القيامةِ، يُؤْخَذُ هذا منْ آخرِ الحديثِ: (( لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورةً، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) ).

العاشرةُ:

(( العَجَبُ العُجَابُ خُرُوجُ مَنْ يدَّعي النبوَّةَ مثلَ المختارِ معَ تكَلُّمِهِ بالشهادتينِ وتصريحِهِ بأنَّهُ منْ هذهِ الأُمَّةِ، وأنَّ الرسولَ حقٌّ وأنَّ القرآنَ حقٌّ، وفيهِ أنَّ محمَّدًا خاتَمُ النبيِّينَ، ومعَ هذا يُصَدَّقُ في هذا كُلِّهِ معَ التضادِّ الواضحِ، وقدْ خرجَ المختارُ في آخرِ عهدِ الصحابةِ وتَبِعَهُ فئامٌ كثيرةٌ ) )والمُخْتَارُ هوَ ابنُ أبي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيُّ، خَرجَ وغلَبَ على الكوفةِ في أوَّلِ خلافةِ ابنِ الزبيرِ رَضِيَ اللهُ عنهُ، وأظهرَ محبَّةَ آلِ البيتِ، ودعا الناسَ إلى الثَّأْرِ منْ قَتَلَةِ الحُسَيْنِ، فتَتَبَّعَهُم وقَتَلَ كثيرًا ممَّنْ باشرَ ذلكَ أوْ أعانَ عليهِ، فانْخَدَعَ بهِ العامَّةُ، ثمَّ ادَّعَى النبوَّةَ وزعَمَ أنَّ جبريلَ يأْتِيهِ.

ولا شكَّ أنَّ هذهِ المسألةَ من العجبِ العجابِ أنْ يَدَّعِيَ النبوَّةَ وهوَ مؤمِنٌ أنَّ القرآنَ حقٌّ، وفي القرآنِ أنَّ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ خاتمُ النبيِّينَ، فكيفَ يكونُ صادقًا؟ وكيفَ يُصَدَّقُ معَ هذا التناقضِ؟!

ولكنْ مَنْ لمْ يَجْعَل اللهُ لهُ نورًا فما لهُ منْ نورٍ.

التاسعةُ:

(( البِشارةُ بأنَّ الحقَّ لا يزولُ بالكُلِّيَّةِ كما زالَ فيما مضى، بلْ لا تزالُ عليهِ طائفةٌ ) )يعني: مِنْ هذهِ الأُمَّةِ، منصورةٌ إلى يومِ القيامةِ، يُؤْخَذُ هذا منْ آخرِ الحديثِ: (( لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورةً، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ) ).

العاشرةُ:

(( الآيةُ العظمى أنَّهُم معَ قِلَّتِهِم لا يَضُرُّهم مَنْ خَذَلَهُم ولا مَنْ خَالَفَهم ) )وهذهِ آيةٌ عظمى، أنَّ الكثرَةَ الكاثرةَ منْ بني آدمَ على خلافِ ذلكَ، ومعَ ذلكَ لا يضُرُّونَهُم { كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ واللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } .

الحاديةَ عشرةَ:

(( أنَّ ذلكَ الشرْطَ إلى قيامِ الساعةِ ) )وقدْ سبقَ.

الثانيةَ عشرةَ: (( ما فيهِ من الآياتِ العظيمةِ ) )

أيْ: ما في هذا الحديثِ من الآياتِ العظيمةِ، والآياتُ جمعُ آيةٍ، وهيَ العلامةُ، والآياتُ التي يُؤَيِّدُ اللهُ بها رُسَلَهُ عليهم الصلاةُ والسلامُ هيَ العلاماتُ الدالَّةُ على صدقِهِم.

فَمِمَّا في هذا الحديثِ إخبارُه:

بأنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتعالى زَوَى لهُ المشارقَ والمغاربَ،

وأخْبرَ بمعنى ذلكَ، فوَقَعَ كما أخبرَ بخلافِ الجنوبِ والشمالِ، فإنَّ رسالةَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ امْتَدَّتْ نحوَ الشرقِ والغربِ أكثرَ من امتدادِها نحوَ الجنوبِ والشمالِ، وهذا منْ عِلْمِ الغيبِ الذي أطْلَعَ اللهُ رسولَهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عليهِ.

ومنها:

إخبارُهُ أنَّهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أُعْطِيَ الكنْزَيْنِ؛

وهما كنزُ كِسْرَى وقيْصَرَ.

ومنها:

إخبارُهُ بإجابةِ دعوتِهِ لأمَّتِهِ في الاثنتينِ،

وهُما:

-ألاَّ يُهلِكَها بسنةٍ بعامَّةٍ.

-وألاَّ يُسَلِّطَ عليهم عدُوًّا مِنْ سِوَى أنفُسِهم فيستبِيحَ بيضَتَهُم حتَّى يكونَ بعضُهم يُهْلِكُ بعضًا... إلخ، ومنعِ الثالثةِ وهيَ ألاَّ يجْعَلَ بأسَ هذهِ الأُمَّةِ بيْنَها، فإنَّ هذا سوفَ يكونُ كما صَرَّحَ بهِ حديثُ عامرِ بنِ سعدٍ عنْ أبيهِ، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أقْبَلَ ذاتَ يومٍ من العاليةِ حتَّى إذا مرَّ بمسجدِ بني مُعاوِيةَ دَخَلَ فرَكَعَ فيهِ ركعتيْنِ وصلَّيْنَا معهُ ودَعَا دُعاءً طويلاً وانصرفَ إليْنَا فقالَ: (( سَأَلْتُ رَبِّي ثَلاَثًا فَأَعْطَانِي اثنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً، سَأَلْتُ رَبِّي أَلاَّ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالسَّنَةِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَلاَّ يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا، وَسَأَلْتُهُ أَلاَّ يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَينَهُمْ فَمَنَعَنِيهَا ) )أيْ: مَنَعَنِي إيَّاها.

ومن الآياتِ التي تضَمَّنَها هذا الحديثُ:

إخبارُهُ بوُقُوعِ السيفِ في أُمَّتهِ، وأنَّهُ إذا وقعَ فإنَّهُ لا يُرْفَعُ حتَّى تقومَ الساعةُ، وقدْ كانَ الأمرُ كذلكَ، فإنَّهُ منذُ سُلَّت السيوفُ على المسلمينَ منْ بعْضِهم على بعضٍ بقِيَ هذا إلى يومِنا هذا.

ومنها:

إخبارُهُ بإهلاكِ بعضهِم بعضًا وسبْيِ بعضِهم بعضًا،

وهذا أيضًا واقعٌ.

ومنها:

خوفُهُ على أُمَّتِهِ من الأئِمَّةِ المُضلِّينَ،

والأئِمَّةُ جمْعُ إمامٍ، والإمامُ هوَ مَنْ يُقْتَدَى بهِ، إمَّا لِعِلْمِهِ، وإمَّا لسُلْطَتِهِ، وإمَّا لعبَادَتِهِ.

ومنها: إخبارُهُ بظُهورِ المتنَبِّئِينَ في هذهِ الأُمَّةِ، وأنَّهُم ثلاثونَ.

قالَ ابنُ حَجَرٍ: (هذا الحصرُ بالثلاثينَ لا يعني انحصارَ المُتَنَبِّئِينَ بذلكَ؛ لأنَّهُم أكثرُ منْ ذلكَ) ، قلتُ: فيكونُ ذكرُ الثلاثينَ لبيانِ الحدِّ الأدْنَى، أيْ: إِنَّهُم لا ينْقُصُونَ عنْ ذلكَ العددِ، وإنَّما عدَلْنَا عنْ ظاهرِ اللَّفْظِ للأمرِ الواقعِ، وهذا واللهُ أعلمُ هوَ السرُّ في ترْكِ المؤَلِّفِ رَحِمَهُ اللهُ العددَ في مسائلِ البابِ معَ أنَّهُ صريحٌ في الحديثِ، ولعل من تعظم الفتنة بهم منهم يبلغون ثلاثين فأُسقط غيرهم من العد لعدم المبالاة به .

ومنها:

إخبارُهُ ببقاءِ الطائفةِ المنصورةِ،

وهذا كُلُّهُ وَقَعَ كما أخبرَ، قالَ الشيخُ رَحِمَهُ اللهُ: (معَ أنَّ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْها أَبْعَدُ ما يَكونُ فِي العُقولِ) .

الثالثةَ عشرةَ:

(( حَصْرُ الخَوْفِ على أُمَّتِهِ من الأئِمَّةِ المُضِلِّينَ ) )ووجهُ هذا الحصرِ أنَّ الأئِمَّةَ ثلاثةُ أقسامٍ:أُمَرَاءُ، وعُلَمَاءُ، وعُبَّادٌ، فهم الذينَ يُخْشَى منْ إضْلالِهِم؛ لأنَّهُم مَتْبُوعُونَ، فالأمراءُ لهم السلطةُ والتنفيذُ، والعلماءُ لهم التوجيهُ والإرشادُ، والعُبَّادُ لهم تغريرُ الناسِ وخدَاعُهم بأحوَالِهِم، فهؤلاءِ يُطَاعُونَ ويُقْتَدَى بهم، فيُخَافُ على الأُمَّةِ منهم؛ لأنَّهُم إذا كانوا مُضِلِّينَ ضلَّ بهِم كثيرٌ من الناسِ ، وإذا كانوا هادينَ اهتدى بهم كثيرٌ من الناسِ.

الرابعةَ عشرةَ: (( التنبيهُ علَى معنى عبادةِ الأوثانِ ) )

يعني: أنَّ عبادَةَ الأوثانِ لا تختصُّ بالركوعِ والسجودِ لها، بلْ تشملُ اتِّبَاعَ المُضِلِّينَ الذينَ يُحِلُّونَ ما حَرَّمَ اللهُ فيُحِلَُّهُ الناسُ، ويُحَرِّمونَ ما أحلَّهُ اللهُ فَيُحَرِّمُهُ الناسُ.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام